IMLebanon

المحافظ يكذب

 كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:

ليس غريباً على أي مسؤول في لبنان التنصل من المسؤولية. منذ سنوات طويلة، لم يسمع اللبنانيون بمسؤول استقال بسبب شعوره بالذنب عن فضيحة ما، او خطأ ما، في نطاق عمله. لكن محافظ بيروت زياد شبيب تفوّق على جميع أقرانه: تنصّل من مسؤولية ما شارك في ارتكابه على مدى سنوات. لم يرمِ الخطايا عن كاهله وحسب، بل قرر اللجوء إلى الكذب، وتحميل بلدية الغبيري مسؤولية طوفان مياه الصرف الصحي في الرملة البيضاء الأسبوع الماضي، مع ما تحمله اتهاماته من تحريض طائفي ومناطقي. المحافظ، وهو المسؤول التنفيذي الأعلى في العاصمة، شريك في المسؤولية عن سوء الخدمات في العاصمة، وتحويل أملاكها العامة مرتعاً لأصحاب الأموال، على حساب أهلها. المطلوب منه إظهار شجاعة الاستقالة… لا الكذب.

وفقاً للقانون، تختلف محافظة بيروت عن أي محافظة أخرى من ناحية دور المحافظ وسلطته. ففي العاصمة، تناط السلطة التنفيذية بشخص المحافظ، فيما للمجلس البلدي سلطة تقريرية. لكن يطيب لمحافظ بيروت زياد شبيب التمسك بصلاحياته الواسعة عندما تكون في خدمة مشاريع سياحية خاصة، والتنازل عنها عندما يحين وقت تحمّل مسؤولية ما فعله وغطّاه في السنوات السابقة.

هكذا، لعب شبيب دور الموظف «المعتّر» خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم السبت الماضي، نافضاً يديه من أيّ مسؤولية عن فيضان المجارير على كورنيش الرملة البيضاء يوم الجمعة الماضي؛ فاتهم الجميع ونسي نفسه. ووصلت جرأته حدّ التحريض على بلدية الغبيري، متّهماً إياها بالتعدي على أملاك بيروت العامة. بمعنى آخر، المحافظ يحرّض طائفياً بين الضاحية وبيروت لتغطية إهماله وتواطئه مع رجل الأعمال وسام عاشور على حساب صحة وتسيير أمور سكان بيروت وأهلها والوافدين اليها. وبدلاً من أن ينهي شبيب ورئيس بلدية بيروت وأعضاؤها فضيحة «الإيدن باي» بالاستقالة، أكان عبر تستّرهم على البناء غير القانوني أو الافتتاح الذي جرى في حزيران الماضي من دون رخصة إسكان ورخصة سياحية، أو مبادرة بعض العمال الى رمي الاسمنت في الريغار الرئيسي لتصريف المجارير في منطقة الرملة البيضاء بأمر من عاشور، تمادوا في طمس ما حصل محاولين إنكار علمهم بالأمر. وتلك فضيحة أخرى، إن جاز تصديقها، وتستدعي استقالة أو إقالة لإهمال الدور الرقابي التي يتمتع فيه المحافظ والبلدية وثبوت عدم أهليتهما لإدارة العاصمة حيث يمكن لأي كان أن يعبث بشبكات الصرف الصحي وغيرها كما يحلو له.

الإنكار وتحوير الحقائق كانا الفحوى الأساسي لمؤتمر شبيب. حاول تسويق أن تحويل شبكة المجارير البيضاء إلى محطة الغدير (جنوب المطار)، عبر محطة الضخ في منطقة السلطان إبراهيم (PS2)، سببه «حرصه» على سباحة اللبنانيين بلا مجارير على شاطئ الرملة البيضاء. شبيب نفسه لم يكن حريصاً في السنوات التي مضت. لكن، بالصدفة، وتزامناً مع افتتاح رجل الأعمال وسام عاشور لمنتجع «الايدن باي»، الحائز رخصة بناء من المحافظ، باتت «منفعة» اللبنانيين أولوية قبيل 5 أيام على موعد الافتتاح، أي في 20 حزيران.

