IMLebanon

هل يبقى اتفاق الطائف عقدة العونيِّين؟!

كتبت ريمون ميشال هنود في صحيفة “اللواء”:

بتاريخ 22 تشرين الثاني 2018، وفي الذكرى الخامسة والسبعين لاستقلال لبنان، ناشد وزير الخارجية جبران باسيل من منطقة نهر الكلب، نواب قضاءي كسروان والمتن الشمالي التقدم بطلب يتيح لهم وضع لوحة على صخرة من صخورها تؤرّخ لانسحاب الجيش السوري من لبنان. والملاحظ ان توقيت الطلب المفاجئ، والأول من نوعه أتى بعد اتفاقية مار مخايل المبرمة بين التيار الوطني الحر وحزب الله في العام 2006، وتزامن مع استمرار إصرار الرئيس العماد ميشال عون والتيار الوطني من جهة على التمسّك بالثلث الضامن او المعطل في الحكومة المنتظر تشكيلها منذ ثمانية اشهر تقريبًا واستمرار العديد من القوى في رفض هذا التمسّك من جهة اخرى، وان أتى كلام الرفض مبطنًا، علمًا ان رئيس الجمهورية لا يحق له امتلاك وزراء اساسًا وفقًا لاحكام الدستور، لأنه الجهة المخوّلة حلّ الخلافات بين كل الاطراف. لكن عندما امتلك الرئيسان الأسبقان ميشال سليمان وإميل لحود وزراء في حكومات، لم يمتلكا الثلث الضامن او المعطل على عكس الرئيس عون والذي باقتراعه للائحة التيار الوطني الحر في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، والتي اسماها لائحة العهد، يكون قد أقرّ بان حزب التيار الوطني هو حزب العهد، بالتالي يكون وزراءه ووزراء التيار الوطني الحر على حد سواء من حصّته جميعًا وعددهم حتى الأن، اي قبل تشكيل الحكومة المنتظرة ولادتها، 11 وزيرًا ما يعني امتلاكه للثلث المعطل او الضامن، وهذا ما لا يجيزه الدستور اللبناني.

من هنا، فإن التيار الوطني الحرّ، ومن خلال سلوكه، يحاول أخذ الأمور الى درجة المطالبة بتعديل اتفاقية الطائف. وهنا سؤال يطرح نفسه، هل ان عودة الرئيس ميشال عون الى لبنان في العام 2005 اتت عقب قيامه بنقد ذاتي، اعترف بموجبه بكل مندرجات اتفاقية الطائف او ببعض منها، أو أتت لاسباب اخرى؟ انّ كل مواقف نواب التيار الوطني الحر، عقب عودة الجنرال من فرنسا، تظهر ان هذا التيار ما زال معارضًا بشدة لأهمّ البنود الاصلاحية الواردة في اتفاقية الطائف خصوصًا لتلك التي تقود الى بناء الدولة المدنية في لبنان، واهمها المادة 95 من الدستور، التي تنص على تشكيل الهيئة الوطنية العليا المولجة بالعمل على الغاء الطائفية السياسية من النفوس بالطبع. كما ان التيار الوطني الحر وضع كل اشكال المعوقات والعراقيل امام ارسال الموظفين الناجحين في امتحانات مأموري الاحراج والطيران المدني ودورتي الجمارك نيسان 2015، بحجة ان اعداد الموظفين المسلمين الناجحين تفوق اعداد الموظّفين المسيحيين الناجحين، علمًا ان هذه الوظائف مدرجة ضمن الفئتين الثالثة والرابعة، التي لا تنص على اعتماد التوازن الطائفي، مع الاشارة الى انّ اعداد الموظفين المسلمين التي تقدّمت الى تلك الامتحانات تفوق اعداد الموظّفين المسيحيين، مع عدم التناسي بانّ نوّاب التيار كانوا قد امتنعوا عن التصويت لقانون خفض سن الاقتراع الى 18 سنة، بحجّة ان اعداد المقترعين المسلمين ستفوق اعداد المقترعين المسيحيين في الفئة العمرية 18 – 20 سنة، في حال تم اقرار هذا القانون فضلًا عن استمرار التيار في عزف سيمفونيّة «المسيحيّون يعانون كل اشكال التهميش والغبن والاحباط منذ العام 1991»، بحجة انّ اتفاقية الطائف سلبت رئيس الجمهورية الماروني معظم صلاحياته ومنحتها لرئيس الحكومة، متناسيًا ان قسمًا من بنود تلك الاتفاقية جعلت رئيس الجمهورية يتشاور مع رئيس الحكومة في اتخاذ القرارات، بعدما كان رئيس الجمهورية بموجب دستور 1943 يملي القرارات بمفرده على مجلس الوزراء وعلى رئيس الحكومة وعلى الجميع من دون استثناء، وبعض الصلاحيات انتقلت الى مجلس الوزراء مجتمعًا لا الى رئيس الحكومة، ونصف اعضاء المجلس هم من المسيحيين والنصف الآخر هم من المسلمين. ان السبب الحقيقي الذي جعل الرئيس عون يعود الى لبنان، هو الانسحاب العسكري السوري من وطن الارز العربي، معتبرًا انّ ادلاءه بشهادة ضد سوريا امام لجنة فرعية في الكونغرس الاميركي عام 2003، في زمن القرار 1559 كان له اليد الطولى في اخراج الجيش السوري من لبنان وتحقيق احدى اهداف حرب التحرير التي اعلنها ضد الوجود العسكري السوري في لبنان يوم 14 آذار 1989، واقول احدى الاهداف، لأن الهدف الحقيقي من اعلان تلك الحرب، لم يكن متأتيًّا من رغبة الجنرال في تحرير لبنان من جيش اعتبره محتلًا فحسب، بل لأنه كان يعلم انّ الدخول العسكري السوري الى الأراضي اللبنانية اتى لتعديل دستور 1943، وليثبت أن هنالك مقاومة عسكرية عنيفة في وجه تلك الرغبة السورية، وعلى العالم اخذها بعين الاعتبار وفعلًا كان لدى سوريا النية في تعديل الدستور اللبناني، اذ يقول آلان مينارغ في كتابه (اسرار حرب لبنان الجزء الاول صفحة 34)، «وعندما طالبت احزاب اليسار بإعادة توزيع للسلطة يكون اكثر انصافًا لها، واكثر تمثيلًا لكافة الطوائف اللبنانية، اقترح الرئيس الاسد في شباط 1976، بالحاح على الرئيس اللبناني سليمان فرنجية تعديل الدستور اللبناني، لايقاف حمام الدماء في لبنان، لكن الرئيس فرنجية رفض اقتراح الرئيس الاسد. ويبدو أن رفضه حينها كان نابعًا من خشيته من حدوث شرخ بينه وبين حزبي الكتائب والوطنيين الاحرار في حال قبوله باقتراح الرئيس حافظ الأسد. وفي العام 1977 وعندما طلبت سوريا من قيادة احزاب الجبهة اللبنانية التخلي عن ولائها السياسي للمعسكر الغربي، كرد لجميل انقاذها من السقوط عسكريًا، رفضت تلك الاحزاب مطلب دمشق، لأنها كانت تعلم ان القيادة السورية تدعم تعديل الدستور اولًا، لكنها استنجدت بها لإقالة عثرتها، ومنعها من تلقي الهزيمة امام القوات المشتركة، ولأنها ثانيًا كانت على علم مسبق، بان مصر ستنتقل رسميًا الى الفلك السياسي الاميركي الغربي، وستبرم اتفاقية كامب دايفيد مع تل ابيب عام 1979، وكانت على قناعة تامة بانّ تلك الاتفاقية سيكون لها فرع آخر في لبنان بعد فترة ليست بطويلة مراهنة على حدوث اجتياح اسرائيلي، يبلغ العاصمة بيروت، يجعل تلك الاتفاقية تبصر النور من رحم تغيير موازين القوى. وفي حال الفشل في ابرام تلك الاتفاقية سيتيح ذلك الاجتياح لتلك الاحزاب أقله فصل القضية اللبنانية عن القضية الفلسطينية تحت مسمى «النأي بالنفس يحقق الحياد الايجابي»، رغم ان عملية الفصل لو قُدِّر لها ان تتحقّق، كانت ستجعل لبنان يقبع نهائيًا في محور ضد محور آخر، ولن يكون بامكانه ان ينأى بنفسه عن لعبة المحاور».

