IMLebanon

كيف سيردّ الحريري على نصرالله.. وأي خيارات أمامه؟!

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:

قبل ذهابه إلى باريس، كان الرئيس المكلف سعد الحريري مرتاحا الى وضعه، الى تأييد الرئيس ميشال عون لموقفه من مسألة التمثيل السني (إضافة الى تأييد وليد جنبلاط)، والى التفاف الطائفة السنية من حوله. بعد عودته من باريس سيكون الحريري، العائد من لقاءات مع قادة العالم والمطمئن الى شبكة علاقات دولية له، قلقا من تطور الموقف الداخلي في أعقاب خطاب السيد حسن نصرالله «الناري» الذي فاق كل التوقعات في نبرته وتشدده و«سقفه العالي».

قبل باريس كانت الكرة استقرت في ملعب حزب الله الذي فوجئ بحجم الحصار السياسي الذي تعرض له موقفه «السنّي»، وشارك فيه «رؤساء وزعماء وبطاركة ومفتون». الآن الكرة عادت الى ملعب الحريري الذي فوجئ بأن الخناق السياسي قد ضاق ومعه هامش الخيارات المتاحة.

واليوم تتجه الأنظار الى الرئيس سعد الحريري والكل يترقب مؤتمره الصحافي وأي رد يحمله على السيد نصرالله الذي حصر المسؤولية في الحريري محيدا رئيس الجمهورية، وواضعا نفسه خارج دائرة التفاوض، فالمشكلة ليست سنية ـ شيعية (بين المستقبل وحزب الله)، ولا شيعية ـ مسيحية (بين الحزب ورئيس الجمهورية)، المشكلة هي سنية ـ سنية بين الحريري وسُنة 8 آذار الذين توافرت لهم فرصة الوصول الى البرلمان للمرة الأولى منذ العام 2005، ولا يريد حزب الله أن يفوت عليهم فرصة الدخول الى الحكومة «ترجمة لنتائج الانتخابات وتكريسا لهذا الخرق السني النوعي ووفاء للحلفاء».

من المتوقع والمفترض أن يكون رد الحريري موازيا من حيث الشكل والنبرة لخطاب نصرالله، بمعنى رفض التحدي والتعدي على اتفاق الطائف واستحداث الأعراف وفرض الإملاءات والتطاول على المقامات، والتأكيد على الطائف كسقف للوحدة الوطنية وعلى الدستور كمرجعية في تشكيل الحكومات، إضافة الى سرد وقائع تتعلق بمفاوضات الأشهر الماضية حول الحكومة، وتوضح أو تدحض وقائع نصرالله، وأهم ما فيها أن الحريري أبلغ من اليوم الأول رفضه لتمثيل سُنة 8 آذار ولم يلمس اكتراثا بموقفه وبموضوع سُنة 8 آذار وتوزيرهم، الى أن فوجئ بأن العقدة السنية تنبت عشية ولادة الحكومة لتصبح «أم العقد».

ولكن ليس المهم ما يقوله الحريري ويسرده، وإنما المهم ما يقرره في شأن موضوع محدد هو تمثيل «سنة حزب الله» وكان ربط به مصير الحكومة وتشكيلها ورئاسته لها. أما الخيارات المطروحة فهي ثلاثة:

1ـ الاعتذار عن عدم إكمال مهمة تشكيل الحكومة. وهذا احتمال وارد نظريا استنادا الى ما كان أعلنه سابقا من أنه ليس مستعدا لتأليف حكومة يكون فيها تمثيل لهذه المجموعة التي جمعت في كتلة مفتعلة، وإذا فرض عليه هذا الأمر يفضل الانسحاب ويرفض تكليفه مجددا، ولكن هذا الاحتمال مستبعد وصعب عمليا ولعدة أسباب منها ما يتعلق بالحريري الذي سيخوض مغامرة ومخاطرة سياسية غير مضمونة النتائج تضع كل مستقبله السياسي على المحك، وما يتعلق بالبلاد التي لا تحتمل لا في اقتصادها ولا في استقرارها مثل هذه الخطوات الدراماتيكية التي ستنقل أزمة التأليف الى مكان آخر، والى أزمة كبيرة نعرف كيف تبدأ ولكن لا نعرف كيف ستنتهي ومتى.

2ـ إبقاء الوضع كما هو حاليا، وهو الوضع الناشئ بعد الانتخابات النيابية والمستمر منذ ستة أشهر، أي استمرار حكومة تصريف الأعمال لفترة إضافية، والنتيجة أن الحريري «لا يعتذر.. ولا يؤلف»، ويكون الاستمرار في الوضع القائم هو الخيار الأفضل حتى لو كان خيارا سيئا لأن «الأسوأ بالنسبة إليه سيكون الاعتذار أو التأليف بشروط حزب الله».