فكان أن نعم عاشور بمنظر استثنائي لمنتجعه. يتابع شبيب: «تبين أن محطة PS2 غير شغالة وتعطلت بسبب الزمن، فتمّ إغلاق المسرب الذي يؤدي الى هذه المحطة على جادة الصباح. وبلدية الغبيري هي من قامت بالتعدي على الملك العام في هذا الموقع، أي على الممر من نطاق بيروت الاداري جادة الصباح باتجاه محطة الضخ ومنعت هذا المسار، لأن محطة الضخ لا تعمل». إذاً يريد شبيب لسكان منطقة السان سيمون الفقراء أن يغرقوا في المجارير نتيجة تجمعها هناك بفعل المحطة المعطلة، كي يتنعّم عاشور وزواره. أما حديثه عن اعتداء بلدية الغبيري على نطاق بيروت الادراي فأشبه بفيلم هوليودي يرسل فيه الرئيس معن الخليل فرقة كومندوس الى داخل حدود بيروت الادارية لتدخل في مجارير مستديرة الجناح وتقوم بتكسير المسرب الرئيسي هناك من الجهة الجنوبية، فيما الواقع يناقض كل ما تكلم به شبيب، إذ تؤكد مصادر بلدية الغبيري أن اجتماعاً حصل في شهر حزيران في مكتب المحافظ زياد شبيب وبحضور مندوبين عن مجلس الانماء والاعمار ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان وممثلين عن بلدية الغبيري، تقرر فيه تجربة محطة الضخ في السلطان ابراهيم (PS2) قبل البدء بضخ المجارير التي تصبّ في الرملة البيضاء.

لكن بلدية بيروت، وخلافاً للاتفاق، حولت خط المجرور تلقائياً تحت عنوان التجربة، ربما لتسيير أمور عاشور يومها. تتابع المصادر: «لما تأكدنا من أن المحطة لا تزال بحاجة الى صيانة وتأهيل، أبلغنا المعنيين، بمن فيهم مجلس الانماء والاعمار، بأن الخطوط لا تعمل ولا قدرة للبنى التحتية على استيعاب مياه الامطار والمجاري الوافدة من الرملة البيضاء، لأن منطقة السان سيمون ستغرق بكاملها بالمجارير». على الأثر، «بدأت الاتصالات تردنا من كل حدب وصوب للسماح لبلدية بيروت بالاستمرار في تجربة المحطة في فترة الصحو. في أوائل شهر آب، بعثنا برسائل الى بلدية بيروت والانماء والاعمار بأن الأوضاع لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، تلى ذلك اجتماع في مكتب محافظ بيروت بحضور الانماء والاعمار ومصلحة مياه بيروت وقسم الأشغال في الغبيري.

أبلغناهم يومها أننا لن نتحمّل رمي المجارير في المنطقة أكثر من ذلك، وكانت قد بدأت التظاهرات الرافضة لهذا الأمر في منطقة السان سيمون. يومها، طلب المحافظ والبلدية مهلة 10 الى 15 يوماً من أجل تحويل خط المجارير الى قناة في منطقة الروشة. لكن المهلة طالت، وطافت المجارير في السان سيمون. لذلك قررنا إنشاء «سِكْر» في نطاق بلديتنا حتى نغلق تدفق مجارير بيروت إلينا، بعد أن كشفنا على موقع المحطة ووجدنا أن ما كان مقرراً أن يكون تجربة لأيام نفّذه المتعهد ليكون أبدياً، بمعنى أنه جرى «تلحيم السِّكر» حتى لا نتمكن من إغلاقه». وتابع المصدر أن «إعادة إغلاق السكر تطلّبت عودة المتعهد من جديد لإقفاله واستعمال معدات غطس، وعمل لمدة 5 أيام». في غضون ذلك، لزّم مجلس الانماء والاعمار إعادة صيانة محطة الضخ الى أحد المتعهدين منذ نحو شهر. وتكشف المصادر أن لا علاقة لكل ما جرى بما يتم التداول به من اشتراط الغبيري لتشغيل محطة الضخ ربطَ مجارير منطقة الرحاب بها. فصحيح أن ذلك هو مطلبنا منذ زمن، ولكن لم ينفذ المشروع حتى الساعة، رغم أن دراسته كلفت 12 مليون دولار في مجلس الانماء والاعمار».