وبالفعل لقد دخلت سوريا عسكريا الى لبنان لمنع سقوط بندقية احزاب الجبهة اللبنانية، اذ يتابع الأن مينارغ في الكتاب عينه، الجزء الاول صفحة 34 قائلًا، «لقد رفض الرئيس حافظ الأسد شنّ حرب شاملة ضد المسيحيين، لأن ذلك سيجعل اسرائيل تتدخّل عسكريًا في لبنان بايعاز من واشنطن وباريس لإنقاذ قوّات الجبهة اللبنانية، وقال في العام 1976 في عدة مناسبات امام زواره من السياسيين اللبنانيين، لديّ فرصة تاريخية لتوجيه الموارنة نحو سوريا وكسب ثقتهم وجعلهم يُدركون أنّ فرنسا لم تعد هي والغرب الحامين لهم، وينبغي اقناعهم بعدم طلب الحماية الأجنبية لهم بعد الآن».

وعندما ادرك الرئيس حافظ الأسد، انّ مؤامرة تطويق سوريا عسكريًا وسياسيًا، ومن لبنان هذه المرة باتت على قاب قوسين من تحقيق مبتغاها، بعد ان كانت تركيا جارة سوريا قد ابرمت اتفاقية سلام مع اسرائيل عام 1949، وبعد أن أبرمت الأردن جارة سوريا ايضًا اتفاقية وادي عربة مع اسرائيل، وما ان حدث الاجتياح الاسرائيلي لسيدة العواصم بيروت عام 1982، دعمت دمشق عملية تحريرها على يد احزاب جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ابتداءً من 16 أيلول 1982، كما دعمت عملية تحرير الجبل عام 1983، وتحرير صيدا والنبطية عام 1985، ودعمت انتفاضة السادس من شباط عام 1984، التي اطاحت باتفاقية السابع عشر من ايار 1983. وبذلك تكون الطريق قد عُبّدت امام قدوم دستور جديد يقوم على المناصفة وينهي الحرب الاهلية في لبنان، من هنا فان السبب الرئيسي الذي جعل التيار الوطني الحر يعتبر الجيش السوري جيشًا محتلًا للبنان هو شعوره بقدرة دمشق على تعديل الدستور او اسقاطه، شأنه شأن احزاب الجبهة اللبنانية التي كان لها الرأي عينه. وعندما يحيي التيار الوطني الحر في كل عام، ذكرى 13 تشرين الأول 1990، انما يحيها، لأنه يعتبر أنّه في ذلك اليوم، سقط آخر معقل كان يدافع عن ذلك الدستور. وعندما ترشّح النائب ميخائيل الضاهر الى الرئاسة الأولى عام 1988، كان هدفه الأول فور اعتلائه سدّتها اقناع العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع بالانضمام الى مسيرة صناعة دستور جديد للبنان ينهي الحرب الاهلية، ويحلّ الميليشيات ويوحّد الجيش وفق أسس لا طائفية ووفق قاعدة العداء لاسرائيل فقط. لكن رفض الجنرال والحكيم المس بدستور 1943، جعلهما يقدمان بقوتهما العسكرية على تعطيل جلسة انتخاب الضاهر. اما واشنطن فقد اضطرّت الى الموافقة على الضاهر على لسان مبعوثها الى لبنان مورفي، بعدما منحت حلفاءها في لبنان مدة 13 عامًا للخروج منتصرين من الحرب الاهلية اللبنانية، لكن عجزهم عن تحقيق الانتصار، جعل واشنطن تطلق مقولة، إما ميخائيل الضاهر أو الفوضى رغم انها لم تكن مسرورة بالإطاحة بنظام 1943، ولكن لمصالح تتعلق بسياساتها في المنطقة العربية في كافة الصعد، وضعت خطوطًا حمرًا أمام أي امكانية خرق لارادة محليّة وعربية ودولية راغبة في انهاء الحرب اللبنانية. من هنا فان حرب التحرير التي اعلنتها حكومة العماد عون العسكرية على القوات السورية، لم تكن حربًا هجومية بل كانت حرب دفاع من صيغة 1943 حتى الرمق الأخير، بدليل مقولته الشهيرة حينها، يستطيع العالم ان يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي. وفعلًا لقد تبيّن وبعد اقرار اتفاقية الطائف، وعلى اثر التظاهرات الشعبية المسيحية الضخمة التي أمّت «بيت الشعب» الاسم البديل للقصر الجمهوري انذاك، والغاضبة من خيانة النواب المسيحيين لمسيحيّتهم! ان العالم لن يأخذ توقيعه على الاعتراف بدستور يسقط صيغة 1943.