وإذ أفضى تدخل حزب الله داعما حلفاءه السنة الى تجميد التأليف ووضعه أمام حائط مسدود، والى إطالة أمد حكومة تصريف الأعمال، لا يعود من خيار إلا التكيف والتعايش مع أزمة فراغ حكومي ستكون أصعب من أزمة الفراغ الرئاسي (بسبب اختلاف الظروف الإقليمية واشتداد الضغوط الاقتصادية). وهذا يتطلب استنباط طرق للتعايش بدأها بري في «تشريع الضرورة» ويستكملها الحريري في «تصريف الضرورة»، أي تفعيل حكومة تصريف الأعمال وإدارتها من السرايا الحكومي، وربما عقد جلسات حكومية في حالات طارئة واستثنائية جدا، ولكن المشكلة أن الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل استمرار الوضع الراهن.

3ـ التنازل وإظهار مرونة واستعداد لتسهيل تشكيل الحكومة بدافع من المصلحة الوطنية العليا، وهذا خيار وارد استنادا الى تجارب وأزمات سابقة كانت تنتهي الى تنازل الحريري ورضوخه لميزان القوى الذي يقرر (حسب تعبير جنبلاط)، ولن تكون المرة الأولى التي يتنازل أو يضحي فيها كما حصل في قضية اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما أعلن بعد الانتخابات موقفا من أمام محكمة لاهاي متسامحا ومتساهلا ومترفعا عن الانتقام والحقد.

والتنازل من جانب الحريري يكون بقبوله مبدأ تمثيل سُنة 8 آذار وفتح نافذة على حل هذه المشكلة، وبالتعاون مع رئيس الجمهورية، ولكن من دون الخوض في كيفية تحقيق هذا التمثيل الذي سيكون خاضعا لدورة مفاوضات جديدة دخل على خطها بقوة الرئيس ميشال عون باستقباله وفد «اللقاء التشاوري» (السُني) وبإيفاده الوزير جبران باسيل لمقابلة السيد نصرالله، كما دخل الرئيس بري أيضا على الخط عندما وجد أن الدعاء ليس كافيا، وأن الوضع الخطير يتطلب تحركا سريعا لتذليل هذه العقبة القابلة للحل.

وحتى حزب الله راغب في إيجاد حل لهذه المشكلة، لأنه يريد حكومة جديدة ومن مصلحته أن تشكل بدلا من أن يكون تعثرها بابا جديدا للضغط عليه، وإذا كان خطاب السيد حسن نصرالله رأى فيه كثيرون ذروة التصعيد والتشدد، ووصل الأمر عند البعض الى رؤية ملامح 7 أيار جديدة، وعند البعض الآخر الى رؤية انقلاب سياسي على الطائف وتلويح بمؤتمر تأسيسي، فإن هذا الخطاب يحتمل قراءة أخرى تفيد بأمرين:

٭ الأول: أن ما ظهر عند السيد حسن نصرالله من نبرة عالية أو استعلاء، ومن انفعال شديد الى درجة توجيه انتقادات شديدة اللهجة وفي كل الاتجاهات تقريبا، والى درجة ممارسة نقد ذاتي للمرة الأولى واعتراف بخطأ التواضع و«الآدمية»، هذه الصورة التي لم تُعهد عند نصرالله، وهذا الوجه الذي يكشفه للمرة الأولى بقدر ما يعكس تشددا وقوة يعكس تضايقا و«حشرة» نتيجة احتدام الضغوط التي تجعله لا يحتمل المزيد. هو منصرف الى ممارسة أقصى الضغوط ولكن ليس الى قلب الطاولة.

٭ الثاني: أن السيد نصرالله بقدر ما أصر على تمثيل حلفائه السنة وإظهار الوفاء لهم والالتزام بهم، وذهب بعيدا في هذا الموقف الذي فاجأ أصحاب العلاقة ورفع معنوياتهم أكثر مما توقعوه، بقدر ما أظهر مرونة ضمنية وأبقى على نافذة للحل وعلى الباب مواربا بطريقة ما، وليس بالضرورة أن يكون التمثيل عبر النواب السنة كممر إجباري. السيد نصرالله وضع الكرة في ملعب الحريري ووضعها أيضا في ملعب «النواب الـ 6». خطاب السيد مهم جدا، وأهم ما فيه هو آخر سطرين عندما يقول «نحن حزب الله عندما يتصل بنا النواب السُنة ويرسلون موفدا لنا وهم يقولون لنا هذا القرار لم يعد موجودا عند حزب الله. هم يقولون لنا يمكنكم أن تعطوا الأسماء للرئيس المكلف، ساعتها نحن نعطي الأسماء للرئيس المكلف».. وهذا ما سيحصل.