IMLebanon

براز زحلة “يغمر” البقاع!

كتب رامح حمية في صحيفة “الأخبار”:

لا تنتهي المفاجآت ومسلسل الفضائح في ملف تلوث الليطاني. بحجة رفع التلوث عن النهر، تُنشر المواد الملوثة في طول البلاد وعرضها! عبقرية مجلس الإنماء والإعمار في تشغيل محطات تكرير الصرف الصحي لا تلحظ ضرورة معالجة الوحول البرازية التي تترسب في هذه المحطات، بل تتكفّل بدفع تكاليف نقلها إلى أماكن أخرى. وهكذا «كأنك يا بو زيد ما غزيت»!

لم يكن تشغيل محطة زحلة لتكرير المياه المبتذلة، في تشرين الأول 2017، النهاية السعيدة لمياه الصرف الصحي التي كانت تصبّ مباشرة في نهر الليطاني وروافده.

فضائح المحطة عادت إلى الضوء، بعدما تبيّن أن الشركة المكلفة التخلص من الحمأة (ترسبات غير معالجة ناتجة من تكرير الصرف الصحي – sludge) ترمي كميات ضخمة منها في خراج بلدات بقاعية عدة. فمنذ مطلع تشرين الأول الفائت، توالى نقل الحمأة إلى جرود بلدة طاريا وسهول بلدات شمسطار وحزين وبدنايل، مع إيهام عدد من المزارعين الذين توقفوا عند الأمر بأنها «سماد عضوي معالج» من محطة تكرير للصرف الصحي في البقاع الأوسط (من دون تحديد)، مع إبراز «شهادات» مخبرية تفيد بأنها «غير مضرة بالبيئة والصحة». وفيما لم تحرك البلديات المعنية أو الأجهزة الأمنية ساكناً، تراكمت تلال الحمأة وتوسّعت دائرة رميها تحت جنح الظلام لتصل إلى جرود مدينة بعلبك وقرى في شرقي بعلبك بين الطيبة وبريتال، قبل انفضاح الأمر مع توقيف سائقي شاحنتين أثناء إفراغهما حمولتهما في جرود بلدة الطيبة الأسبوع الماضي.

مصادر أمنية أكدت لـ«الأخبار» أن مصدر الوحول غير المعالجة شركة «ميراج» التي تعاقد معها مجلس الإنماء والإعمار للتخلص من الحمأة الناتجة من محطة تكرير زحلة. رئيس مجلس إدارة مؤسسة مياه البقاع، رزق رزق، أوضح لـ«الأخبار» أن المحطة التي تنتج نحو 30 طناً من الحمأة يومياً، غير مجهزة لمعالجة هذه الوحول. لذلك، اتفق مجلس الإنماء والإعمار مع الشركة، بدايةً، على التخلص من هذه الوحول في مطمر في النبطية (وادي الكفور)، «لكن يبدو أن الشركة عمدت إلى توزيع هذه المواد في كل الاتجاهات».

وتبلغ كلفة تشغيل محطة تكرير الصرف الصحي في زحلة نحو 150 ألف دولار شهرياً، تتقاضاها شركة «سوويز» الإيطالية. علماً أن العقد المبرم معها لا يتضمن معالجة الوحول الناجمة عن عمليات التكرير. رئيس بلدية بر الياس، مواس عراجي، أكد أن «الجرم لا يقتصر على التخلص من الحمأة بطريقة عشوائية من دون معالجتها لتصبح سماداً عضوياً للمزروعات، بل إن الشركة الإيطالية لا تعالج مياه الصرف الصحي بنحو سليم، إذ إن المياه المبتذلة تخرج بوضوح من المحطة وتصبّ في الليطاني، فيما العقد ينص على إنتاج مياه قابلة للاستخدام في ري المزروعات».

وكشفت «الأخبار» في آب الماضي، أن مجلس الإنماء والإعمار تعاقد مع «ميراج»، بقيمة 200 ألف دولار، لنقل الترسبات إلى وادي الكفور. المجلس ردّ، يومها، على ما كتبته «الأخبار» وأثار اعتراض أهالي المنطقة، بأنه اجتمع بمسؤولي «ميراج» لـ«البحث في الحل المناسب ولنقل المخلّفات ومعالجتها في موقع يُعمَل حالياً على تحديده بعد التأكد من استيفائه للشروط البيئية». لكن بعد أربعة أشهر، ظهر أن الموقع «المستوفي للشروط البيئية» ليس سوى بلدات في قضاء بعلبك. وقد أكّد شهود عيان أنّ ما لا يقل عن مئة شاحنة كانت تخرج يومياً من محطة زحلة وتفرغ حمولتها في خراج بلدات حزّين وشمسطار وبريتال وبدنايل والطيبة.

وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قد أرسلت إلى المجلس، نهاية تشرين الأول الماضي، اقتراحاً بـ «إنشاء مركز لمعالجة الوحول الناجمة عن محطات التكرير في منطقة البقاع لتدارك الواقع الخطير الناجم عن رمي مخلفات محطات التكرير في الحوض الاعلى لنهر الليطاني في بعض البلدات البقاعية». وأبدت المصلحة استعدادها لتقديم الأراضي اللازمة للمشروع «مع توفير مهمات التشغيل والصيانة، إذا توافر التمويل اللازم لتغطية كلفتها». لكن المجلس لم يأخذ بالاقتراح. ولدى مراجعته طوال الفترة الماضية، كان يلتزم الصمت ويحيط وجهة نقل الوحول البرازية من محطة زحلة بالسرية.

