IMLebanon

حزب الله يعطي الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة بعد اختراق كل الطوائف

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: كلف الرئيس اللبناني ميشال عون، في 24 ايار 2018، سعد الحريري بتشكيل الحكومة، لكن لم يتمكن رئيس الوزراء المكلّف من إتمام هذه المهمة إلا بعد حوالي تسعة أشهر، شهدت شدا وجذبا كبيرين، حول تقاسم الحصص فيما كانت البلاد تشهد أزمة اقتصادية خانقة.

ويعكس قرار إنهاء الفراغ الحكومي نزوعا نحو الشروع في مسار التسويات في المنطقة، ولم تكن الحكومة لتتشكل لولا وصول المداولات الخارجية إلى نقطة تقاطع رفعت الفيتو الذي حال دون ولادتها قبل ذلك.

وفي لبنان البلد الصغير صاحب التركيبة الهشّة، لا يمكن تشكيل الحكومة من دون توافق القوى الكبرى إذ يقوم النظام السياسي على أساس تقاسم الحصص والمناصب بين الطوائف والأحزاب. وأزيلت العقبات الأخيرة أمام تشكيل الحكومة، بعد أن وافقت عليها كافة الأطراف السياسية اللبنانية، على نحو مفاجئ.

وكان بالإمكان التوصل إلى هذه الحكومة منذ الأسابيع الأولى لتكليف الحريري، فالتوليفة الأخيرة لا تشكل خرقا يستحق التأجيل كل هذا الوقت. واعتبرت مصادر سياسية في لبنان أن مسار التأليف يؤكد خضوع البلاد بشكل كامل لمشيئة الكبار، على الرغم من محاولة الفرقاء المحليين المكابرة والسعي إلى تحقيق مكاسب.

سيطرة حزب الله

يأتي تشكيل هذه الحكومة، الأولى منذ انتخابات البرلمان في مايو، بعد أكثر من عامين من تسوية أدت إلى انتخاب عون رئيسا، بدعم من حزب الله. ورغم ما شهدته مفاوضاتها من جدل واختلافات وخلافات، حول سيطرة حزب الله، إلا أنها لم تخرج في الأخير عن سياق الأمر الواقع الذي يفرضه حزب الله إن لجهة شكل الحكومة أو لجهة توقيت ولادتها.

ويشير متابعون للشأن اللبناني إلى أن الحكومة تمثل اتساقا مع هذا الأمر الواقع، ولاسيما أنها جاءت وفق ما أراده الحزب وما طالب به وما عرقل ولادتها من أجله.

وحصل حزب الله على وزارة الصحة على الرغم من الاعتراض العلني الذي نقله الدبلوماسيون والموفدون الأميركيون إلى بيروت وعلى الرغم من التهديد بوقف المساعدات المقدرة بمبلغ 200 مليون دولار التي تقدم إلى الوزارة. وحصل حزب الله على ما يريد لجهة توزير من يمثل “سنة 8 آذار” المتحالفين معه. واستطاع منع رئيس حزب التيار الوطني الحر، جبران باسيل، مدعوما من الرئيس ميشال عون، من الحصول على الثلث المعطّل داخل الحكومة الجديدة.

مارس حزب الله سياسة خبيثة منذ اليوم الأول من عملية تأليف الحكومة، حيث أنه ترك كافة الأطراف تمارس قسطها من العرقلة، وأنه حين بدا أن الحريري استطاع فكّ العقد المتمثلة بحصص الكتل الأساسية، لاسيما تلك المتعلقة بالحصة الدرزية وحصة حزب القوات اللبنانية، تدخل مضطرا إلى فرض شرط تمثيل سنة “اللقاء التشاوري” في محاولة جديدة لمنع ولادة الحكومة.

وتضيف المراجع أن عملية توقيت تشكيل الحكومة كانت تخضع لاعتبارات تقرر في طهران بما استدعى تشدد الحزب إلى أن يأتي الضوء الأخضر من إيران.

ويلفت مصدر برلماني لبناني إلى أن سعي وزير الخارجية جبران باسيل للحصول على الثلث المعطل لم يكن ليستمر كل هذا الوقت لولا سماح حزب الله بذلك.

