IMLebanon

الأزمة المتدحرجة “أخطاء في التقدير وأخطار في العواقب”

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:

«قطوع أمني خطير» مر على الجبل والبلد. ما حدث في الجاهلية أكد أن الوضع في لبنان المأزوم سياسيا «هش أمنيا» وقابل للانتكاس وللتدهور في كل لحظة، ولكنه أكد من جهة ثانية أن الوضع مازال تحت السيطرة وتحكمه ضوابط وقيود، وحيث لا مصلحة لأحد في انهيار الوضع الأمني، ولا إرادة سياسية لدى أي طرف لنقل الوضع الى ضفة المواجهة ونقل الأزمة الى الشارع.

حادثة الجاهلية الأمنية هي إفراز بشكل أو بآخر للأزمة السياسية المتمثلة بعدم تشكيل الحكومة بعد مرور نصف عام على الانتخابات النيابية.

ففي ظل الفراغ الحكومي يحدث تسرب للأزمة الى الشارع وتكتسب أبعادا أمنية وخطورة أكثر. وهذا الانحراف في مسار الأزمة كان بدأ قبل أسبوع عندما نزل أنصار «المستقبل» الى الشارع احتجاجا على هجوم عنيف شنه رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، ومن باب الاتهامات الفساد، ضد الرئيس سعد الحريري، وحدث قطع للطرقات وإحراق دواليب ورفع يافطات تضامن مع الحريري وتنديد بوهاب، مترافقا مع حملة على وسائل التواصل الاجتماعي ضده، ورد وهاب برفع درجة حملته عبر فيديو مسرب وتضمن كمية من الإساءة والتجريح بحق عائلة الحريري، مع أن وهاب ينفي أن يكون قصد الرئيس الشهيد رفيق الحريري في كلامه.

ولكن الرد الآخر جاء على أرض الشوف، بعد هجوم وانتقاد لاذع من جانب وليد جنبلاط ضد وئام وهاب، عبر «موكب سيارات» جاب الشوف الأعلى ومر بالمختارة وتوقف في الباروك بعد تدخل الجيش لتلافي احتكاكات وصدامات بين أنصار وهاب وجنبلاط.

الأزمة الحكومية أنتجت حتى الآن توترا سياسيا وتأزما اقتصاديا واهتزازا أمنيا مع تمددها الى الشارع، في ظل بيئة حاضنة وحاوية لعناصر «الانفجار»، وأيضا في ظل أخطاء في التقدير والتصرف وقع فيها أربعة أطراف معنية بما جرى:

1 ـ وهاب الذي أخطأ في حرف حملته على الحريري من «السياسي» الى «الشخصي»، وذهب في هجومه الى أبعد مما هو مسموح ومن طاقة الحريري على التحمل، ومن قدرة الرأي العام والمجتمع السياسي على تقبل مثل هذا الخروج على التقاليد والأصول و«اللياقات»، وكان أن تنبه وهاب الى فداحة الخطأ الذي ارتكبه، ولكن بعد أن كان هذا الخطأ فعل فعله في استفزاز الحريري واندفاعه الى نمط جديد من المواجهة معه.

2 ـ تيار المستقبل الذي أخطأ في النزول الى الشارع وفي اعتماد الشارع وسيلة ضغط أو ساحة تعبير واحتجاج. ومع أن «المستقبل» يقول ان التحرك كان عفويا ولم يكن إنفاذا لقرار سياسي، إلا أنه يبقى مسؤولا عن ضبط أنصاره ومنع الانزلاق الى لعبة خطرة، لأن كل شارع يقابله شارع، خصوصا أن التحركات أخذت شكل قطع طرق حيوية مثل طريق الجنوب ـ بيروت التي يعتبرها حزب الله «خطا أحمر»، وكانت الدافع المباشر الى انعقاد طارئ لمجلس الدفاع الأعلى.

3 ـ الرئيس سعد الحريري الذي أخطأ في تقدير موقف وردة فعل حزب الله عندما قرر أن يدفع المواجهة مع وهاب الى مستويات متقدمة، مع نسبة عالية من المخاطر، وأصدر أمرا الى مدعي عام التمييز ومدير عام قوى الأمن بتوقيف وهاب. وهنا جاء التنفيذ مثيرا للجدل السياسي بين من اعتبره متناسبا مع واقع المهمة الدقيقة، ومن اعتبره مبالغا به وغير متناسب مع مهمات شعبة المعلومات، فإما أن «قوة المعلومات» تقوم بعملية أمنية، وهو ما لا يتناسب مع المسار القضائي للمسألة، وإما أنها تقوم بدور قضائي وهو تبليغ المتهم، وهو ما لا يتناسب مع حجم القوة المرسلة وطبيعتها (القوة الضاربة).

4 ـ رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي، وبعد حسن التصرف بالتضامن مع الحريري وإدانة كلام وهاب لإبقاء المشكلة في نطاقها السياسي وسحب فتيل تحولها الى مشروع فتنة سنية ـ درزية، أخطأ في المسارعة الى «بيت الوسط» لإعلان تأييده لـ«العملية» وإضفاء الطابع الأمني عليها، وبالتالي تشجيع الحريري على المضي قدما في قراره وإعطاء الضوء الأخضر والغطاء السياسي والدرزي له لدخول الجبل والوصول الى وهاب والنيل منه، وإنهاء ما يعتبره جنبلاط حالة أمنية شاذة ووضعا يهدد أمن الشوف واستقراره في كل لحظة.