IMLebanon

هكذا انخفضت فاتورة المحروقات في الجيش

كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:

خلال التسليم والتسلّم في وزارة الدفاع، قال الوزير السابق يعقوب الصراف، إنه يسلّم وزارة الدفاع للوزير الياس بو صعب بعدما حقق وفراً مالياً على أكثر من صعيد، أبرزها فاتورة استهلاك المحروقات في الجيش التي تراجعت بنسبة 20%. سبب الوفر أن الصراف اشترى المازوت الأخضر من منشآت النفط، وليس من كارتيل مستوردي النفط.

أثناء حفل التسليم والتسلّم في الوزارة مع خلفه الوزير الياس بو صعب، أعلن وزير الدفاع السابق يعقوب الصراف، تحقيق وفرٍ في فاتورة المحروقات للجيش اللبناني بنسبة 20%. لم يدخل الصراف في تفاصيل هذا الوفر ولا في قيمته ولا في نتائجه، لا بل إن كلامه في هذا الأمر لم يرد في البيانات الرسمية الموزّعة عن حفل التسليم والتسلّم، ما يترك مجالاً واسعاً للتأويل.

في الواقع، تشير مصادر مطلعة إلى أن الوفر المحقق في فاتورة المحروقات للجيش اللبناني، يعود إلى إجراء تغيير في مصادر توريد المشتقات النفطية من القطاع الخاص إلى القطاع العام. فالجيش كان يشتري المازوت الأخضر والبنزين ووقود الطائرات عبر مناقصات سنوية فازت بها شركة «مدكو» المملوكة من مارون شمّاس، على مرّ السنوات العشر الأخيرة.

كان لافتاً أن هذه الشركة هي وحدها التي تفوز بهذه المناقصات. فبحسب المصادر، تبيّن أن هناك ثغرات واسعة في دفاتر شروط هذه المناقصات تسهّل فوز هذه الشركة التي لم تكن تجد أي منافسة جديّة على الفوز بالمناقصة.

وضع الوزير الصراف يده على هذا الملف في النصف الثاني من السنة الماضية. يومها، كان الجيش يشتري المازوت الأحمر من مديرية منشآت النفط نظراً لكونها شركة حكومية تملك حصرية استيراد المازوت الأحمر، وكان يشتري باقي المشتقات النفطية من «مدكو». وعندما أصدرت وزارة الطاقة قراراً تمنع فيه استيراد المازوت الأحمر للاستهلاك المحلّي، وحصرت الاستيراد بالمازوت الأخضر ذي المواصفات الأعلى بيئياً، اضطر الجيش إلى أن يستبدل بكميات المازوت الأحمر التي كان يحصل عليها من منشآت النفط، مازوتاً أخضر. يومها تبيّن أن منشآت النفط يمكنها أن تبيع الجيش مازوتاً أخضر بسعر أقل بكثير مما كانت تحصل عليه من القطاع الخاص.

وبعد أسابيع من المفاوضات بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش من جهة، ومنشآت النفط من جهة ثانية، تخلّى الجيش عن مناقصة توريد المازوت الأخضر مع القطاع الخاص ووقّع عقداً لشراء هذه السلعة مع منشآت النفط بوفر لا يقل عن مليوني دولار.

يبرّر شماس لـ«الأخبار» هذا الانخفاض في السعر بالإشارة إلى أن منشآت النفط المملوكة من الدولة اللبنانية لديها القدرة على البيع بسعر الكلفة. كذلك يمكن المنشآت أن تخفف من أكلاف واسعة تدخل ضمنها كلفة فتح الاعتمادات والكفالات المصرفية وسواها.

هذا الأمر يستوجب التدقيق. صحيح أن منشآت النفط يمكنها أن تبيع بسعر الكلفة، إلا أنه بحسب المعطيات، فإن المنشآت حدّدت سعر الطن للجيش بالاستناد إلى دراسة أكلافها التشغيلية بالإضافة إلى هامش ربح بسيط. ما حصل عليه الجيش من خلال العقد مع المنشآت كان يمكن أن يحصل على ما يماثله مع فرق بسيط في الكلفة من خلال تحفيز المناقصات بصورة تتوافر فيها عناصر المنافسة بين الشركات. لو حصل هذا الأمر منذ 10 سنوات، لكان الوفر المحقق في فاتورة المحروقات قد وصل إلى نسبة لا بأس بها من أصل فاتورة محروقات تصل إلى 1000 مليار ليرة في السنوات العشر الأخيرة.

وهذا الوفر يمكن أن يكون أكبر بكثير إذا استمرّ وزير الدفاع في المسار نفسه. فالوفر الحالي من الفاتورة الإجمالية مصدره شراء المازوت الأخضر فقط، لكن فاتورة المحروقات تضم بنوداً أخرى، قيمتها أكبر من قيمة المازوت، مثل البنزين. فما يستورده الجيش من المازوت الأخضر يصل إلى 15 ألف طن سنوياً، فيما يستهلك الجيش أكثر من 45 ألف طن من البنزين، أي ما يمثّل ثلاثة أضعاف كمية المازوت الأخضر المستهلك، وما يزيد على ثلاثة أضعاف المبالغ المدفوعة.

وبحسب المصادر، طلب الجيش من منشآت النفط أن تبيعه البنزين وزيوت المحركات، ما يعني أن الوفر سيكون أكبر بكثير إذا وصلت المفاوضات إلى نتائج إيجابية بين الجانبين.

ما جرى يمكن عدّه عيّنة تدلّ على أن توجهات مكافحة الفساد و«التقشف» في إنفاق الدولة، يمكن أن تؤتي نتائج إيجابية، من دون المسّ بحقوق موظفي القطاع العام، ومن دون المسّ بالقطاع العام نفسه. بل على العكس، إن هذه التجربة، رغم انها لا تزال محدودة، تشكّل نموذجاً لتعزيز عمل القطاع العام (منشآت النفط مثلاً)، فيما السردية السائدة في البلاد منذ أكثر من عقدين تنظّر للخصخصة بصفتها طريقاً للوفر والفعالية. ومن الضروري أن تسير الإدارات العامة والمؤسسات المستقلّة المدنية والعسكرية على المسار نفسه، علماً بأن فاتورة المشتقات النفطية في الدولة اللبنانية تتجاوز 200 مليار ليرة سنوياً، يمثّل استهلاك الجيش نحو 60% منها.