وأوضح المصدر أن الأمين العام للحزب، السيد حسن نصرالله، كرر عدم ممانعة حزبه حصول فريق الرئيس عون على 11 أو 12 أو 13 وزيرا بما يتجاوز الثلث المعطل في الحكومة، ما أوحى لباسيل بأن في استطاعته المضي قدما في مناوراته لنيل المقاعد الوزارية التي يريدها عددا ونوعا. ويخلص المصدر إلى أن باسيل لا يملك القوة التي تتيح له مناكفة كل الطبقة السياسية لولا أنه كان يعرف أنه يناور ضمن الحيّز المتاح من قبل الحزب.

وعلى الرغم من أن الحكومة تشكلت وفق مبدأ الثلاث عشرات التي لا تسمح لأي فريق سياسي بالحصول على الثلث المعطل، إلا أن حزب الله يمتلك نفوذا لدى وزراء الطوائف الأخرى غير الشيعية بما يضمن له الكلمة الأخيرة في القضايا الإستراتيجية الكبرى.

فرض الحزب توزير ممثل عن النائب الدرزي طلال أرسلان المقرب منه مطيحا بمُطالبة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالحصول على الحصة الوزارية الدرزية كاملة.

وفرض توزير من يمثل الفريق السنّي المعارض لتيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري، بما نزع عن الحريري احتكار تمثيله للسنة في لبنان. وفرض الحزب أن تبقى وزارة الأشغال من حصة تيار المردة الذي يتزعمه القطب الماروني سليمان فرنجية المقرب منه ومن دمشق، مع العلم أن هذه الوزارة تشرف على مطار بيروت، بوابة لبنان الجوية الوحيدة إلى العالم.

أتت الحكومة الجديدة التي لطالما اعتبر الرئيس عون أنها حكومة العهد الأولى كونها تأتي نتاج الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، وفق مبدأ ربط النزاع مع حزب الله. ويضيف هؤلاء أن بيروت باتت ترى أن مسألة دور الحزب الإقليمي وسلاحه ليست شأنا داخليا لبنانيا بالإمكان التعامل معه بالأدوات المحلية، وأن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا وفق تسويات إقليمية دولية. وعليه فإن حصول حزب الله مثلا على وزارة الصحة على الرغم من التحفظات الخارجية جاء وفق هذا السياق.

وتتحدث بعض الآراء عن أن تطورات الأيام الأخيرة قبل تشكيل الحكومة أفضت إلى رفع طهران الفيتو الذي كان يمنع ولادتها. وتكشف بعض التسريبات أن الإعلان عن آلية الدفع الأوروبية التي ستسهر على تأمين التعاملات التجارية مع إيران دون رقابة العقوبات الأميركية كان له دور في تسريع الوصول إلى تفاهمات ترتبط بحكومة بيروت.

ولعبت فرنسا دورا حيويا في الضغط على الفرقاء السياسيين في لبنان، كما على طهران، من أجل إزالة عقد التأليف. ولا شك في أن نجاح الأوروبيين في تغيير جدول أعمال المؤتمر الدولي في وارسو لجهة عدم جعله مخصصا لمعاداة إيران شكّل أيضا ضغطا آخر على الطرف الإيراني. وقد اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن بلاده وقفت إلى جانب الشعب اللبناني وقادته، خلال الأشهر الأخيرة، لمساعدتهم في تذليل الصعاب أمام تشكيل حكومة جديدة.

وتشي متابعة مجمل التطورات في لبنان وفي المنطقة، وحتى على مستوى العالم، بأن هناك جهودا روسية مورست على بيروت وطهران من أجل حل الإشكال الحكومي اللبناني. وتستند هذه الرؤى إلى فكرة أن روسيا تستعد لمد نفوذها داخل لبنان لأسباب منطقية ترتبط بنفوذها في سوريا ولأسباب اقتصادية استثمارية تتعلق بسوق استكشاف الغاز داخل المياه اللبنانية، وأن السفير الروسي في موسكو بات يمارس جهودا يومية تكشف عن اهتمام موسكو بتفاصيل الحياة السياسية في البلد. وكانت وسائل الإعلام اللبنانية قد تحدثت عن اتصال هاتفي مرتبط بالاستحقاق الحكومي أجراه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع نظيره اللبناني جبران باسيل يكشف الدور الروسي الجديد في لبنان.