IMLebanon

عبدالرحيم مراد عرّاب “سنّة حزب الله” الذي لا يقبّل يده أحد

كتب صلاح تقي الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:

يدرك اللبنانيون أن قصة تجمّع النواب السنّة الستة الذين فازوا في الانتخابات النيابية الأخيرة تحت مسمّى اللقاء التشاوري لم تكن إلا واحدة من “العقد” المصطنعة التي ابتدعها حزب الله أمام تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة والتي يمكن أن تكون قد أبصرت النور مع نشر هذا المقال، إذا لم يتم خلق عقدة جديدة في وجه ولادتها.

غير أن النائب عن منطقة البقاع الغربي عبدالرحيم مراد كان “العقدة” الفعلية في ذلك التجمّع، إذ أن المطلوب كان واحدا ولو تحت حجج مختلفة؛ دخوله شخصيا إلى الحكومة أو في الحد الأدنى تمثيله من خلال أحد أبنائه.

مراد الذي كانت قوى الممانعة، تستخدمه كورقة في وجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري باعتباره الاسم الجاهز لتسميته رئيسا بديلا في حال اعتذار الحريري عن التكليف، كان يُستخدم بهذا الدور في كل مرة كانت تجرى فيها استشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، لكنه في هذه المرة، كان يمنّي النفس بنقل شعلة السياسة إلى أحد نجليه، حسين أو حسن، على اعتبار أن انتقاداته الدائمة للوراثة السياسية تسقط عندما يصل “البلل” إلى ذقنه.

أوهام ومشاريع مريبة

فاز مراد الذي ولد في العام 1942 عن المقعد السني في دائرة البقاع الغربي راشيا في الانتخابات الأخيرة، نتيجة أخطاء في إدارة التحالفات الانتخابية ارتكبتها قوى 14 آذار في المنقطة وعلى رأسها “تيار المستقبل”، لكن في المحصلة أعادت مراد إلى ساحة النجمة بعدما كان قد فشل في ذلك منذ العام 2005.

عيّن نائبا عن الدائرة نفسها للمرة الأولى في العام 1990 عقب إنجاز اتفاق الطائف، ثم نجح في الفوز بمقعده النيابي في الدورات الانتخابية التي جرت حتى العام 2000، نتيجة الدعم العلني له من قبل نظام الوصاية السوري على لبنان، والذي كان مراد أحد أبرز رموزه.

خلال تلك الفترة، تولى مراد حقائب وزارية عديدة منها وزارة التعليم المهني والتقني في العام 1994، ووزارة التربية والتعليم العالي، ووزارة دولة من دون حقيبة، قبل أن يحلّ في العام 2004 وزيرا للدفاع في حكومة الرئيس عمر كرامي والتي استقالت تحت وطأة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

في مطلع شبابه، تأثر بالزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، وهو يقول إن انتماءه الناصري بدأ في العام 1958 حيث راح يكثّف مطالعاته الفكرية والسياسية وبخاصة القومية العربية، لكن أزمة الانفصال شكّلت “صدمة كبيرة بعدما كنا نمنّي النفس بالوحدة ونتائجها”، فسافر إلى مصر ليكون “قريبا من عبدالناصر” وتابع دراسته ونال شهادة الثانوية العامة من القاهرة.

ومع نشوب الحرب الأهلية في لبنان، كان مراد الذي انخرط كثيرا في العمل السياسي والحزبي يرغب في جمع الفصائل الناصرية المختلفة في بوتقة واحدة، فعمل مع شلة من رفاقه على تأسيس الاتحاد الاشتراكي العربي.

لكن عقد ذلك الاتحاد سرعان ما انفرط، ولم يجد له مساحة عمل كافية في ظل الحرب التي بدأت تنتشر لتغطي مساحة الأرض اللبنانية، فسافر إلى البرازيل في العام 1976، وبدأ مغامرته الجديدة في جمع التبرعات لصالح تحقيق “حلم” بناء مؤسسة تربوية نموذجية، فعاد إلى لبنان ليؤسس “مركز عمر المختار” التربوي الذي انطلق منه ليحقق أحلامه المادية والسياسية.

استفاد مراد من غطائه السوري ليوسّع نشاطات مركزه التربوي فبنى فروعا عدة في مختلف مناطق البقاع، غير أن طموحاته توسّعت فاستولى، من دون وجه شرعي، على أراض تابعة لجمعية “وقف النهضة الخيرية الإسلامية” التي أسسها لينشئ “الجامعة اللبنانية الدولية”، مستفيدا من تغطية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي وقّع على مراسيم تجيز لشركة “ديبلوماكس” التي يملكها أبناء مراد وصهره سمير أبي ناصيف، إنشاء تلك الجامعة ضاربا عرض الحائط بالشروط القانونية والتعليمية التي تتحكّم في منح رخص إنشاء الجامعات والمعاهد التعليمية في لبنان.

