IMLebanon

حكاية الولادة الحكومية المعلّقة: من تبلور المخرَج إلى الإجهاض

كتبت انطوان الاسمر في صحيفة “اللواء”:

إمتهن اللبنانيون نظرية المؤامرة Conspiracy Theory. ولتعميم الفائدة يعرّف علم السياسة هذه النظرية بأنها مصطلح إنتقاصي يشير إلى شرح لحدث أو موقف اعتماداً على مؤامرة لا مبرر لها. وتُنتج نظريات المؤامرة في أغلب الحالات إفتراضات تتناقض مع الفهم التاريخي السائد للحقائق البسيطة.

وفقاً لعالِم السياسة في جامعة سيراكيوز مايكل باركون (واضع كتاب Culture of Conspiracy: Apocalyptic Visions in Contemporary America)، تعتمد نظريات المؤامرة على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاثة مبادئ: لا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه.

في لبنان، بات هذا الاصطلاح الإنتقاصي ركيزة في فن السياسة بمعناه المحلي السطحي. وإذا كان قانون نيوتن الثالث – كحقيقة بسيطة – «لكل فعل رد فعل مساوٍ ومعاكس» For every action, there is an equal and opposite reaction، الاكثر صلاحا وإستقامة وإنعكاسا واقعا للحقيقة اللبنانية، فإن لبنانيين كثرا، بمن فيهم مسؤولون، أدمنوا نظرية المؤامرة واعتادوا أن يربطوا بها ما لا يفقهونه أو يدركونه أو يريدون تحطيمه.

1- يوم صار الإتفاق على رئاسة ميشال عون حضرت المؤامرة في تفسير ذلك التحوّل السياسي الكبير، وخصوصا عند الرئيس سعد الحريري. لا يزال كثر على اعتقادهم بأن ثمة إتفاقا دوليا، اميركيا – سعوديا – إيرانيا، أدى الى تلك النتيجة، رغم كل ما بان من حقائق (أزمة سعد الحريري تحديدا) وتفاصيل أثبتت أن التسوية الرئاسية جهد محلي قاده رجلان إثنان!

2- يوم صارت الحكومة العتيدة، المعلّقة راهنا على سوء فهم وحرد ونكايات شخصية وتخريب متعمّد، على قاب قوسين من الولادة (الأسبوع الفائت)، تبارى منظرو المؤامرة في تسخيف ما بُذل من جهد محلي، منذ إتفاق لندن يوم الخميس 13 كانون الأول 2018، فنُسبت الولادة، مرة أخرى، الى إتفاق دولي قوامه الثلاثي عينه.

3- يوم نُسف المسعى الحكومي، قبيل عيد الميلاد، لرغبة دفينة جدا قال عنها ميشال عون، بتعبير ملطّف، انها معركة سياسية ضد العهد وان ثمة «اعرافا جديدة لم نألفها سابقا»، انقلب منظرو المؤامرة على أنفسهم، فنُسفت الحكومة وفق هؤلاء بتوجيهات من إيران «التي تريد في المنطقة إما حكومات موالية وإما الفوضى»!

ثمة بعدان يحكمان أداء مروجي المؤامرة:

أ- هم لا يدركون حقيقة الأمور، فيهرولون صوب هذه النظرية، إما لتغطية جهلهم بالحقيقة، وإما لإدعاء معرفة تنقصهم، وهم الفئة الغالبة بين منظّري المؤامرة اللبنانيين.

ب – أو هم يهرولون صوبها رغبة في التعمية على الحقيقة بذاتها، من خلال إختلاق سيناريوات الوهم والهذيان. وهذا الصنف أقلوي لكنه الأخطر تأثيرا.

الحقيقة في التعثّر الحكومي تعود الى جملة حقائق بسيطة لا محل فيها لنظرية المؤامرة الكونية:

1- طُرح اسم جواد عدرة باكرا كشخصية يرتاح لها رئيس الجمهورية ولا تستفز رئيس الحكومة.

2- احتاج الأمر نحو اسبوعين من النقاش لتهيئة قوام الحل الحكومي، ليتوّج التشاور في لندن (إجتماع الحريري وباسيل الخميس 13 كانون الأول) ومن ثم في بيروت (إجتماع باسيل ووفيق صفا الجمعة 14 كانون الأول).

3- اتّفق عون والحريري وباسيل على أن يكلَّف اللواء عباس إبراهيم، لدرايته والموثوقية، بتنفيذ الإتفاق، فكانت خريطة الطريق الخماسية، وفيها ان يكون جواد عدرة وزير ممثلا للقاء التشاوري من حصة رئيس الجمهورية.

4- وُضعت كلمة السر في مغلّف قاسم هاشم الشهير.

5- تنبّه النواب الخمسة الباقون لما رأوه خديعة وقعوا فيها، فعلا الصوت ودبّ.

6- فطِن أحد النافذين الى أن ثمة إتفاقا لم يكن مطلعا على كل فروعه، وتحديدا جزئية الحصة الرئاسية، والثلث موضع الداء!

7- سئل عدرة ضرورة إعلان إنتسابه سياسيا الى اللقاء التشاوري حصرا، فرفض.

8- تضمّن أحد مخارج اللحظة الحرجة كذبا موصوفا، فرفض المعنيّ.

9- اشتغل النافذ عينه، عشية الميلاد، على تفشيل الولادة الحكومية، فسُحب الترشيح، وكان ما كان.