IMLebanon

ما سر “الإقبال” اللبناني على موسكو؟

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: تبدو موسكو هذه الأيام مثل دمشق قبل العام ٢٠٠٥ مقصدا للقيادات والشخصيات اللبنانية ومركز جذب سياسيا تضاهي عواصم أخرى عربية وغربية وتتقدم عليها: أمس وصل النائب تيمور جنبلاط يرافقه وائل أبو فاعور، وقبله قلد الرئيس بوتين مستشار الحريري للشؤون الدولية جورج شعبان وساما رفيعا، قبل أيام كان النائب سامي الجميل برفقة وفد كتائبي يلبي دعوة رسمية، وقبل أسبوعين كان سليمان فرنجية برفقة النائب طوني فرنجية موضع تكريم وحفاوة في موسكو، حيث أجرى محادثات سياسية مع وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي أراد التعرف إليه عن كثب، وقبل فرنجية كان طلال ارسلان الذي استقبل بحرارة بعد زيارة باردة قام بها وليد جنبلاط إثر حوادث السويداء وانتقادات وجهها الى روسيا. وبين هذه الزيارات السياسية، كانت زيارات لمسؤولين أبرزهم الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل.

ما سر هذا «الإقبال» اللبناني على موسكو، وما سبب هذه «الدعوات» المتتالية، ولماذا تظهر روسيا كل هذا الاهتمام؟!

ثمة تبدل في نمط ودرجة اهتمام روسيا بلبنان ونفوذها فيه. هذا الاهتمام كان محدودا ومحددا في السنوات والعقود الماضية، ولكنه تعاظم تدريجيا ابتداء من العام ٢٠١٥، وبلغ درجة متقدمة هذا العام. وأما أسباب هذا الاهتمام الروسي الزائد بالساحة اللبنانية، فإنها تعود الى:

١ ـ تدخل روسيا العسكري المباشر في سورية والذي أكسبها نفوذا كبيرا في المنطقة، واهتماما متزايدا بدول الجوار السوري وملفاتها. وهذا يشمل لبنان الذي هو امتداد لسورية ويتأثر بأحداثها، وتتعاطى موسكو مع الملف اللبناني على أنه جزء من الملف السوري.

٢ ـ لبنان يشكل قاعدة متقدمة لإيران على شاطئ المتوسط، فيما تشكل سورية الممر الطبيعي والاستراتيجي لإيران من العراق الى لبنان.

ويكتسب لبنان أهمية فائقة لأنه قاعدة التمركز لحزب الله.

٣ ـ التدخل الروسي في سورية الذي يكتسب أبعادا استراتيجية لها علاقة بمصالح موسكو وقواعدها البحرية العسكرية ودورها في المنطقة والعالم، والذي ينطوي في جزء منه على خلفية دينية لها علاقة بالمسيحية الأرثوذكسية المهددة في سورية والشرق الأوسط، وتريد موسكو المحافظة عليها. وهذه الخلفية غير موجودة في سياسات الدول الأوروبية.

٤ ـ المصالح الاقتصادية لروسيا في لبنان الذي بات مدرجا على لائحة الدول النفطية و«الغازية»، وقررت روسيا الانخراط في عملية التنقيب عن الغاز في بحر لبنان (عبر شركة «نوفاتيك NOVATEC الروسية). كما تتطلع الى تعزيز مستوى التبادلات والعلاقات التجارية والسياحية والثقافية، بحيث يشمل ذلك تعزيز الاستثمارات اللبنانية في روسيا وزيادة الصادرات الروسية الى لبنان، وجعل لبنان وجهة سياحية للروس في شرقي المتوسط، كما جعل روسيا وجهة سياحية لبنانية، وتعزيز الثقافة واللغة الروسية في المجتمع اللبناني عبر زيادة شبكة المراكز الثقافية الروسية وتوزيع انتشارها في أكثر من منطقة، بحيث لا تعود مقتصرة على بيروت.

٥ ـ المبادرة الروسية الخاصة بملف النازحين السوريين وقضية إعادتهم، على أن تتولى موسكو دور الرعاية والوساطة بين دمشق وكل من عمان وبيروت. المبادرة الروسية «لم تقلع بعد» على الساحة اللبنانية، ولم تنتقل الى مرحلة التنفيذ للخطة والأفكار، وذلك لأسباب خارجية (عدم توافر التمويل الأوروبي، وعدم وجود دعم وغطاء سياسي أميركي)، ولأسباب داخلية (عدم وجود حكومة لبنانية تجتمع وتقرر الموقف من هذه المبادرة). ولكن هذه المبادرة تشكل حافزا للبنان لتطوير عملية التعاون والتنسيق مع روسيا ورفع درجة الحرارة والاتصالات معها.

