IMLebanon

اعتراف أميركي متأخر: إيران المنتصر الوحيد من غزو العراق

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: بعد 15 سنة، يعترف خبراء في الجيش الأميركي بأن غزو العراق في سنة 2003، كان بمثابة كارثة استراتيجية لم يستفد منها غير “إيران الجريئة والتوسعية”. لم تعد لهذا الاعتراف قيمة تذكر في ظل ما يشهده العراق من ترسخ السيطرة الإيرانية، عسكريا وسياسيا، لكن أهميته تكمن في كمّ الوثائق والاعترافات التي قدمتها الكلية الحربية الأميركية ضمن مجموعة دراسات تؤرخ لحرب العراق وتغطي تفاصيلها وتدعو إلى الاتعاظ مما حدث.

أشرف على تأليف هذه الدراسة، المكونة من مجلدين، العقيد جو ريبورن والكولونيل فرانك سوبتشاك، المتقاعدان، اللذان أشارا إلى الأضرار التي تسببت فيها الحرب والتي أصابت العلاقة السياسية العسكرية، وتسببت في النهاية في توسيع إيران لنفوذها لا فقط في العراق ولكن أيضا في سوريا واليمن. وكتب المؤلفان في الفصل الأخير “في وقت اكتمال هذا المشروع في 2018، يبدو أن إيران التوسعية هي المنتصر الوحيد”.

أشارت الدراسة إلى أن الولايات المتحدة لم ترسل أبدا قوة كافية من أجل مكافحة المتمردين السنة والميليشيات الشيعية في العراق. وأضاف “بينما وفرت إيران وسوريا المكان والدعم للمقاتلين السنة والشيعة، لم تضع الولايات المتحدة أبدا أي استراتيجية شاملة للحيلولة دون ذلك”.

وحول عمليات التحالف الدولي في العراق، أوضحت أن عدم إرسال البلدان الأعضاء في التحالف قوات كافية أدى إلى فشل عملياته في البلاد. وبينت أن جهود تدريب الجيش العراقي بقيادة الولايات المتحدة كانت غير كافية، واستلم الجيش العراقي الملف الأمني في وقت مبكر.

الديمقراطية لا تجلب الاستقرار دائما. كان القادة الأميركيون يعتقدون أن انتخابات 2005 سيكون لها مفعول مهدئ، لكن على العكس، زادت التوتر العرقي والطائفي

وقالت إن الولايات المتحدة لم تعامل معتقلي الحرب “معاملة الأسرى”، وإنها لم تضع استراتيجية بشأن كيفية محاكمة المعتقلين، ما أدى إلى عودة الكثير من المقاتلين إلى ساحة الحرب، مضيفة أن “الديمقراطية لا تجلب الاستقرار دائما. كان القادة الأميركيون يعتقدون أن انتخابات 2005 سيكون لها مفعول مهدئ، لكن على العكس، زادت التوتر العرقي والطائفي”.

يتناول المجلدان المكونان من 1300 صفحة، وشملا أكثر من ألف مستند تم رفع السرية عنها، غزو سنة 2003، وانسحاب الولايات المتحدة، ونشوء داعش، وتأثير سوريا وإيران. وذكرت صحيفة “أرمي تايمز” أن نشر الدراسة تأخر عن موعده الأول.

وكان رئيس أركان الجيش الأسبق الجنرال ريموند توماس أوديرنو أمر بإجرائها في سنة 2013 واستمرت تحت قيادة الجنرال الحالي مارك ألكسندر ميلي. وتم الانتهاء منها منذ 2016 لكن لم تنشر إلا مؤخرا. وقال البعض إن ذلك يرجع إلى المخاوف من نشر “الغسيل القذر” بشأن القرارات التي يتخذها بعض القادة خلال النزاع.

اعتراف متأخر

تأتي أهمية نشرها اليوم من كونها تتزامن مع قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا وأفغانستان، في خطوة أثارت الكثير من الجدل والآراء المتضاربة. وكان هذا الجدل محل اهتمام وتباحث منذ السنوات الأولى التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق، وظهور ملامح فشل تلك الاستراتجية. وقد سحب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قواته من العراق في 2016، لكن اضطر إلى إعادتها بعد تغوّل تنظيم الدولة الإسلامية.

ويعتبر مراقبون أن هذه العودة لم تكن أفضل حالا من الغزو الأميركي، حيث زادت من رقعة الانتصار الإيراني وذلك عندما كانت قوات التحالف الدولي ضد تقديم دعم جوي لميليشيات الحشد الشعبي، المدعومة من إيران، لطرد داعش من المحافظات والمدن التي سيطر عليها. ولم يركز التحالف في خضم سيطرة هاجس القضاء على داعش على حقيقة أن ميليشيات الحشد العشبي الشيعية لا تقل خطرا عن التنظيمات الجهادية السنية، من قبيل داعش، أو سلفه تنظيم القاعدة في العراق.

والنتيجة كانت قيام الحشد الشعبي بعمليات تطهير لمناطق سنية في العراق بما يخدم الحزام الشيعي الإيراني. وقد رعت إيران تشكيل أغلب الفصائل الشيعية المسلّحة في العراق وزوّدتها بالمال والسلاح. وعند غزو تنظيم داعش لما يقارب ثلث مساحة البلد في سنة 2014، سنحت الفرصة لتعظيم دور تلك الفصائل ومضاعفة قوّتها وجمعها في هيكل موحّد عرف بالحشد الشعبي الذي تحوّل إلى جيش رديف قام بدور كبير في مواجهة داعش وفي طرده من المناطق التي احتلّها.

