IMLebanon

نصر الله يخطو الخطوة الكبيرة: هل يحتذي لبنان حذو العراق وسوريا تجاه إيران؟

كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:

تفرض المناسبة غالباً طبيعة الكلام ومساره وأهدافه. وهذا ينسحب إلى حد كبير على كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله في  الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران. لكن ثمّة أمراً في ما تناوله نصر الله لا بدّ من التوقف عنده ملياً بآفاق تتجاوز المناسبة، وما تفجّره من مكنونات في النفس إلى ما هو أبعد. الرجل لا يقول رأيه، الذي من الطبيعي أن يكون منحازاً فيه إلى مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يُشكّل جزءاً منه. إنه  يسبر الأغوار، يُمهّد الأرضية، يُحفّز الشارع، يُمرّر الرسائل، يُكرّر على مسامع اللبنانيين شعباً وقيادة ومؤسسات, تعابيرَ جديدة لم يألفوها في قاموسهم.

سبق لنصر الله أن تناول في ليلة العاشر من محرم (19 أيلول 2018)، قضيتين خلافيتين في البلد. الأولى هي موضوع أميركا في لبنان والمنطقة، حيث هناك من ينظر إليها على أنها عدو – مثل موقف «حزب الله» – وهناك من يراها صديقة وحليفة. يومها، ومن منطلق أن «المعركة هي معركة على الوعي»، قال إنه يريد أن «يخاطب اللبنانيين، ممن نختلف معهم، حول هذه المسألة من أجل نقاش هادئ»، سائلاً: «هل يستطيعون أن يدلونا (على حيثية ما) عندما يقولون أن أميركا صديقة للبنان أو حليفة للبنان أو حليفة وصديقة لشعوب المنطقة؟»، طالباً ممن لا يريدون أن يصنّفوها في دائرة العدو «ألا يتعاطوا معها كصديق وكجهة موثوقة ومأمونة».

أما القضية المحورية الثانية، التي تطرّق إليها أمين عام «حزب الله»، فهي فكرة «أننا كـ (لبنان) يجب أن لا نتدخل في المنطقة، وليس لنا علاقة بما يجري فيها»، وهي فكرة وجدت تعبيراتها في الأدبيات اللبنانية بـ «النأي بالنفس والحياد الإيجابي». يومذاك، سلّم بأن تنأى الدولة  والجيش والوزارات والأجهزة الأمنية بنفسها، لكنه دعا القوى السياسية إلى عدم فعل ذلك، لأن ما يجري في المنطقة «أمر تاريخي يرتبط بحاضرهم وبمستقبلهم، ويرسم مصيرها ومصير لبنان».

اليوم يخطو نصر الله خطوة إلى الأمام، زاده أن موازين القوى في حكومة سعد الحريري، ما بعد الانتخابات النيابية، هي أفضل سياسياً من سابقاتها. رفع سقف الأسئلة في إطار «معركة الوعي»: هل تجرؤ الحكومة على الانفتاح على إيران في الكهرباء والدواء وأنفاق السير والصرف الصحي؟ وقدّم نموذج العراق وسوريا الذي يريد للبنان أن يكون عليه، سائلاً: لماذا يبقى لبنان خائفاً؟ لماذا يعتريه القلق دائماً؟ ويُكمل في خط تصاعدي متسائلاً: «بماذا يأتي الأميركيون للجيش اللبناني؟»، متطوعاً بأنه «حاضر للذهاب إلى إيران والإتيان بما يحتاجه الجيش ليصبح أقوى جيش في المنطقة».

باختصار، نصر الله يُمهّد لعناوين المرحلة المقبلة والتحدّيات أمام لبنان الرسمي. يُطالب الحكومة بأن تأخذ قرارها. فكل ما يحتاجه لبنان هو الجرأة، وقبلها السيادة الحقيقية ليرى مصلحته. فلا همّ إن حزن الأميركيون أو الأوروبيون، راسماً المعادلة الآتية في المديين القريب والبعيد: أميركا أو إيران.

في القريب، سيكون الاختبار في وزارة الصحة، فإذا منع الأميركيون المساعدات أو الهبات أو تعامل شركات الدواء مع الوزارة، فإن البديل حاضر، والمسوغات موجودة على معيار «إن أدبرت واشنطن أقبلت طهران».

وفي المدى البعيد، ستكون الأمور رهن نتائج المواجهة الأميركية – الإيرانية التي تدور رحاها على أكثر من بقعة في المنطقة، وما سينتج عنها من رسم لمناطق النفوذ.

يأتي موقف نصر  الله عشية زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بيروت. سيُهنّئ الحكومة ويُقدّم لها الدعم، وسيؤكد على انتصار لبنان في محور المقاومة. لن يُوفّر طريقة لاستثمار الزيارة في المواجهة الكبرى الدائرة مع أميركا من حيث التوقيت ومن حيث المكان. سيُراكم على التحوّلات في موازين القوى، وكيف لا يفعل حين يكون وزير الخارجية جبران باسيل يردّ التحيّة في ذكرى تفاهم «مار مخايل» أنه لولا «حزب الله» لما كان العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

القول إن لبنان يقع تحت «هيمنة إيرانية كليّة ليس صحيحاً»، في رأي مقربين من باسيل. فهناك حراك دبلوماسي متنوّع في اتجاه بيروت، وهو مؤشر إيجابي حيال لبنان الذي حدّد سياسته الخارجية في البيان الوزاري للحكومة، من تأكيد سياسة «النأي بالنفس» مروراً بإشارته إلى أنه جزء من الجامعة العربية وصولاً إلى التزامه بالقرارات الدولية. وما قاله وزير الخارجية في ذكرى التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» في حضور ممثلي «الحزب» لا بد من قراءته بتمعن، حين تحدث عن أن «الدولة تريد أن تعيش بسلام وباستقرار داخلي قائم على التوافق وقبول الآخر، وسلام خارجي قائم على الحقوق والعدالة والقانون الدولي، لبنان يريد السلام ولا يريد الحرب»، وحين أشّر إلى مبادرة السلام العربية التي انطلقت من بيروت والتي تتناولها الحكومة اللبنانية في بياناتها الوزارية، وحين شرح مفهوم القرار 1701.

على أن المطالعات حول الثوابت اللبنانية تتلاشى أمام تأكيد نصر الله المتجدّد بأنه «عندما تُشنّ الحرب الأميركية على إيران لن تكون طهران لوحدها على الإطلاق»، فهذا ليس موقفاً أخلاقياً لدى «حزب الله» بل موقف وجودي، منطلقه قناعته «بأن مصير المنطقة وشعوبها ومقدساتها أيضاً بات مرتبطاً بمصير ووجود هذا النظام الإسلامي». من هنا منبع القلق، رغم أن المناخات التي رافقت ولادة الحكومة تشي بأن ثمّة فترة سماح للبنان داخلية وخارجية!.