IMLebanon

التناحر المسيحي طريق لبنان إلى المخاطر!

بعد ثلاثة أسابيع ويومين فقط، يكون قد مضى عامان كاملان على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية (التي يحلو للبنانيين أن يطلقوا عليها تسميات شبيهة بالتسميات الفرنسية، مثل القول الجمهورية الثانية أو الثالثة)، والتي وصل إليها «الجنرال» تحت مسمى «الرئيس القوي»، المدعوم من «تكتل لبنان القوي»، الذي يقول أنه التكتل الأول، عددياً، في مجلس النواب، بعد قانون النسبية، الذي أبعد تيّار «المستقبل» وهو تيّار الرئيس المكلف سعد الحريري، عن سدَّة التكتل الأكبر، في مجلس العام 2009.

بمعنى ما، يكون قد مضى عامان على العهد القوي، من دون ان يبرّ بمشروعه الإصلاحي – التغييري، وسط آمال ودعوات لإعادة بناء الدولة العادلة القوية، التي بإمكانها أن توقف تنامي المديونية العامة، وتفتح الطريق امام الاستراتيجية الدفاعية، وإعادة كامل النازحين، ومنع التوطين، فضلاً عن وضع لبنان على طريق المجتمع المدني، والدولة المدنية، أو العلمانية الشاملة، بفصل الدولة عن المجتمع الديني، الطوائف..

وبصرف النظر عن تقييم ما اعتبر إنجازات السنة الأولى، في ظل حكومة «التسوية الرئاسية» لجهة التعيينات.. او اجراء الانتخابات أو إقرار الموازنة، فإن نظرة على الموقف تكشف عمق المأزق السياسي الدستوري – المالي – الاجتماعي، فضلاً عن انكشاف غير مسبوق للبلد على خيارات أو مخاطر، يُمكن ان يذكر منها:

1 – العودة إلى الاستقطاب الطائفي والمذهبي الخطير، بين المكونين الرئيسيين: مسلمين ومسيحيين، وبين الطوائف في كل «جناح» (على طريقة لبنان بجناحيه)، وبين كل طائفة على حدة..

2 – العودة إلى الانقسام المسيحي، على الرغم من التفاهمات المكتوبة، بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية». انه مشهد الاستقطاب بين التيار الذي أسسه العماد عون والحزب الذي أسسه «قائد القوات اللبنانية» سمير جعجع.

3 – شكلت الانتخابات النيابية، فرصة لعودة التنافس على قيادة المسيحيين، إلى هذين الحزبين، ولكن هذه المرة، عبر المؤسسات الدستورية، وليس عبر الجهات التي عبَّرت عنها حربا التحرير و«الإلغاء»، ودائماً تحت مسميات مذهلة: المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار، أمن المجتمع المسيحي، السيادة، الحرية، الاستقلال، إبعاد سوريا عن لبنان… إلخ.

4 – أدت حرب الإلغاء إلى ولادة اتفاق الطائف، الذي يقول المسيحيون، انه انتزع صلاحيات رئيس الجمهورية في ميثاق 1943، وأدت إلى ما أدت إليه من إحباط، وسينودس من أجل لبنان، لإعادة انخراط المسيحيين في الدولة والمجتمع، بمبادرة من بابا روما الراحل يوحنا بولس الثاني..

5 – شكّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري بداية لدور مسيحي متجدَّد، جعجع يخرج من السجن، مع خروج الجيش السوري من لبنان، خارج ترتيبات اتفاق الطائف. عون يعود إلى البلد من منفاه في إحدى ضواحي باريس. لكن إنعاش هذا الدور، جاء على خلفية انهيار النظام العربي، وانهيار الوحدة الإسلامية (سنّة وشيعة) وترنح نظام «الوصاية السورية».

6 – مع التطورات الدراماتيكية، المتتالية، والمتسارعة، كان فريق  عون حليف الشيعة، الذين شكلوا صلب 8 آذار، وكان جعجع حليف السنّة الذين شكلوا لحمة فريق 14 آذار وسداه..

7 – مع ان تحولات، ما قبل انتخاب العماد عون، ضمن التسوية المعروفة «بالتسوية الرئاسية» بعنوان «تحالف الأقوياء» في الطوائف، بدل تحالف «الأقليات» في الشرق الأوسط، عبر «تفاهم معراب» ووضع أُسس المصالحة المسيحية – المسيحية، ايذاناً بإزالة آثار حربي التحرير والإلغاء، اوحت بأن مرحلة مسيحية جديدة، من شأنها أن تعيد المسيحيين لأدوار ريادية في لبنان، الذي يقال أن فرنسا «أوجدته من أجل موارنته» (لا من أجل مصالحها مثلاً)، فإن طرفي «التفاهم» نظرا إليه من زاوية «مصالح انتهازية» في لعبة العودة إلى منطق لمن القرار في الشارع المسيحي..

تصرّف جعجع وكأن «التفاهم» هو الطريق إلى «الثنائية المارونية» المسيحية وتصرف باسيل انه الطريق إلى قصر بعبدا، والخلفية السياسية والشعبية «للثأر من الطائف» على قاعدة تطبيقه من حرفه الأول الى يائه.. ووراء «النيات المبيتة» شكلت تجربة حكومة استعادة الثقة، التي شكلها الحريري الابن، من رحم «التسوية الرئاسية» (التي ذهبت بمستشاره إلى مجاله الخاص) بداية اختبار مآل الاشتباك.. يجب الاعتراف ان جعجع أظهر براعة في كسب النفوذ المسيحي، على حساب التكتل الأوّل والأكبر، مسيحياً، غداة تسونامي 2005.. من غريمه المسيحي، جبران باسيل، الذي يخال انه بطل المنجزات، التي تكاد تصل إلى حدود «الأعاجيب»..

شكلت الانتخابات جرس إنذار لباسيل، الطامح إلى الوصول إلى بعبدا، ضمن نسج منظومة متكاملة من السلوكيات السياسية، بدأها مع حزب الله، وأكملها مع «القوات»، وحاولها، عبثاً مع أمل نبيه برّي، ومع حزب وليد جنبلاط الاشتراكي، فاتخذ القرار: لا دور متوسعاً «للقوات» في مؤسسات يقف على رأسها ميشال عون.. ويكاد يقول في خلده: نحن فتحنا الطريق لكم.. لا لتأخذوا التمثيل المسيحي، أو تسيطروا على سلطة القرار في مجلس الوزراء.. فاجترح الرجل معيار وزير لكل 5 نواب.. فإذا بمعادلة لوغارتمية (حسابية) يكون للجماعة المسيحية القوية 3 وزراء فقط.

كتبت «رويترز».. «وتعكس المنافسة المسيحية تناحراً دام عقوداً من الزمن بين عون وزعيم حزب «القوات» سمير جعجع، العدوين خلال الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990…».

ولا حاجة بعد للكلام.. لكن ماذا عن النتائج؟!