IMLebanon

مرسومان لإشغال أملاك بحرية: مخالفات قانونية “بديهية”… بالجملة

كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:

نحو 140 ألف متر مربع من الأملاك العامة البحرية خصخصتها الحكومة اللبنانية، قبل دخولها مرحلة تصريف الأعمال، بموجب مرسومي إشغال في منطقتي ذوق مصبح والناعمة لإقامة منتجعات خاصة. المرسومان اللذان استهدفا المساحة الضئيلة المتبقية من الشاطئ المتاحة للعموم تشوبهما مخالفات قانونية «بديهية»، بحسب «المفكرة القانونية» التي أعلنت، بالتعاون مع «إئتلاف حماية الشاطئ اللبناني» الطعن بالمرسومين أمام مجلس شورى الدولة.

138 ألفاً و911 متراً مربعاً من الأملاك العامة البحرية، فرّطت بها الحكومة اللبنانية قبل أن تدخل مرحلة تصريف الأعمال. في جلسته في 26 نيسان الماضي، أصدر مجلس الوزراء مرسومَي إشغال أملاك بحرية: الأول رقمه 3247 أجاز لشركة «هبة العقارية» إشغال 71 ألفاً و234 متراً من الأملاك العامة البحرية في منطقة الناعمة العقارية (قضاء الشوف ــــ محافظة جبل لبنان) على العقارين 576 و611؛ والثاني رقمه 3248 سمح لشركة «dream by the sea» إشغال 67 ألفاً و677 متراً من الأملاك العامة البحرية في منطقة ذوق مصبح العقارية (قضاء كسروان) على العقارين 34 و1759 (راجع «الأخبار»، 23 ايار 2018).

المرسومان اللذان يستهدفان المساحة المُتبقية من الشاطئ التي لا تزال مُتاحة أمام العموم (بحسب «المرصد الجامعي للإعمار وإعادة الإعمار» ــــ جامعة البلمند، فإنّ 40 كيلومتراً فقط من الساحل البالغ طوله 220 كيلومتراً لا تزال متاحة أمام العموم)، يتضمّنان مخالفات «بديهية» تستدعي الإبطال، بحسب «المفكرة القانونية». وأعلن المدير التنفيذي لـ «المفكرة» المحامي نزار صاغية، في مؤتمر صحافي عقد أمس بالتعاون مع «إئتلاف حماية الشاطئ اللبناني»، الطعن في المرسومين اللذين نُشرا في الجريدة الرسمية «من دون الخرائط التي تظهر طبيعة الإنشاءات المسموح بإقامتها على الأملاك العامة».

وتقدّمت جمعيتا «نحن» و«الخطّ الأخضر» نيابة عن «الائتلاف»، في التاسع من الشهر الجاري، باستدعائين أمام مجلس شورى الدولة لإبطال المرسومين. وأكّد صاغية أن هناك نحو 12 مخالفة واضحة يتضمنها المرسومان، أبرزها تجاوز رفض المجلس الأعلى للتنظيم المدني. إذ تشترط المادة الأولى من المرسوم رقم 4810 المتعلق بمنح رخص إشغال الاملاك البحرية صدور إفادة عن المجلس بأن المشروع المنوي إقامته ذو صفة عامة وله مبررات سياحية او صناعية، في حين كان للمجلس رأي سلبي في أحد المشروعين.

المخالفات تطال أيضاً طبيعة المنشآت المستخدمة. ففيما ينص المرسوم 4810 على عدم السماح بإنشاءات دائمة على الأملاك العامة البحرية سوى ما يعود منها للتجهيزات الرياضية والتنظيمية (…)، أجاز المرسوم المتعلق بمنطقة الناعمة للشركة الردم «من دون تحديد المساحة الممكن ردمها». علماً أن المساحة الإجمالية القابلة للردم، وفق المرسوم الأخير، تُقدر بنحو 39 ألف متر مربع. وهو أجاز إقامة 2900 متر مربع من الإنشاءات «وفق خرائط لم يتم نشرها»، ونص على إقامة ناد صحي وجسر فوق المياه وحدائق ومرفأ للمراكب السياحية ورصيف صيانة للمراكب وغيرها.

