IMLebanon

موسكو طلبت من دمشق وطهران تسهيل ولادة الحكومة في بيروت

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:

أكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الحياة” أن عوامل عدة أدت إلى تسريع التسوية لولادة الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، خلال الأيام الماضية، أبرزها الدور الذي لعبته الاتصالات البعيدة من الأضواء التي تولتها موسكو من أجل إزالة العقبات من أمام الإفراج عنها، على أعلى المستويات مع كل من طهران ودمشق.

وأوضحت المصادر أن تعطيل إعلان الحكومة بسبب التجاذبات المتعلقة بالحصص والمواقف السياسية، لمدة ناهزت السبعة أشهر وآخرها الشرط الذي وضعه “حزب الله” بوجوب تمثيل حلفائه النواب السنة الستة، انعكس سلبا على صورة الحكم في لبنان ما شكل عوامل ضغط على الفرقاء السياسيين المعنيين بالتأليف، منها المخاوف من مخاطر التردي الاقتصادي المتصاعد والذي تجلت آخر مظاهره بتصنيف المؤسسات المالية الدولية لبنان في مرتبة متدنية جعلت التوقعات “سلبية” حيال وضعه المالي إن من قبل مؤسسة “موديز” قبل أيام، أو من قبل مؤسسة “فيتش” أخيرا، هذا فضلا عن الجمود القاتل في الأسواق اللبنانية، والانكماش غير المسبوق في الحركة الاقتصادية.

القمة العربية ولقاء بوتين – الحريري

وتلفت أوساط ديبلوماسية إلى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أخذ يشعر بأن إضاعة الوقت استنزف عهده وهو في بداية سنته الثالثة، خصوصا أن الرئاسة ستستضيف في 16 الشهر المقبل القمة العربية الاقتصادية التنموية التي سيحضرها عدد من الرؤساء والقادة العرب، وسيكون الأمر محرجا خصوصا له، وللرئيس سعد الحريري أن يلتقيا هؤلاء القادة في ظل حكومة تصريف الأعمال.

إلا أن المصادر السياسية الواسعة الاطلاع أكدت لـ”الحياة” أن الدور البارز في ترجيح إنهاء أزمة تشكيل الحكومة كان التدخل من قبل القيادة الروسية لدى كل من دمشق وطهران من أجل “تسهيل إنجازها في سرعة وبرئاسة الحريري، لأنه يهمنا حفظ الاستقرار في لبنان وعدم استخدامه ورقة في أي صراع على الصعيد الإقليمي”.

وقالت المصادر إن التحضير للعب الجانب الروسي الدور الواضح في تسريع ولادة الحكومة اللبنانية، بدأ خلال اللقاء وقوفا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبين الرئيس المكلف تأليفها سعد الحريري حين التقاه في باريس على هامش الاحتفال بذكرى مئة عام على الهدنة في الحرب العالمية الأولى في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وذكرت المعلومات في هذا الصدد أن الحريري أطلع بوتين في محادثة استمرت 12 دقيقة على الوضع في لبنان في ظل استمرار تعطيل تأليف حكومته وانعكاساته السلبية على الاقتصاد. وأشارت إلى أن الحريري استكمل شرح ما آلت إليه أزمة التأليف في لقاء مطول مع الممثل الشخصي لبوتين إلى الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي كان رافق بوتين إلى باريس، والذي كان اطلع على التعقيدات التي تواجه إنجاز الحكومة من شخصيات لبنانية عدة التقاها تباعا الشهر الماضي. وأوضحت المصادر نفسها ل”الحياة” أن الجانب الروسي أجرى تقويما للموقف وقرر بذل جهود مع القيادتين السورية والإيرانية لحثهما على إقناع حلفائهما في لبنان بتسهيل قيام الحكومة اللبنانية.

الكرملين ولافرنتييف وفرشينن وبوغدانوف

وقالت إن التحرك حصل على خطين، الأول الاتصالات التي قامت بها إدارة الكرملين بالعلاقة مع السفارة الإيرانية في موسكو، والثاني عبر الخارجية الروسية لمناسبة الاتصالات التي تلاحقت في الأسبوعين الماضيين حول الأزمة السورية وتشكيل لجنة صوغ الدستور، في زيارات عدة إلى العاصمتين السورية والإيرانية. وكشفت المصادر نفسها لـ”الحياة” أن زيارة كل من الموفد الخاص لبوتين إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية سيرغي فرشينن، إلى دمشق الإثنين في 11 كانون الأول (ديسمبر) تناولت مع المسؤولين السوريين اهتمام الكرملين بتسريع ولادة الحكومة اللبنانية. وكان المسؤولان الروسيان قابلا الرئيس السوري بشار الأسد. وقالت المصادر إن روسيا يهمها ألا يعتقد أي فريق لبناني أو إقليمي يعتبر نفسه منتصرا على الصعيد الإقليمي وخصوصا في سورية أن باستطاعته ترجمة هذا الانتصار في لبنان وفرض شروطه فيه. وأضافت المصادر أنه فضلا عن أن موسكو تعتبر نفسها هي المنتصرة في سورية، فإنها تعتقد أن ظروف لبنان غير ظروف العراق الذي هو على حدود إيران، بينما إسرائيل هي الدولة المحاذية للبنان، الذي له حدود واسعة مع سورية أيضا حيث تتواجد القوات الروسية على الساحل السوري في طرطوس واللاذقية ومناطق أخرى، وهي بالتالي لا ترغب في أن يتأثر هذا الوجود القريب من الحدود مع لبنان، جراء أي توتر في داخله أو على الحدود الجنوبية.