جامعات ميليشياوية

المثير في فضيحة الجامعة أنها لم تكن مجرد مشروع تربوي استثماري وحسب. فقد كان هناك دور مرسوم يراد لها أن تلعبه في ما بعد. ورغم رفض اللجنة الفنية في مجلس التعليم العالي لملف الترخيص المقدم إلى وزارة التربية، وتوضيح المدير العام للتعليم العالي أن معظم الشروط الفنية الخاصة بالكليات التطبيقية غير متوفرة في الملف، ورأي المستشار القانوني في رئاسة مجلس الوزراء المعارض للموافقة على الترخيص بسبب وجود تضارب في المصالح ناشئ عن كون مقدم طلب الترخيص مدير شركة “ديبلوماكس” هو نائب رئيس الجامعة المذكورة، وأن أبناء رئيس الجامعة المذكورة يملكون ثلثي الحصص في الشركة طالبة الترخيص، إلا أن وزير التربية آنذاك حسان دياب أحال الملف إلى مقام رئاسة مجلس الوزراء طالبا الموافقة عليه، والأسباب التي دفعته إلى ذلك غير واضحة، علما وأن دياب علّل القرار الذي رفعه إلى مجلس الوزراء باقتراح الموافقة أرفقه بنص “يمنع المؤسسة من المباشرة في التدريس قبل تنفيذ تعهداتها، والأخذ بملاحظات اللجنة الفنية”.

مشاريع مراد لم تتوقف عند هذا الحد، فقد حوّل “صروحه” الجامعية إلى مراكز تدريب عسكرية، حيث انتشرت مؤخرا مقاطع فيديو على مواقع إلكترونية تُظهر عناصر حزبية بلباس عسكري وهم يقومون بتدريبات تطبيقية على مجموعة من الأسلحة، في مكاتب داخل المؤسسات التربوية العائدة لمراد في البقاع الغربي وراشيا.

واللافت أن السلاح الذي ظهر على الإعلام، يبدو حديثا، ما يعني أن ثمة تسليحا على نطاق واسع لجماعة مراد في البقاع يندرج في إطار تعميم الفوضى التي تنشرها “سرايا المقاومة” وتحت إشراف مباشر من “حزب الله”.

ولا يخفي مراد “افتخاره” بعلاقته الثابتة مع النظام السوري والصداقة التي تجمعه برئيس هذا النظام ومن قبله مع والده الراحل حافظ الأسد. لكن مراد وشأنه في ذلك شأن معظم السياسيين الذين التحقوا بهذا المحور، كانوا يمنّون النفس، ولا يزالون، بالحصول على غنائم يفترض أن تكون من حصتهم، تتمثل على الأقل بالبقاء في نعيم السلطة في لبنان أو نقل هذا النعيم إلى أبنائهم من بعدهم.

حبل العقدة السنية

مع تطور أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، و“العقد” العديدة التي برزت أمام رئيسها المكلف سعد الحريري، بدءا من “العقدة الدرزية”، مرورا بعقدة “القوات اللبنانية” والتي ساهم كل السياسيين المعنيين في حلّها من خلال تسهيل شروطهم، فوجئ المعنيون من رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الحريري وكل المعنيين، ببروز عقدة جديدة “مصطنعة” أطلق عليها اسم “العقدة السنية” وصلت إلى حدودها القصوى مع إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب متلفز أن “لا حكومة ولا من يحزنون قبل تمثيل النواب السنة من خارج عباءة المستقبل”.

وبدا واضحا أن هذه العقدة الجديدة تتمثل في النواب السنة الذين فازوا في الانتخابات النيابية ولم يكونوا على اللوائح التي شكّلها “تيار المستقبل” ورئيسه، لكن المستغرب هو أن كلا من هؤلاء النواب الستة أعضاء في كتل نيابية أخرى، ولم يتوجهوا خلال الاستشارات النيابية الملزمة إلى رئيس الجمهورية ككتلة واحدة، بل توجهوا برفقة كتلهم الآلية، وكذلك فعلوا في الاستشارات التي أجراها الرئيس المكلف، لكن الغاية تبرر الوسيلة، والغاية هنا كانت إضعاف الرئيس الحريري، وإنعاش آمال فريق “الممانعة” بطرح إمكانية تكليف مراد برئاسة الحكومة في حال “أٌحرج الحريري فأٌخرج”.

مرارة الدور

لم تسر الرياح كما تشتهي سفن مراد، لا بل لعلّه كان الخاسر الأكبر في هذه العقدة، فبعدما كان يمنّي النفس بما عجز عن تحقيقه طيلة حياته السياسية، حاول تجيير المسألة إلى أحد أبنائه، علّه بذلك يضمن استمرارية “إرثه” السياسي من خلال توزيره، وبالتالي فتح الأبواب أمامه لكي يستمر في العمل السياسي اللاحق، إلا أن الضربة جاءت من “بيت أبيه”.

فقد نشب خلاف بين أعضاء اللقاء “التشاوري” حول اسم الشخصية التي يمكن أن يتفقوا حولها على تمثيلهم بعدما سلكت مبادرة رئيس الجمهورية طريقها إلى التنفيذ بتكليف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إبلاغ “اللقاء التشاوري” ببنود المبادرة، حيث طرح مراد اسم نجله، ورفض ذلك أعضاء اللقاء الآخرين الذين طرح كل واحد منهم اسما، ليرسو الاختيار على اسم السيد جواد عدرة المحسوب مباشرة على “حزب الله” فتكون مرارة الخسارة مضاعفة لدى مراد.

ومن الواضح أيضا أن الدور الذي من أجله أوجد “حزب الله” ما أسماه بـ”اللقاء التشاوري” قد انتهى، وبالتالي فإن انفراط عقد هذا اللقاء بات وشيكا أو أنه فعليا قد انفرط، لكن مراد سيظل يحاول، وهو الذي لم ييأس من ابتعاده عن الساحة السياسية نتيجة انكفاء الدور السوري بين العامين 2005 و2018، فهو كما عاد إلى النيابة سيحاول بالتأكيد أن يوصل أحد أبنائه لكي يضمن أن ما زرعه في حياته، سيكون حصادا مثمرا لعائلته لاحقا.