بلديتا بريتال وبعلبك تقدمتا بإخبار ضد إدارة محطة زحلة وشركة «ميراج». فيما دعا وزير الصناعة حسين الحاج حسن، بلديات بعلبك – الهرمل إلى رفع جاهزية فرق المراقبة لديها، تحسباً لعمليات رمي نفايات في المنطقة وجرودها. وفي مؤتمر صحافي عقده تكتل نواب بعلبك – الهرمل في بلدية بريتال، أمس، أكد الحاج حسن أن «لا غطاء سياسياً أو حزبياً على أي شركة أو معمل أو أشخاص يسهّلون نقل تلك المواد»، لافتاً إلى أن شركة «ميراج» حاولت أن «تتذاكى بالإيعاز إلى البعض بردم تلك المواد».

وأوضح رئيس بلدية بريتال علي مظلوم، أنه ضبط حفارة كبيرة تقوم بأعمال الردم والطمر في مجرى نهر جريبان الموسمي. الأجهزة الأمنية، بحسب مظلوم، «تواصلت مع ميراج والمتعهد المكلف وليد الطقش. وحصلنا على تعهد بقيام الشركة بسحب تلك المواد السامة بواسطة 70 كميوناً تابعة لها وإعادتها إلى مصدرها». ورأى مظلوم أن «النية الجرمية موجودة لدى ميراج لأنها لم تنفذ تعهدها الذي قطعته للأجهزة الأمنية حتى اليوم. لذلك، تقدمنا بدعوى قضائية ضد الشركة ومن يظهره التحقيق من مشغلين ومتعهدين وأصحاب عقارات».

لكن ما الذي أوصل الأمور إلى هنا؟ باستعراض مسار محطة زحلة القصير منذ تشغيلها في تشرين الأول 2017، تظهر ثُغَر كثيرة تعكس الهدر والفساد. إذ تأخّر تشغيل المحطة لسنوات بسبب عدم ربطها بالتيار الكهربائي. وقد صرفت الهيئة العليا للإغاثة، من خارج العقد، نحو نصف مليون دولار لشراء مولدات لتوفير الكهرباء بنحو دائم فيها. إلا أن الأغرب، أن دراسة الأثر البيئي للمحطة (أعدتها شركة الأرض للتنمية المتطورة للموارد)، التي وافق عليها مجلس الإنماء والإعمار ووزارة البيئة والبنك الدولي، لحظت أثر الضوضاء التي قد تنتج من المحطة، لكنها لم تتطرق إلى ضرورة وجود وحدات لمعالجة الحمأة في محطة التكرير، رغم تأثيرها المباشر بالبيئة والمياه السطحية والجوفية.

بحسب رزق رزق، عرض المجلس على مؤسسة مياه البقاع تسلّم تشغيل محطة تكرير زحلة للصرف الصحي، «إلا أنه بنتيجة الكشف عليها تبين أنها غير مجهزة لمعالجة الترسبات البرازية وتحويلها إلى طاقة أو سماد». واللافت أن سائر محطات تكرير الصرف الصحي في معظم المناطق، لم تتضمّن إنشاء معامل لمعالجة الحمأة. وبحسب رزق «يفترض بالمجلس درس أي مشروع من ألفه إلى يائه. معالجة مياه الصرف من دون معالجة الترسبات، تعني أن المشكلة باقية كما لو أنها لم تعالج»!

استغربت مصادر شركة «ميراج» التعامل مع قضية نقل الفضلات الناجمة عن محطة تكرير زحلة «كما لو أنها كشف عن أمور سرية». وأكدت لـ«الأخبار» أن الشركة «تنفذ عقداً رسمياً علنياً مع جهة رسمية هي مجلس الإنماء والإعمار». وأوضحت المصادر أن «ميراج» تعاقدت مع المجلس على تصريف فضلات محطة تكرير المجاري الصحية في زحلة، «وهذه الفضلات يجب أن تكون خاضعة لمعايير فنية دقيقة بحيث تكون خالية من أي مواد ملوثة أو سامة، وقد تم تأكيد سلامتها من خلال فحوص مخبرية، وصدرت تقارير تؤكد ذلك». وأضافت أن «الأماكن التي ذكرتها التعليقات الواردة في وسائل الإعلام والتي وجدت فيها نفايات، لم تعتمدها الشركة لتصريف الفضلات، مما يدلّ على أن هناك جهات أخرى قامت بتفريغ تلك الفضلات التي توزعت على تلك الأماكن المذكورة، وليس لشركة ميراج أي علاقة بها ولا تتحمل المسؤولية عن أفعال غيرها». وأوضحت أن الشركة كانت تفرغ الفضلات في خراج بلدة طاريا بموجب اتفاق مع البلدية، «ولكن بعد مشاكل داخلية توقفنا عن ذلك». أما في جرود عين بورضاي «فيتم الأمر بالاتفاق مع وكيل العقار وهو من آل ياغي». وأكدت المصادر أن الشركة «مسؤولة عن سلامة المواد التي تنقلها وعن عدم وجود أي مواد ضارة فيها. وهي ليست مسؤولة عن أي مواد أخرى قد يتم العثور عليها في أماكن أخرى».