أمّا سماحه للنواب المسيحيين القاطنين في مناطق نفوذه بالذهاب الى الطائف لحضور اعمال المؤتمر فقد اتى جراء شعوره بالعجز عن احتجازهم ومنعهم من الحضور لأنه ادرك أنه في حال أقدم على هذا الخيار، فإن الرأي العام اللبناني سيتّهمه بأنه استعان بممارساتٍ ميليشياوية، وهو الذي بنى شعبيته المسيحية الضخمة، من رحم معاناة المواطنين المسيحيين من ممارسات الميليشيات المسيحية حيالهم، ابّان فترة الحرب الاهلية والذين ضاقوا ذرعًا من فرض الضرائب والخوّات عليهم. ولكن لمجرّد تلفظه امامهم قبيل سفرهم بعبارة حكّموا ضميركم ولا تفرطوا بالحقوق، يكون ضمنيًا قد طلب منهم رفض مندرجات بنود اتفاقية الطائف، وخصوصًا تلك الاصلاحية منها. اما غبطة البطريرك صفير فقد أتت موافقته على بنود الاتفاقية، بناءً على رغبة الفاتيكان القويّة بانهاء الحرب الاهلية، والكلام الذي كان يُحكى وقتها في الاوسط المسيحية، والعونية على وجه الخصوص، بأن اتفاق الطائف لم يكن ليبصر النور، لو أنّ القوات اللبنانية وبكركي والنواب المسيحيين رفضوه، كلام عاطفي يفتقر الى العقلانية، لأن نتائج الحرب الاهلية كانت قد صدرت في شهر ايلول 1988 من جهة، ولأن حكومة العماد عون العسكرية من جهة اخرى وبعد ايام قليلة من تشكيلها، اعتراها الوهن، لأن سفراء الدول المعتمدين في لبنان كانوا يزورون الجنرال في القصر الجمهوري، وفي الوقت عينه كانوا يزورون الرئيس سليم الحصّ في الصنائع معترفين بشرعية حكومتين لبنانيتين، وهذا ما أضعف شرعيتها، فضلًا عن أنّ انسحاب الوزراء العسكريين المسلمين منها، بعد دقائق معدودة من تشكيلها، افقدها قوتها الوطنية وجعلها حكومة عسكريّة مسيحيّة. وهنا اسأل بدوري، فرضًا لو أن الدخول العسكري السوري الى لبنان، اتى لمنع سقوط دستور 1943، ونجح في ذلك، هل كان التيار الوطني الحر سيعتبر أنّ ذلك الجيش كان جيشًا محتلًا للبنان؟ لا أعتقد، على اعتبار انّ فرنسا عندما منحت الامتيازات السياسة للطائفة المارونية، كان الزعماء الموارنة يعتبرونها جيش انتداب لا جيش احتلال، حتى ان تصنيفهم لها بدولة منتدبة لا بدولة محتلّة، ولد منذ نشوء دولة لبنان الكبير في العام 1920 برعايتها. وعند انسحابها عسكريًّا من لبنان وصفها الزّعماء الموارنة بالأمّ الحنون، وكعربون شكر ووفاء لها، أبقى النّظام اللّبناني شوارع في بيروت تحمل اسم قوّادها ورؤسائها كشارع الجنرال شارل ديغول وشارع الجنرال غورو وشارع فوش، بينما في سوريا وفي آخر مراحل تحريرها من الاحتلال الفرنسي، قتل الثّوّار السّوريّون الماريشال كاربانتييه الملقّب بجلّاد الشّعب السّوري واقتلعوا تمثاله المنصوب