IMLebanon

هل تنجح ريا الحسن في فك ألغاز الأمن في لبنان؟

كتب صلاح تقي الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:

بعد تسعة أشهر من “الحمل” غير الطبيعي نتيجة المناكفات التي بدت في بعض الأحيان مصطنعة بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، ونتيجة لتشبّث وزير الخارجية جبران باسيل وتياره الوطني الحر بورقة “الثلث الضامن” تارة، وتارة بانتقائية للحقائب “الدسمة” وتدخله غير المبرّر في الشؤون الداخلية للمذاهب اللبنانية المختلفة، نجح الرئيس سعد الحريري في “استيلاد” حكومته الموعودة بطريقة طبيعية، لكنها حملت مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت بتسمية ريا الحفار الحسن وزيرة للداخلية والبلديات، وهي سابقة تسجل للمرة الأولى في لبنان والعالم العربي.

إدارة النفوذ

لقد شكل تعيين الحسن في منصبها مفاجأة للحلفاء قبل الخصوم، فقد أبقى الحريري على ورقة الحسن في جيبه ولم تكن على دراية بهذه الورقة سوى حلقة ضيقة جداً من المقربين، بعد أن كان الحديث عن أنّ الاسم الذي سيرث منصب وزير الداخلية والبلديات “المشاكس” نهاد المشنوق كان يدور تارة حول تولي الوزير السابق للاتصالات جمال الجراح هذا المنصب وتارة عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش.

الحسن المولودة في العام 1967 حائزة على شهادة في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت وعلى شهادة الماجستير في الاختصاص نفسه من جامعة جورج واشنطن الأميركية، متزوجة من الدكتور جناح الحسن، ولديهما ثلاث بنات، وعملت كمساعدة لوزير المال ومنسقة تنفيذ الشؤون المالية في وزارة المالية أثناء توليها من قبل الرئيس فؤاد السنيورة.

الحسن تتمتع بتجربة مهنية حافلة، فقد خضعت سابقا لاختبار إدارة “جيوب” المواطنين عندما تولت حقيبة المالية، وهي تخضع أمامهم اليوم لاختبار إدارة “أمنهم”، ولعلها ستبقى بالتأكيد تحت “المجهر” بانتظار الاستحقاقات الانتخابية البلدية وربما النيابية التي ستتولى إدارتها

وبين العامين 2000 و2003 اختارها الوزير الراحل باسل فليحان لتكون مستشارته في وزارة الاقتصاد والتجارة، قبل أن يعود الرئيس السنيورة لاختيارها كي تكون مسؤولة عن مجموعة من المشاريع المطروحة في رئاسة مجلس الوزراء، حيث عملت على تطوير برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي في مؤتمري باريس 2 و3 والمخصص للمساعدات الدولية للبنان.

وبعد هذه الخبرة التي اكتسبتها، عيّنها الرئيس الحريري في العام 2009 وزيرة للمال في أولى الحكومات التي شكلها أثناء عهد الرئيس ميشال سليمان، وقد حققت نجاحاً لافتاً في إدارتها لهذه الحقيبة السيادية بموجب “المعايير اللبنانية” للحقائب الوزارية.

عروبية نظيفة الكف

نقل عن مصادر رئيس الحكومة أن الحريري قرر تسمية الحسن​ للداخلية “لأنه يريد تمكين المرأة، حيث أنها كفاءة كبيرة، وقد أثبتت ذلك في المالية، ولأنها نظيفة الكف وكادر أساسي في محاربة الفساد والزبائنية، ولأنها ملتزمة بالخط السيادي الوطني والعروبي، كما تمثل الشمال خير تمثيل، وتعرف كيف تختار فريق عملها، وتملك الكفاءة والخبرة اللازمة”.

لكن الحسن التي نجحت في التعامل مع الأرقام، قد تجد نفسها أمام صعوبة التعامل مع كل ما يتعلق بمفاصل حياة المواطن اللبناني وخصوصاً الأمنية التي قد تبدأ بحادث بسيط ولا تنتهي بعلمية اغتيال تعرّض البلد بأكمله لهزة لا يمكنه تحملها خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها اقتصادياً، مالياً وسياسياً خصوصاً بعد اضطراره إلى استقبال ما يزيد عن مليون ونصف مليون نازح سوري فروا من بلدهم هرباً من الحرب الأهلية التي يعانون منها منذ العام 2011.

لكن وزير الداخلية السابق المحامي زياد بارود، الذي اعتبر أن الخوف من تعيين الحسن غير منطقي، أشار إلى أن أمام وزيرة الداخلية الجديدة “مهمة صعبة، لكن الحسن قدها وقدود” كما قال.

وأضاف بارود أنه “لا يجب أن نميّز بين رجل وسيدة إلا من حيث الكفاءة، والحسن مشهود لها بجديتها في العمل منذ توليها

حقيبة المالية في 2009، خصوصاً أنها سيدة مثقفة ومدركة للمهام الملقاة على عاتقها، وبالطبع فإن الرئيس الحريري لن يتركها وحدها، وهناك فريق عمل متكامل سيشارك الحسن في تولي مسؤولية أمن المواطنين”، معتبرا أن توزير الحسن “ضربة موفقة للحريري”.