التبدل الروسي في لبنان أمكن ملاحظته من خلال المظاهر والمؤشرات التالية:

تنويع العلاقات السياسية التي كانت محصورة، وامتدادا للحقبة السوفييتية، في قوى اليسار وفي مقدمها الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي خصوصا، حيث تربط موسكو بعائلة جنبلاط من كمال الى نجله وليد علاقة خاصة تراجعت في فترة الحرب السورية بسبب موقف جنبلاط ضد النظام السوري ولكنها لاتزال موجودة.

التعاطي الروسي مع لبنان كان تحول منذ سنوات عبر قناة الحريري الأب (رفيق الحريري)، والآن عبر الحريري الابن (سعد الحريري).. ولكنه منذ سنتين توسع ليشمل مختلف الأحزاب والشخصيات.

الانفتاح على الساحة المسيحية ليس فقط على الطائفة الأرثوذكسية فيها، وإنما أيضا على الطائفة المارونية التي لم تعد ترى في فرنسا «الأم الحنون»، خصوصا بعدما تحولت باريس في علاقاتها ناحية الطائفة السنية وعائلة الحريري. وصار الموارنة، في سياق بحثهم عن بدائل وعلاقات دولية جديدة، أكثر اهتماما بالعلاقة مع روسيا والانخراط معها، وهذا ترجم في تواصل وزيارات مسؤولي الأحزاب المسيحية: التيار الوطني الحر ـ الكتائب ـ المردة الى روسيا. أما حزب القوات اللبنانية، فلا يبدو متحسما لهذا التوجه ويفضل تمتين وتطوير علاقاته مع الولايات المتحدة.

«تأطير» العلاقة الروسية مع الدولة اللبنانية ومع الأحزاب السياسية اللبنانية، أي وضع العلاقة في إطار رسمي وتنظيم آلياتها. وفي هذا المجال، تم إنشاء لجنة خاصة للعلاقات الروسية ـ اللبنانية تضم ممثلين عن رئاسة الحكومة جورج شعبان (مستشار الحريري ومسؤول ملف علاقته مع موسكو)، وعن وزارة الخارجية أمل أبو زيد (مستشار باسيل ومسؤول ملف العلاقة مع روسيا التي له فيها مصالح ومشاريع واستثمارات)، وعن الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي له دور أساسي في عملية الربط بين المثلث الروسي ـ السوري ـ اللبناني، إضافة الى ممثل عن وزارة الدفاع.

مساهمة موسكو في تحقيق العودة الطوعية للنازحين السوريين من لبنان الى سورية في إطار المبادرة الروسية. وفي هذا الإطار، شكلت لجنة أمنية ثلاثية تضم ممثلين عن لبنان (اللواء عباس إبراهيم مدير الأمن العام)، وعن سورية (اللواء علي مملوك مدير المخابرات العامة)، وعن روسيا (الملحق العسكري الروسي في بيروت).

رفع درجة التدخل في شؤون ومواقف الطائفة الدرزية. ويركز التدخل الروسي في الشأن الدرزي اللبناني على نصح جنبلاط بالتوقف عن معاداة النظام السوري وعن مهاجمته، والكف عن المطالبة بحماية ذاتية لدروز سورية وإدارة ذاتية مستقلة لهم، والكف عن تحريض دروز سورية ضد نظام الأسد والاستفادة من درس التجربة الكردية في سورية.

لا توجه حاليا لدى موسكو (التي حاولت تعزيز العلاقات العسكرية مع بيروت وعرضت المساعدة في تسليح الجيش ولم تلق تجاوبا بسبب الفيتو الأميركي) لأي نوع من أنواع التدخل العسكري في لبنان، بما في ذلك إرسال ونشر قوات روسية على حدود لبنان مع إسرائيل في نطاق قوات الأمم المتحدة، أو على حدود لبنان مع سورية ومساعدة السلطات اللبنانية في أمور الرقابة والسيطرة على هذه الحدود. ولكن روسيا مهتمة بتطوير العلاقة مع لبنان ورفع مستواها، ولهذا السبب قررت تمديد عمل وخدمات سفيرها في بيروت «ألكسندر زاسبيكين» الذي يمتلك خبرة عميقة في شؤون لبنان وتفاصيله، ولكي يلعب الدور الأساسي في عملية إعادة النازحين السوريين الى سورية، وفي عملية تعزيز العلاقات اللبنانية الروسية في كل المجالات.