«المحافظ أول من يعلم»

ورداً على استغراب المحافظ رمي إسمنت في ريغار الرملة البيضاء، وتصرفه على أساس أنه لا يعلم، تقول مصادر بلدية الغبيري إن «المحافظ يعرف ولكنه يتصرف مع الأمر كمزحة. فحقوق أهل بيروت وإغراقهم بالمجارير مجرد أمر ثانوي بالنسبة اليه». وتروي المصادر: «بعد أن وضعنا المحافظ أمام الأمر الواقع بإقفال خط السلطان ابراهيم، لم يتبقّ أمامه سوى إعادة فتح المجرى القديم الذي يصب في الرملة البيضاء. حينها أرسلنا مدرب الأشغال في بلدية الغبيري ليشرف على أعمال اعادة فتح مجرور الرملة البيضاء تأكيداً لالتزام بلدية بيروت بالوعد، فتبين أن المجرور مسدود بالباطون، وبدأت بلدية بيروت بتكسيره. الكمية كانت كبيرة جداً بحيث لم يتمكنوا خلال خمسة أيام سوى من إزالة 30% من الباطون المرمي داخل الريغار. حصل ذلك منذ شهر تقريباً. ولكن اعتقد المعنيون أن ما تمت إزالته كاف لإعادة تصريف المياه، قبل أن يفاجأوا يوم الجمعة الماضي بأن الأمر غير كاف وبحاجة إلى عمل اضافي». اذاً، اختار محافظ بيروت أن يخبر نصف الحقيقة. واذا كان من إخبار يفترض وضعه في عهدة المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، فهو علم شبيب بإقفال خط الصرف الصحي، من دون أن يبلغ عن هذه المخالفة الجسيمة التي يعاقب القانون مرتكبيها بالسجن. أما وضع المحافظ كلامه بمثابة إخبار للنائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، فذلك بمثابة استغباء للبنانيين، فضلاً عن كونه تستّراً إضافياً على مخالفات عاشور. ولماذا توضع المخالفات في عهدة النائب العام المالي بدلاً من وضعها في عهدة النيابة العامة التمييزية؟

الفضيحة الأخرى تكمن في إنكار رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني هو الآخر علمه بأي تفصيل بشأن ما جرى، بما فيه إقفال مجرى الصرف الصحي بالاسمنت، ملقياً المسؤولية على «شخص في البلدية كان على علم بصبّ الباطون»، وسائلاً بكل «براءة» عمّن غطّى هذا الموضوع، وكأنه مجرد مواطن عادي لا رئيس مجلس بلدية بيروت. وأكد عيتاني «إصرار رئيس الحكومة سعد الحريري على كشف الحقيقة لجميع الناس». وهنا يجدر التذكير بأن قوى الأمن الداخلي التي تعرف الشاردة والواردة في بيروت، تابعة للواء عماد عثمان، القريب من الرئيس سعد الحريري، والتابع إدارياً لوزير الداخلية نهاد المشنوق. ويجدر التذكير أيضا أن رجل الأعمال وسام عاشور ليس سوى واجهة لآل الحريري، وقد سبق لـ«الأخبار» أن نشرت «توكيلاً عاماً شاملاً مطلقاً» من عاشور لصالح المسؤول المالي الخاص للرئيس الحريري، وليد السبع أعين («الأخبار»، 30 نيسان 2016) يتيح له التصرف بكل ممتلكات عاشور العقارية والمصرفية.

في مقابل ذلك، يتوجه نواب بيروت اليوم لتقديم دعوى موقّعة منهم جميعاً أمام المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، وقد علمت «الأخبار» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب من النائب محمد خواجة عدم التوقيع على الدعوى إذا كانت موجهة ضد مجهول، ولم تُسَمَّ الجهات التي قامت بالمخالفة. إشارة هنا الى أن نواب بيروت السابقين والحاليين لم يحركوا ساكناً أو يتفوّهوا بكلمة واحدة تدين التعديات الحاصلة على الملك العام، والممثلة بمبنى «الايدن باي» الذي افتتح في حزيران الماضي على مرأى منهم من دون تراخيص. وما زالوا حتى اليوم يغضون النظر هم وسائر ممثلي بيروت عن هذا المنتجع المخالف.

محامي عاشور: التقصير من المحافظ والبلدية

«الأخبار» اتصلت بمحامي «الايدن باي» بهيج أبو مجاهد لسؤاله عمن منح القيّمين على المنتجع الموافقة على سدّ الصرف الصحي بالاسمنت، فأنكر مسؤولية أصحاب المشروع، أي وسام عاشور، عن الجريمة، طالباً أن يأخذ القضاء مجراه، ومحمّلاً في الوقت عينه مسؤولية التقصير الى المحافظ والبلدية ومجلس الانماء والاعمار، في مقابل تحميل المحافظ وبلدية بيروت «القائمين على الايدن باي بصبّ الباطون». وفي ما خص تشغيل المنتجع من دون رخصة إسكان أو سياحة، أجاب أبو مجاهد بأن «90% من المؤسسات السياحية تعمل وفق رخصة سياحية مرحلة أولى»، لكن فات المحامي أن تلك المؤسسات تكون ضمن بناء موجود وحائز رخصة إسكان وليس في بناء جديد صدر بحقه قرار هدم من مصلحة الهندسة في بلدية بيروت، ولا يزال المحافظ يتجاهله.