وكتب ريبورن وسوبتشاك أن “حرب العراق واحد من أكثر الصراعات المؤثرة على التاريخ الأميركي. لقد حطمت تقاليد سياسية قديمة ضد الحروب الاستباقية. ففي أعقاب الصراع المباشر، تحول محور السياسة الأميركية إلى القطب المعاكس مع التشكيك العميق في التدخلات الأجنبية”.

وتطرقا إلى الرافضين الذين يرون الحرب على أنها انحراف، ويريدون من الجيش العودة إلى دوره التقليدي في القتال، في طريق سريع لفقدان الدروس المستفادة من حرب مكافحة التمرد، التي ستستخدم في صراعات مستقبلية سواء مع الجماعات الإرهابية أو مع الدول القومية القريبة.

وأضافا أن “طبيعة الحرب آخذة في التغير، ولكن حتى لو واجهنا منافسين قريبين في نزاعات مستقبلية، فمن المرجح أن يستخدموا مزيجا من الحروب التقليدية وغير النظامية، فيما يسمى غالبا بالحرب المختلطة أو عمليات في مناطق رمادية”.

يمثل الافتقار إلى القوات ضمن الفرق المقاتلة المنتشرة، والمتاحة لعمليات أخرى مثل الحرب في أفغانستان، وعدم وجود احتياطي تشغيلي في مسرح الحروب للاستجابة للأحداث الكبرى إحدى القضايا التي أثيرت أكثر من مرة في هذه الدراسة. ومع ذلك فإنها لا تركز فقط على إخفاقات الجيش في رؤية الطبيعة المتغيرة للحرب. ووصف تود أوث، ضابط البحرية الذي شارك في حرب العراق، الدراسة بأنها “نقطة تحول” في “سعي الجيش إلى فهم تجربة الحروب”.

على أرض الواقع

تعتبر الحروب تذكيرا بأن المزايا التكنولوجية وأسلحة المواجهة وحدها لا يمكن أن تؤدي إلى اتخاذ قرار، وغالبا ما تكون الوعود بحروب قصيرة بعيدة المنال. ويؤكد العسكريان الأميركيان أن “القرارات في الحرب تتخذ على أرض الواقع، في الوحل والأوساخ. هذه العوامل، مع الصدفة، وإدانة العدو تشكل نتائج للحرب”.

وتشمل أبرز نتائج الدراسة التحقق من صحة الانتقادات التي وجهت في وقت الحرب، وغيرها التي لم تكن متوقعة ولم تفهم إلا في السنوات التالية.

ويشير المؤلفان إلى أن التكنولوجيا لا يمكنها التعويض عن نقص القوى العاملة، وأن حرب التحالف الدولي كانت “غير ناجحة إلى حد كبير” لعدة أسباب، أهمها أن عدم فهم العمل الداخلي للسياسات العراقية وصراع المجموعات أثر على بعض أعمال الوحدة العسكرية، مما تسبب في تفاقم المشاكل.

أما القادة في ساحة المعركة، الذين وجدوا حلولا مبتكرة لمشاكل واجهوها هناك، فلم يتم الاعتراف بأهمية جهودهم، بل كثيرا ما تمت معاقبتهم بسبب عملهم في سياسة مقلوبة للتكيف مع الاحتياجات الحقيقية لميدان المعركة. وأدى”افتراض قصر مدة الحرب” والإفراط في التفكير المتفائل إلى إثارة المشاكل عن طريق دفع التمويل والمهام إلى المشاريع المستقبلية، لأن النصر كان دائما على بعد 18 شهرا. كما أدى عدد من الوحدات المتاحة القليلة، إلى زيادة حدة الوحدات النشطة، مما دفع وحدات الحرس الوطني إلى الانتشار في نزاع واسع النطاق لأول مرة منذ الحرب الكورية.

وكانت نصف وحدات الألوية في العراق متكونة من الحرس. وأشار المؤلفان إلى أنهما كانا في ذلك الوقت من الجنود الأقل خبرة والذين انظموا إلى الحرب في وقت حرج دون توفير الموارد المناسبة.

وكان القادة يميلون أكثر من اللازم إلى “المداخلات” بدلا من النتائج، مثل الأموال التي يتم إنفاقها، أو العراقيين المدربين أو المتمردين الذين يقتلون أو يتم القبض عليهم، عوضا عن الحديث عن ما إذا كان هناك المزيد من التعاون مع السكان المحليين لتقليل الهجمات.

وكتب العسكريان الأميركيان المتقاعدان “لقد أصبح قادة الجيش مفتونين بالتلاعب في الإحصاء والأرقام، في حين أنهم لا يقدمون سوى القليل لجزء من الوضع”.

واعتبرا أن قرار رئيس أركان الجيش السابق الجنرال بيتر شوميكر بالمضي قدما في إعادة هيكلة فرق كجزء من تحول الجيش، ومحاولات الجنرال جورج كيسي توطيد القوات الأميركية على قواعد كبيرة، أديا إلى فراغ أمني حول بغداد.