IMLebanon

هل يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود حكومياً هذا الأسبوع؟

كتب حسين زلغوط  في صحيفة “اللواء”:

من العبث الحديث عن تأليف حكومة بعد يوم أو يومين أو سنة أو أكثر، ما لم يقتنع المعنيون بهذا الاستحقاق بوجوب تقديم التنازلات وهي قاعدة لطالما اعتمدت في حل النزاعات إن على مستوى أفراد أو جماعات أو دول. وبما ان اولياء الأمر يتمترسون وراء مواقفهم ومطالبهم رافضين فكرة تبادل التنازلات، فإننا لن نكون امام حكومة جديدة إلى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً، فإما ان يتم ذلك من خلال معجزة داخلية وزمن المعجزات قد ولّى، وإما من خلال تدخل إقليمي أو دولي وهو أمر مستبعد في الوقت الراهن كون ان لبنان غير موضوع أقله في هذه المرحلة على أجندة الأولويات عند أصحاب القرار في المنطقة.

صحيح ان مسألة التفاوض والمشاورات هي من المسلمات المطلوبة في تأليف الحكومة، لكن ذلك يبقى من دون نتيجة ما لم يكن هذا التفاوض مقروناً بشيء من المرونة، وأخذ ما يحتاجه المواطن والبلد في عين الاعتبار في ظل هذا التخبط الاقتصادي والمعيشي الذي يعصف من كل حدب وصوب، إلى جانب التوترات الموجودة على أكثر من جبهة والتي تنذر في حال تحولها إلى مواجهات إلى قلب الطاولة رأساً على عقب ليس على المستوى اللبناني وحسب بل وعلى مستوى المنطقة برمتها.

والملاحظ حتى هذه الساعة وبعد دخول مخاض ولادة الحكومة الشهر التاسع ان عملية التأليف لم تخرج من الحلقة المفرغة، فالمواقف السياسية ما تزال على حالها، والعبوات الناسفة المزروعة في طريق التأليف ما تزال موجودة، والمستغرب أو اولياء الشأن يتصرفون حيال تشكيل الحكومة وكأن لا شيء يستعجل إنجاز هذا الاستحقاق، فالاقتصاد في اعتقادهم بألف خير والوضع المالي والنقدي مستقر، وأوضاع المنطقة لا تنذر بإمكانية اندلاع حروب تأكل الأخضر واليابس وتطيح بحكومات موجودة فكيف الحال بحكومة غير مكتملة الأوصاف.

في الوقائع، فإن كل المعلومات والمعطيات التي وصلت من خلف البحار لا تشي بأن اللقاءات المتعددة التي حصلت في العاصمة الفرنسية بين الرئيس المكلف سعد الحريري ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل قد حققت تقدماً يُمكن البناء عليه في إحداث كوة في جدار الأزمة الحكومية، وكذلك الحال بين الرئيس الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وأن ما يقال عن أسبوع حاسم على مستوى التأليف ليس مبنياً على قاعدة يُمكن الانطلاق من خلالها لتأكيد حصول هذا الأمر، لا بل ان الغموض الذي يكتنف عملية المفاوضات يبعث على الخوف من إمكانية ان تدخل في أزمة حكومية تتخطى من حيث عدد الأيام والأشهر تلك التي استغرقتها عملية تأليف حكومة الرئيس تمام سلام التي تجاوزت الـ11 شهراً، وبذلك يكون ما حصل قد حصل إن على مستوى حرمان لبنان من المساعدات الدولية خصوصاً تلك التي ينتظر ان تأتي عن طريق مؤتمر «سيدر» أو على مستوى المزيد من انزلاق الوضعين المعيشي والاقتصادي إلى مزيد من التدهور.

وإزاء هذه المشهدية الحكومية غير المشجعة فإن مصادر سياسية متابعة ترى انه من المبكر اقفال الباب امام التشاور الحاصل والقول ان عملية التأليف وصلت إلى الطريق المسدود بغض النظر عن الضبابية والسلبية التي تحكم الحراك الحاصل بشأن التأليف، وهي تعتبر انه يتوجّب على المعنيين بهذا الملف إدراك مخاطر إبقاء البلد على ما هو عليه اليوم، والذهاب باتجاه ابتداع صيغة توافقية تنشل الملف الحكومي من حالة المراوحة.

وإذ تستبعد هذه المصادر فكرة اعتذار الرئيس المكلف، فإنها ترى انه في حال حصل ذلك فإنه لن يكون لمصلحة البلد لأننا سندخل حينئذٍ في دوّامة مكلفة الأثمان على كل الصعد، موضحة انه طالما كل الكتل النيابية ستعود وتكلف الرئيس الحريري، فما الفائدة من الاعتذار، اللهم الا إذا كانت هناك من قطبة مخفية من الممكن ان تنقل الواقع السياسي من حال إلى حالٍ.

وعندما تسأل هذه المصادر، عن الألغام التي ما تزال تعيق تقدّم عملية التأليف تسارع إلى القول أن لا شيء تغير منذ أشهر، فعلى الرغم مما قيل ويقال فالرئيس ميشال عون ومعه «التيار الوطني الحر» يتمسكان بالثلث المعطل، وكذلك فإن «اللقاء التشاوري» ليس في وارد القبول بأي طرح لا يضمن له التمثيل بوزير يمثله حصراً، اما حول ما يُمكن عن إمكانية إعادة خلط أوراق توزيع الحقائب الوزارية فإن ذلك شبه مستحيل حيث ان غالبية الأطراف المعنية ترفض الدخول في لعبة المقايضة وهي تعتبر ان هذه الخطوة باتت منتهية ولا يُمكن العودة إليها لأن ذلك يعني العودة إلى المربع الأوّل من التأليف وليس هناك من يضمن ان لا تبقى العقدة التي اعترضت سبيل التأليف على حالها.

وفي اعتقاد المصادر السياسية المتابعة ان جميع القوى باتت محرجة امام تأخر ولادة الحكومة، وفي ما يبدو فإن الأيام القليلة المقبلة ربما تكون فاصلة لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود الحكومي، ولا سيما ان الرئيس ميشال عون كان حاسماً أمس امام من التقاهم لجهة ضرورة ان يكون هناك حكومة في خلال أسبوع.