فيضان المجارير آت؟

قال الناشط المدني رجا نجيم لـ«الأخبار» أنه بعد أن قام برفقة فريق من الناشطين بمعاينة ميدانية لمنطقة الرملة البيضاء، تبيّن أن بلدية بيروت لم تُعِد شبك كل خطوط الصرف الصحي بالمجرور الاساسي في المنطقة، وقد أبقت على بعض هذه الخطوط لتصبّ في مجرور منطقة الروشة المحاذي لمقهى «الغران كافيه». ويضيف نجيم أنه «جرى التواصل مع بعض المعنيين في البلدية الذين أكدوا الأمر». وبرأي نجيم، لا يمكن تفسير هذه الخطوة سوى بأنها مخطط لتبرئة عاشور من «فيضان المجارير في الرملة البيضاء، عبر تحميل شبكة الروشة أكثر مما تتحمّل للتأكد من فيضان المجارير من جديد عند أي هطل مقبل للأمطار. عندها يخرج من يقول إن صب الباطون داخل الريغار لم يكن سبباً رئيسياً في الفيضان، فتسقط التهمة عن عاشور».

ويطلب نجيم من القضاء «التحقيق في هذا الموضوع، وإلزام بلدية بيروت بنقل كافة الخطوط فوراً الى مجرور الرملة البيضاء لإعادة الامور كما كانت عليه قبل شهر حزيران 2018»، على أن تقوم البلدية في ما بعد «بتمديدات لإلقاء مياه الصرف الصحي في عمق 200 متر داخل البحر، الى أن يتم تأهيل محطة الضخ، فترفع المجارير عن شاطئ الرملة البيضاء نهائياً».

شبيب ينكر وقائع مخالفة البناء في «الايدن باي»

الاعتراف بالخطأ فضيلة، ذلك في المطلق، ولكن تلك الفضيلة مغيّبة تماماً عن قاموس محافظ بيروت زياد شبيب. ففي معرض دفاعه عن مبنى “الايدن باي” المخالف للقانون، يؤكد شبيب أن رخصة بناء الايدن باي الممنوحة من قبله ليست سوى قرار خاضع لمرسوم عام 2005 الذي سمح بالبناء في المنطقة العاشرة. ويضيف أن هناك حكماً قضائياً من محكمة البداية سمح بمبدأ الوحدة العقارية، فأتاح لعاشور زيادة مساحة البناء بنحو 20%، في حين أن الحقيقة تثبت عكس ذلك تماماً؛ فالنص القانوني لمرسوم الـ2005 والذي يحمل الرقم 14817 ثبت العمل بمرسوم 4811 الصادر عام 1966. وفي ما خص المنطقة 10/6 يؤكد البند (1) من القسم السادس من المادة الثانية (1.6.2) من المرسوم منع البناء منعاً باتاً. أما في موضوع الوحدة العقارية (أي العقار الرقم 3689 المصيطبة، وهو العقار الذي بُني عليه الايدن باي والعقار الرقم 3687 المصيطبة)، فقد تمّ إلغاؤها عن طريق مجلس الشورى بواسطة لوائح تم تقديمها اليه بأن الوحدة العقارية قد ألغيت منذ تاريخ 24/11/2016، وذلك واضح على الصحيفة العقارية للعقار 3689 المصيطبة.

فوفق المادة 25 من قانون البناء، لا وحدة عقارية بين عقارين غير متلاصقين. لكن رغم ذلك، أصدر المحافظ ترخيص البناء لصالح “الايدن باي” في 19/1/2017 والذي أخذ بالاعتبار الوحدة العقارية، ويتيح له الاستفادة من الاستثمار بمساحة 20% اضافية. وهو ما أدى لاحقاً الى عدم حصول عاشور على رخصة إسكان لمشروعه بعد أن أصدرت مصلحة الهندسة في بلدية بيروت كتاباً تفنّد فيه مخالفات “الايدن باي” وتوصي بهدم 3 طبقات على الأقل منه. في سياق آخر، كلّف القضاء في تشرين الأول 2017 لجنة خبراء للكشف على المشروع، وحتى الساعة لم يسمح لها عاشور بدخول المبنى. لذلك لا تزال القضية عالقة في مجلس شورى الدولة، من دون أن يبتها لأسباب مجهولة.