IMLebanon

قرار إسرائيلي ـ أميركي بتصفية السلطة الفلسطينية

كتب ماجد كيالي في صحيفة “العرب” اللندنية:

ربما لم يكن في حسبان القيادات الفلسطينية أن الحصار الذي يتعرّض له قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أعوام، سيطال الضفة الغربية أيضا، بطريقة أو بأخرى، وأن العقوبات الموجهة ضد كيان السلطة في غزة، حيث سلطة حركة حماس، سوف تشمل كيان السلطة في الضفة، حيث سلطة حركة فتح، وأن إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، هي المعنيّة بتكريس انقسام الكيان الفلسطيني، وتعزيز المنازعات الداخلية الفلسطينية، كما هي معنية بتجويف الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء بتحويلها من حركة تحرر وطني إلى سلطة على شعبها فقط، أو بوضع كياناتها في مواجهة بعضها بحيث تتصارع في ما بينها على المكانة والموارد والسلطة بدلا من التصارع مع إسرائيل، التي باتت ترسّخ هيمنتها على الفلسطينيين، أكثر من ذي قبل، أي أكثر مما كان قبل قيام السلطة عام 1993.

هكذا شهدنا أن تلك السياسات توّجت، لاسيما منذ مجيء إدارة الرئيس دونالد ترامب، بسلسلة من الخطوات والمواقف التي تسهم في ضعضعة القيادة الفلسطينية ونزع شرعيتها، وقضم عناصر قوتها، ويأتي في هذا الإطار مثلا الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل وتحت سيادتها، والسعي لتصفية قضية اللاجئين وحق العودة، من خلال وقف التمويل الأميركي لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وقدره 368 مليون دولار سنويا، ما يشكل نصف الموازنة تقريبا.

كما يأتي في ذات السياق إغلاق مكتب منظمة التحرير، ووقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، وأخيرا وقف تمويل برنامج “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”، وهو ما حدث يوم 1 فبراير الجاري، علما أن ذلك تم بناء على طلب من السلطة، سعيا منها لتجنب تداعيات قانون مكافحة الإرهاب الأميركي وتطبيقه على الذين يتلقون مساعدات أميركية في الضفة الغربية وغزة، وهذا يشمل وقف مساعدات أميركية قدرها 60 مليون دولار مخصصة لقوات الأمن الفلسطينية للحفاظ على الهدوء في الضفة بالتنسيق مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.

الفكرة هنا أن الولايات المتحدة، وهي طرف أصيل في اتفاق أوسلو الذي أنشأ السلطة الفلسطينية عام 1993، وبعد انحيازها الصارخ في ظل الإدارات الأميركية السابقة، إلى إسرائيل، وتغطيتها للمواقف المتعنتة التي اتخذتها إن للتملّص من الاستحقاقات الواجبة عليها بحسب الاتفاق المذكور، أو خلقها الوقائع لتكريس الاحتلال كأمر واقع، أضحت اليوم عبر المواقف المذكورة لاسيما مصادرتها حق الفلسطينيين في القدس وفي حق العودة وفي الدولة الفلسطينية المستقلة، غير مبالية بإعلان انقلابها على ذلك الاتفاق، والتحرر نهائيا من مزاعم كونها راعيا نزيها وطرفا محايدا وحليفا موثوقا للفلسطينيين في عملية التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية، وهي المزاعم التي داعبت أوهام القيادة الفلسطينية، ودفعتها إلى توقيع اتفاق أوسلو، وظلت تراهن عليها لفترة طويلة من الزمن بعدها، هذا أولا.

ثانيا يبدو من مراجعة المواقف الأميركية، وضمن ذلك أحاديث الرئيس ترامب وأركان إدارته، عن السعي لإيجاد تسوية إقليمية، أو طرح نوع من خطة تسمى “صفقة القرن”، أن التوجه الأميركي العام يقضي بتجاوز القيادة الفلسطينية، في حال أصرت على مواقفها أو في حال لم ترضخ للإملاءات الأميركية والإسرائيلية.

وتستند إدارة ترامب في مسعاها هذا إلى البيئة السياسية الحالية المواتية في الشرق الأوسط، ولاسيما حال الاضطراب السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي في العالم العربي، وخاصة في المشرق العربي (خاصة سوريا والعراق)، وضمن ذلك تغوّل الوجود الإيراني وتزايد النفوذ التركي، باعتبار أن هذه الأوضاع تشكل الفرصة السانحة للتحرر من القضية الفلسطينية، وإيجاد إطارات مناسبة لنوع من سلام إقليمي، بهذا المستوى أو ذاك.

يجدر التذكير هنا أن الولايات المتحدة، حتى قبل مجيء إدارة ترامب، أي منذ عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، مثلا، كانت تروج لفكرة مفادها أن سبب الاضطراب في العالم العربي لا ينبع من وجود إسرائيل في المنطقة، وإنما ينبع من الفقر والتخلف والأمية وفقدان الحرية وتعثر التنمية، وهو ما أتت عليه بطريقة جيدة تقارير “التنمية الإنسانية العربية” التي صدرت في تلك الفترة.

ثالثا ما يفترض الانتباه إليه هنا أيضا، أن تلك المسارات، الأميركية أو الإقليمية، تنسجم مع التطورات السائدة في إسرائيل ذاتها، لا سيما مع الانزياح نحو اليمين المتطرف، الديني والقومي، وهو ما تمثل باستصدار قانون القومية اليهودية في شهر يوليو من العام الماضي، وبتعزيز الاشتغال على تهويد القدس، وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، وتكريس الهيمنة على حياة الفلسطينيين، خاصة من الجهة الأمنية والإدارية والاقتصادية، ويشمل ذلك التعود على اقتحام مدينة رام الله، التي يفترض أنها مركز القيادة الفلسطينية.

وبديهي أن تلك التطورات تنعكس على الخارطة السياسية الإسرائيلية، وهو ما تمثل بصعود نجم الجنرال السابق بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقا، الذي يبدو أنه يشكل البديل لرئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو في الانتخابات القادمة بعد شهرين، علما أن غانتس يتحدث عن تسوية إقليمية وعن حدود شرقية لإسرائيل تتمثل بغور الأردن، وعن القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، في تجاوز لحقوق الفلسطينيين ولوجود السلطة الفلسطينية.

كل المعطيات الدولية والإقليمية والعربية، تتجه نحو تجاوز السلطة الفلسطينية، وفرض نوع من سلام إقليمي، أي تطبيع وجود إسرائيل في المنطقة، مع العلم أن القيادات الفلسطينية تتحمل مسؤولية عن ذلك، سواء بسبب الانقسام الحاصل، أو بسبب التحول نحو مجرد سلطة تحت الاحتلال أو بسبب تهميش منظمة التحرير، بمعناها ومبناها.

ما الذي سيبقى من السلطة الفلسطينية؟ أو ما الذي يعنيه ذلك البقاء؟ ثم ما التداعيات التي ستأتي؟