وتشوب المرسومين مخالفة المدة القصوى للسماح بإشغال أملاك عامة بحرية، «إذ تجيز المادة 17 من القرار رقم 144/س الخاص بالأملاك العمومية منح رخص الإشغال المؤقت للأملاك البحرية لسنة واحدة فقط، مع إمكانية تجديدها بالرضى الضمني. ورغم وضوح هذه المادة، فإنّ المرسومين خالفاها بشكل فاضح على نحو يجب بحد ذاته إبطالهما»، وفق ما ورد في تعليق «المفكرة». إذ أن الرخصة أعطيت لشركة «هبة العقارية» لمدة 3 سنوات، فيما أُعطيت شركة «dream by the sea» رخصة لمدة سنة واحدة تُجدّد تلقائياً، «بما يمنح صاحب الترخيص حقاً مكتسباً بتجديد العقد بمعزل عن رضى الإدارة أو عدمه».

وثمة مخالفات تتعلق أيضاً بإخلال المرسومين، مثلاً، بضرورة تأمين تواصل الشاطئ ووحدته، فضلا عن مخالفة مبدأ الدفع المسبق للرسم، وعدم توفر شروط الترخيص الإستثنائي لخلوهما من ذكر المبررات السياحية وغيرها (…).

بحسب «الإئتلاف»، فإنّ الدولة اللبنانية لم تتعامل مع موضوع التعديات على المُلك العام من باب الحق العام أو حق التمتع بالمواقع الطبيعية أو حماية البيئة الساحلية، «بل من منظور أحادي هو ضمان ربحية المرافق السياحية لفترة تضمن جدوى الاستثمار». ولفت إلى أن نحو 12 منتجعاً شُيّدت على شاطئ ذوق مكايل وذوق مصبح خلال سنوات الحرب الأهلية، مُشيرا إلى أنه بدءاً من عام 1991 تضاعف عدد المُنشآت السياحية الخاصة في هذه المنطقة «عبر قوننة التعديات التي وقعت خلال الحرب».

وعلى شاطئ الناعمة والدامور، وصل عدد المنتجعات الشاطئية التي شُيّدت في السنوات العشر الأخيرة الى 20، «نتيجة التصميم التوجيهي الأخير للمنطقة الصادر عام 2008، والذي سمح بإنشاء هذه المنتجعات على حساب السهل الزراعي (…)».

انطلاقاً من هذه «السردية»، لفت «الائتلاف» إلى أن الإنتهاكات التي يرسيها المرسومان الجديدان ليست حالات منفصلة، بل هي «حالة واحدة تستند إلى أدوات مماثلة». من هنا، تكمن رسالة المؤتمر الأساسية: اللوذ بالقضاء من أجل مواجهة تقاعس المؤسسات الرسمية عن القيام بدورها في حماية المُلك العام، وترسيخ صفة المواطنين بحقهم في الدفاع عن ملكهم. فهل يستجيب مجلس الشورى؟

ماذا عن مرسوم ذوق خراب؟

في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 26 نيسان الماضي، وافقت الحكومة على ثلاثة مشاريع سياحية تستهدف الشاطئ اللبناني. إضافة الى مشروعي ذوق مصبح والناعمة، أجازت الحكومة لـ«الشركة العالمية للتمويل العقاري» إشغال أملاك عامة بحرية في منطقة ذوق الخراب العقارية (قضاء المتن ــــ جبل لبنان) على العقار رقم 77. يعني ذلك أن الحكومة أصدرت في تلك الجلسة ثلاثة مراسيم، فيما أكّد الفريق الذي عمل على تقديم الطعن لـ«الأخبار» على وجود مرسومين فقط منشورين في الجريدة الرسمية. كذلك، قال نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت إنه طلب الحصول على المراسيم المتعلقة بإشغال الأملاك العمومية البحرية التي صدرت أخيرا عن الحكومة، فحصل على «المرسومين المتعلقين بذوق مصبح والناعمة فقط». فأين المرسوم المتعلق بمشروع ذوق خراب إذا؟

يُذكر أن هناك مشروعين سياحيين ضخمين لا يزالان يهددان الشاطئ اللبناني، أحدهما في ذوق مكايل (كسروان) وآخر في منطقة أنفة (الكورة)، حيث يتمتع الشاطئ في هذه المنطقة بأهمية كبرى لجهة الخصائص البيئية المُميّزة واحتوائه على آثار تعود إلى القرون الوسطى. ما أدى الى رفضه من المجلس الأعلى للتنظيم المدني.