IMLebanon

بري والدولة المدنية

كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

يكرر رئيس مجلس النواب نبيه بري القول: ان الحل في لبنان هو بإقامة دولة مدنية، أي أن تلغى الطائفية السياسية، لأن القيود الطائفية والمذهبية تكبل الدولة ومؤسساتها، وهي تخضع الحراك السياسي الى محددات خارجة عن مفاهيم العصر.

لعل السبب الرئيسي الذي يدفع بري للمطالبة بالدولة المدنية، هو حالة الشلل التي تسببها الاستحقاقات الدستورية للدولة، وآخرها استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة، حيث بقيت البلاد ما يقارب الـ 8 أشهر من دون حكومة، بسبب التباينات السياسية حول تأليفها. وهذه التباينات كانت سهلة الحل لو لم يكن النظام طائفيا يفرض توزيع الوزراء مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ونسبيا بين مذاهب كل من الطائفتين وفقا لما جاء في المادة 95، كما يفرض الدستور في مقدمته احترام «الميثاقية» أي ضرورة تمثيل كل المذاهب، وبنص على أن لا سلطة تعلو فوق إرادة العيش المشترك.

الرئيس نبيه بري يرى جوانب خلل متعددة في أسس النظام اللبناني، منها المعلن، ومنها غير المعلن. وربما تكون بعض جوانب الخلل غير المعلن، هو الاعتراض الضمني من قبل الرئيس بري ومن يمثل على كيفية توزع السلطة التنفيذية، بحيث يقول أخصام «الشيعية السياسية» أن هؤلاء غير راضين على التقاسم الذي حصل في الطائف عام 1989، كما أن فائض القوة الذي تشعر به قوى الطائفة الشيعية، يدفع هؤلاء الى اعتبار أن تمثيلهم في السلطة التنفيذية غير مناسب لحجمهم السياسي، ولقوتهم العددية (دائما وفق تفسير هؤلاء الاخصام).

بطبيعة الحال، فإن إقامة الدولة المدنية في لبنان، لا يمكن بأي حال من الأحول أن يكون التفافا على النظام الطائفي، لتحقيق غلبة طائفية مختلفة. وهذا يتعارض مع مفهوم الدولة المدنية، كما أن الاعتقاد السائد أن الرئيس بري لا يقصد إرساء هذه المعادلة، بل ان مطالبته نابعة من حالة اليأس السياسي التي يعيشها لبنان، وهي تنعكس سلبا على كل الطبقة السياسية، لأن شلل السلطة التنفيذية يفرض شللا في السلطة التشريعية، إلا بما يسمى «تشريع الضرورة في غياب الحكومة» وهذا وذاك يضر بسمعة الجميع.

يفرض الاختناق السياسي الناتج عن الخلافات على تشكيل الحكومة تغييرا نمطيا في طريقة التعاطي مع مصالح الشعب بعيدا عن الاستهتار من قبل الطبقة السياسية، ذلك لأن فئات شعبية واسعة بدأت تشعر بالضيق من أداء السياسيين، في وقت تغرق البلاد وسط مشاكل مالية واقتصادية وخدماتية واسعة، قد تهدد باضطرابات اجتماعية كبيرة، لأن الركود الاقتصادي والصعوبات المالية والمستوى المرتفع للبطالة في صفوف الشباب تجاوزت كل الحدود.

يؤيد جمهور واسع من اللبنانيين إنشاء نظام مدني يفصل بين الدين والدولة. لكن ذلك يحتاج الى ضوابط واسعة تمنع استباحة مؤسسات الدولة من قبل أشخاص طائفيين يرتدون قناعا مدنيا. هناك نماذج معمول بها في عدد من دول العالم، منها فصل الدين عن الدولة بالكامل، مع إعطاء امتيازات واسعة للطوائف الدينية في حرية الحركة الذاتية، والتوسع في مباشرة التثقيف الديني، على ألا يتدخل رجال الدين بشؤون الدولة نهائيا.

ربما يكون الحل للمعضلات السياسية اللبنانية من خلال إقامة دولة مدنية، ولكن الصحيح أيضا ان صعوبة تطبيق الحياة المدنية او العلمنة ـ أو تحقيق المواطنة المجردة عن أي انتماء ديني ـ تحتاج الى جهد كبير، واستثنائي، أكثر مما يحتاجه مثل هذا التغيير في بلدان أخرى.