في وسط دمشق. ولو لم يكن للاغتراب الماروني منذ اوائل القرن العشرين مصالح تجارية داخل الولايات المتحدة واستراليا وكندا وفرنسا وبريطانيا، ولو لم يكن للارساليات الاجنبية، وتحديدًا الفرنسية منها موطئ قدم في لبنان، ولو لم تتأكد فرنسا حينها من قدرة رجالات الاستقلال الموارنة، على الحفاظ على قوّة نفوذ باريس في أروقة السياسة اللبنانية، وعلى طاولة قرارها بعد انسحابها عسكريًا في 22 تشرين الثاني 1943، لما كانت اساسًا قد منحت طائفتهم امتيازات سياسية كبيرة قبيل ذلك الانسحاب، لذا كان الزعماء الموارنة الذين ادرجوا ضمن رجالات الاستقلال والذين تعاظم نفوذهم بعد العام 1943، يرفضون رفضًا قاطعًا اي فكرة واقتراح يدعوان لأي تعديل لدستور 1943، او المسّ به، وهذا عاد لينطبق فيما بعد على الشيخ بشير الجميّل وعلى العماد ميشال عون وعلى الرئيس امين الجميل وعلى الدكتور سمير جعجع، الذي عاد ووافق على اتفاق الطائف، عقب رؤيته انّ الجنرال بات يعاني من عزلة سياسية محلية وعربية ودولية نتيجة تمرده على الاتفاقية واعتقادًا منها أنها قادرة على وراثته شعبيًا، بعدما بات اسير طروحاته التي لن تجيز فيما بعد متابعة حياته السياسية في لبنان في ظل سلطة دستور الطائف. وبالمناسبة، حريّ بي ولزامٌ عليّ ان اذكر بان مجموعة الفينيقيين الجدد والتي كانت تمثل القسط الأكبر من الرأي العام الماروني إبّان فترة الاحتلال الفرنسي للبنان، والتي ضمّت في صفوفها الرئيس اميل اده وشارل قرم وفؤاد الخوري وسعيد عقل وادوار حنين وغيرهم، لو كانت تعلم بأن فرنسا ستعود وتمنح فيما بعد الطائفة المارونية امتيازات سياسية كبرى قبل أن تنسحب من لبنان عام 1943، لما كان عضو المجموعة البارز البير نقاش قد انبرى ليقول في العام 1936، بانّ الخطر الأكبر الذي يهدد لبنان هو في ان تقرر فرنسا منح سوريا استقلالها، لأنه في حال حدوث تلك الكارثة «حسب تعبيره» فسيطالب عندها مسلمو لبنان، ومعهم الروم الارثوذكس والروم الكاثوليك باستقلاله، وفي ذلك، والكلام لنقاش، خطرٌ على مصالح فرنسا في لبنان وعلى مصالح الطائفة المارونية في كافة المجالات مع فرنسا «كتاب صلات بلا وصل للكاتب والمؤرخ فوّاز طرابلسي صفحة 261 – 262. ومن هنا كان الصراع على أشدّه بين الزعماء الموارنة بعد العام 1943، وبين المدّ الشيوعي في لبنان وعقيدته، والفكر القومي العربي، والعقيدة السورية القومية الاجتماعية، لأن كل تلك العقائد تدعو الى فصل السياسة عن الدين والى بناء لبنان العربي العلماني المناهض لسياسات الغرب التوسعيّة، ولو نجحت حينها في تحقيق مرادها كانت ستصبح صيغة 1943 بحكم المنتهية.