وبحسب المصادر السياسية المطلعة إياها أن حفظ الاستقرار الداخلي وعلى الحدود اللبنانية، مسألة مهمة للتواجد الروسي، وأن هذا الاستقرار لا يتأمن إلا في ظل توازن سياسي في السلطة اللبنانية ومن دون غلبة لفريق على آخر…

وتابعت المصادر: إثر تمرير لافرنتييف وفرشينن الرسالة إلى الجانب السوري، انتقلا إلى طهران لمتابعة البحث مع القيادة الإيرانية في الشأن السوري والتمهيد للقاء جنيف بين الدول الثلاث حول تشكيل لجنة صوغ الدستور السوري، وحول الوضع في لبنان، حيث كررا الموقف نفسه بالطلب إلى طهران أن تسعى مع حلفائها اللبنانيين كي يسهلوا قيام الحكومة اللبنانية استنادا إلى الخلفية نفسها بالامتناع عن السعي إلى ترجمة أي انتصار على الصعيد الإقليمي في لبنان.

كما أن بوغدانوف عاد فزار سورية الأسبوع الماضي (من الأربعاء إلى الخميس) مع وفد روسي التقى الأسد وناقش العلاقات الاقتصادية إضافة إلى مسألة تشكيل لجنة الدستور، وكرر الرسالة في ما يخص ضرورة تسهيل ولادة الحكومة اللبنانية. وفي موازاة هذا التحرك قالت المصادر المطلعة نفسها ل”الحياة” أن السفير في بيروت شدد في لقاءاته على أهمية إزالة العقبات من أمام الحكومة اللبنانية، لكن المصادر لم تحدد ما إذا كان التقى قيادات في “حزب الله” في هذا الشأن.

الأنفاق والحكومة

وأشارت المصادر إلى أن واحدا من العوامل التي حثت الجانب الروسي على التحرك لإنهاء أزمة تأليف الحكومة هو نشوء مشكلة الأنفاق مطلع هذا الشهر، والتي أعلنت إسرائيل عن اكتشافها على الحدود مع لبنان متهمة “حزب الله” بحفرها ولبنان بخرق القرار الدولي الرقم 1701. وشددت موسكو مع الطرفين اللبناني والإسرائيلي ومع الجانب الإيراني، على أن لا مصلحة في توتير الأجواء على الجبهة الجنوبية، مذكرة بأن لها قوات قريبة من لبنان، في سورية، وليس من مصلحتها أن تحصل أي مواجهة في وقت تعمل من أجل إحداث تقدم في الحل السياسي السوري، ومن أجل استئناف مبادرتها لإعادة النازحين. ولفتت المصادر إلى أن موسكو لا تريد أي عرقلة لجهودها السياسية في سورية يمكن أن تأتيها من أي استقواء إيراني في لبنان وفي سورية على السواء، عن طريق أي توتير للجبهة مع إسرائيل.

وذكرت المصادر لـ”الحياة” المسؤولين الروس أبلغوا إسرائيل في المقابل أنهم مع دعمهم لأمن إسرائيل ومتطلباته، فإنهم يصرون على تهدئة الأوضاع مع لبنان، مع تفهمهم لحملة قادة الدولة العبرية على الأنفاق، التي فضلوا التريث في اتخاذ موقف حاسم منها في انتظار تثبت قوات الأمم المتحدة منها. وقامت صياغة الموقف الديبلوماسي الروسي في جلسة مجلس المن الذي انعقد أمس لبحث الأمر، على اعتبارها خرقا للقرار 1701 إذا أثبتت “يونيفيل وجودها، وعلى الطلب من السلطات اللبنانية التصرف حيالها وفق مبدأ ضرورة بسط الدول اللبنانية سلطتها وفق للقرار الدولي. لكن المصادر أوضحت أن موسكو حرصت على رفض أي اقتراح بتغيير مهمة قوات “يونيفيل” الذي تسعى إليه الديبلوماسية الإسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية ومن بريطانيا، وفق المعلومات التي سبقت انعقاد الجلسة. وقالت المصادر أن الديبلوماسية الروسية تتفق مع الديبلوماسية الفرنسية على رفض أي تعديل في انتداب قوات الأمم المتحدة في الجنوب.