IMLebanon

الرسالة الرئاسية تدفن التسوية وتعصف بتوازنات الطائف؟!

كتبت صحيفة “اللواء”:

لم يدر في خلد أحد من طباخي قوانين الانتخابات إلام تؤدي انتاجاتهم التي ينامون وينهضون، وهم يفاخرون أو يتغنون بها.

تكثر التبريرات التي تساق، وكأنها بطولات، ويغمز هؤلاء ويلمزون، وكأنهم سحرة، مهرة، من حقبة «القوانين السورية» التي كانت تطمح إلى انتخابات صورية، تأتي بحلفاء مقرَّبين، أو بفرسان الحقبة، أكانت مدعومة دولياً، أو في ظل توترات دولية – إقليمية.. إلى حقبة قوانين «المسيو فيلتمان» وصولاً إلى قانون «مسيو باسيل» الذي هندسه مع حلفاء في حارة حريك، حيث هناك قيادة «حزب الله»… الذي انتظر طويلاً لحظة «يثأر» فيها من سنوات ما بعد 14 شباط و31 آذار من العام 2005.

لم تعد الأكثرية النيابية بيد خصوم الحزب، والذين ينظرون إليه كقوة تشبه منظمة التحرير الفلسطينية، يتعين استئصالها، بأي طريقة، ولو عن غير طريق الحوار، أو ينظرون إليه كبديل عن قوة الوصاية السورية، قوة وصاية «لمحور المقاومة» (بلغة الحزب) وقوة وصاية «إيرانية» بلغة خصومه، وحتى حلفائه (الذين يمارسون التقية معه!).

أضحت بين انتخابات وضحاها، بيد التيار الوطني الحر (حليف الحزب الأقرب) والحزب وحلفائه من أحزاب 8 آذار، بمن فيهم سنة المحور (حزب عبدالرحيم مراد، وتيار فيصل كرامي، وانتماء جهاد الصمد، وجمعية عدنان طرابلسي، وانتماء الوليد سكرية، وتنظيم اسامة سعد، وحزبية قاسم هاشم)..

يحصي قائد فيلق القدس، في الحرس الإيراني المايجور جنرال قاسم سليماني 74 نائباً لفريق محور المقاومة، بما فيهم تيّار جبران باسيل (الذي هو بين المحور والمعبر). هنا، يبدأ الحديث عن طبيعة التسوية والتوازنات، وأحكام الطائف في عهد العماد ميشال عون رئيساً، الذي صيغت مواده في جانب منها، يتعلق بتقاسم السلطة على خلفية «انتفاضته» بعد العام 1988، عندما انتهى حكم الرئيس الكتائبي أمين الجميل، وانتهى معه نظام 1943، وكل الامتيازات المارونية، التي منحها للموارنة دستور تلك الحقبة، أو ما كان يعرف بميثاق 1943، ذي الثنائية الاسلامية – المسيحية (سُنّة – موارنة).

انتهى نظام الامتيازات، وجاءت وثيقة الوفاق الوطني، التي أُقرت في الطائف عام 1989، وتمكن النظام العربي آنذك (السعودية – سوريا) من إيصال رئيس جديد للجمهورية، ليحكم لبنان وفقاً لدستور الطائف المعمول به حالياً، من دون ان يتكهن أحد أو يتنبأ أن الزعيم المسيحي «المتمرّد» آنذاك، الضابط ميشال عون، سيصبح في وقت من الأوقات رئيساً للجمهورية، منتخباً وفقاً لقانون انتخاب جديد، وليلي الأحكام وفقا لدستور، تسبب هو بولادته، ولم يكن من انتاجه، أو حتى موافقاً عليه..

ضمن تسوية سياسية، ساهم الرئيس سعد الحريري، وهو ابن الشهيد رفيق الحريري، الذي كان أحد «عرابي» الطائف، وفي لحظة، التوافق السوري – السعودي، أصبح أبرز شخصية لبنانية، معنية بهذا الاتفاق، قبل رئاسة الحكومة وبعدها…

لم يكن يدور في ذهن «ابن الشهيد» الذي لطالما، تمثّل بوالده، في مقاربة الخلافات والتسويات السياسية، ان السحر سينقلب على الساحة..

أضعفت الانتخابات النيابية الموقع النيابي للحريري الابن، بوصفه زعيماً قوياً لقوى 14 آذار بعد العام 2005.. ومع ذلك اقتضى الاستقرار اللبناني، ان يسمى الحريري، بصفته زعيماً للسُنَّة رئيساً للحكومة، وصدر مرسوم تكليفه من الرئيس عون، على أمل تأليف الحكومة، كان واضحاً حجم التحديات التي تواجهها، من زاوية «توازنات السلطة واستقطاباتها» ومن زاوية ان عون سيحكم من الآن وصاعداً، بوصفه الرئيس القوي، ومن زاوية ان الحكومة قيد التشكيل هي حكومة العهد الأولى، بتوازنات يُشكّل فيها تيّاره بيضة القبان، وحده (العهد + تيّار باسيل = 11 وزيراً).

خارج تمثيل سُنَّة 8 آذار، أو سُنَّة حزب الله، بدت ثنائية 43، تواجه صعوبة التعايش، مع استحالة تشكيل ثنائية بعد اتفاق الطائف.. الأمر لمن؟

للرئيس المسيحي القوي داخل مجلس الوزراء، أم للرئيس المسلم (للحكومة) الذي نالت انتخابات أيار النسبية، من وهج تمثيله؟

وأي دور للشيعة، والدروز، بعدما صار الأرثوذكس، والكاثوليك، والأرمن، في صلب حصة الرئيس القوي، ولم يعد لمرجعياتهم السياسية والروحية أي تأثير!

كشف اشتباك الجاهلية (وهي بلدة شوفية، ومسقط رأس وئام وهاب) ان الرئيس الحريري يريد بقوة الدولة ومؤسساتها حماية تأثيره ووزنه ضمن معادلة السلطة، ولو في عزّ مأزق تشكيل الحكومة التي كادت ان ترى النور، قبل ان تتحوّل عقدة تمثيل سُنَّة 8 آذار إلى عقبة كأداء، طارحة أكثر من علامة استفهام، حول ما إذا كان الرئيس المكلف، ما يزال ضمن تسوية الاستقرار أم ان تسوية الاستقرار سائرة في اتجاه آخر.. أو من الممكن رؤيتها، مع الرجل أو بدونه (المقصود الرئيس الحريري هنا).

تشكّل الرسالة التي يزمع الرئيس عون توجيهها إلى المجلس النيابي، كواحدة من صلاحياته المفصلة في المادة 53/د أول تحدّ كبير على مستوى السلطة الاجرائية بين زعامتين لطائفتين، شكلتا استقرار لبنان الطويل، رغم أزماته وحروبه الطويلة.

رفض أقطاب السُنَّة (رؤساء الحكومات السابقين، فيصل كرامي، الرئيس المكلف، وجهات أخرى وازنة) توجيه رسالة رئاسية إلى المجلس.

لكن الرسالة، وان شكلت شكلاً من أشكال الاحتكام إلى الدستور، الاَّ أنها تنطوي على «اشتباك سياسي» من عيار، يتجاوز الحكومة، أو أية حكومة مقبلة..

فهل تقحم قوى 8 آذار، مدعومة من دور المحور (المقاومة) بعبدا في لجّة الأزمة، تحت شعار: «إنقاذ العهد» ومصالح البلاد والعباد… أم أن احتدام الموقف، من شأنه ان يفتح الباب أمام جولة اتصالات جديدة… تُنقذ التسوية، وتُبعد شبح الأزمات العويصة عن البلد؟!