سجل الحسن حافل بإدارة الملفات الحساسة، وهي تدرك جيداً من خلال عملها السابق ضرورة التحكم بالأمور، خصوصا وأنها ذات خلفية سياسية، وهي التي قالت بعد عام من توليها وزارة المالية، إنها لا يمكن أن تغفل كونها امرأة في موقع وزيرة، مضيفة إن “المسؤولية ملقاة على عاتقي لتغيير الصورة النمطية للمرأة في مجتمعنا”

أما العميد مروان شربل، وزير الداخلية الأسبق فقد أشاد بخبرة الحسن في إدارة الأمور، فهي “قوية وفي المكان المناسب، واختيارها لهذا الموقع الحساس أعطى أملا كبيرا للعديد من الضبّاط السيدات لتولّي هذه المسؤولية في السنوات المقبلة”.

سجلّ الحسن حافل بإدارة الملفات، وهي تعلم من خلال خبرتها في المالية كيفية إدارة الأمور، خصوصاً وأن لها خلفية سياسية. وكانت قد قالت بعد عام من توليها وزارة المالية، إنها لا يمكن أن تغفل كونها امرأة في موقع وزيرة، مضيفة أن “المسؤولية ملقاة على عاتقي لتغيير الصورة النمطية للمرأة في مجتمعنا، إضافة إلى مسؤولياتي ومهمّاتي الوزارية التي يفرضها عليّ منصبي”. ولكن رغم كل ذلك فإن الأمور ليست سهلة.

تعيين امرأة لأول مرة في منصب وزيرة داخلية في لبنان والعالم العربي، لم يمر من دون “تهكّم” بعض اللبنانيين الذين راحوا يتندّرون على صفحات التواصل الاجتماعي حول مدى قدرة الحسن على فرض هيبتها في مركزها على “رجال” سيجتمعون برئاستها في مجلس الأمن المركزي كقائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والمحافظين، وعما إذا كانوا سيؤدون لها التحية العسكرية اللازمة والمرفقة مع كلمة “احترامي”.

سيدة الإصغاء والحواجز الأمنية

وعشية تسلّمها وزارة الداخلية من سلفها الوزير نهاد المشنوق، طلبت الحسن إزالة المكعبات الإسمنتية التي تحيط بمقر الوزارة في منطقة الصنائع والتي حوّلت المنطقة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية وتسببت بازدحام مروري عانى منه المواطنون كثيراً، وقد تم تنفيذ ذلك بالفعل.

ولاقى أول “قرار” تتخذه الحسن قبولا شعبيا وسياسياً، فقد غرّد عضو اللقاء الديمقراطي النائب فيصل الصايغ عبر موقع تويتر، منوّها بخطوة وزيرة الداخلية وقال “نهنّئ معالي الوزيرة ريا الحسن على خطوتها الحضارية هذا الصباح بإزالة الحواجز الإسمنتية من أمام وزارة الداخلية وفتح المداخل للناس”، مضيفا أن “المواطن اللبناني يشعر بالأمان أكثر حين يرى المسؤولين مطمئنين لأمنهم. وعلى أمل أن نرى تواضعا مماثلا لمواكب الوزراء والنواب”.

معروف عن الحسن شَغفها بالاستماع، وكلامها “المُقِلّ لكن المُفيد”. وهي صاحبة مقولة لافتة أطلقتها بعد تعيينها وزيرة للمالية في العام 2009، حيث صرّحت في حينها أنّ “الحديث في السياسة لا يقود إلى أيِّ مكان. المواطنون ينتظرون إقرارَ الموازنات والتوصّل إلى حلول للأزمات، بينما تقوم وظيفة السياسة على خلق الأزمات”.

وخلال حفل التسلّم والتسليم بين المشنوق والحسن، اعتبرت وزيرة الداخلية أنها تتسلّم تحديّ وزارة تنفيذ القانون وخدمة المواطن. وأضافت أن “التحدي أن أكون على قدر المهمة التي أوكلني إياها الرئيس الحريري الذي وضع ثقته بي وحمّلني مسؤولية كبيرة. التحدي لأنني أتسلم المسؤولية من سلف ترك بصمة كبيرة في الوزارة وأنجز الكثير خصوصا في موضوع تكريس الأمن والانتخابات النيابية. من هذا المنطلق، ولأنني من تيار سياسي أؤمن بأن الحكم استمرارية، سأنطلق من الملفات التي بدأ بها الوزير، وسأسعى لأن تكون لي فيها بصمة خاصة أيضا”.

وكانت الحسن أثناء استقبالها أمام مبنى الوزارة قد استعرضت ثلة من قوى الأمن الداخلي على وقع موسيقى خاصة عزفتها موسيقى قوى الأمن، فكانت كمن تلقى تدريبات على كيفية استعراض حرس الشرف وكيفية إلقاء التحية أمام العلم ومصافحة الضابط قائد الحرس. وهي بكل تأكيد “نفّذت” التعليمات التي أعطيت لها في هذا الإطار بالشكل الجيد والمطلوب.

اللبنانيون يتساءلون عن مدى قدرة ريا الحسن على فرض هيبتها على “رجال” سيجتمعون برئاستها في مجلس الأمن المركزي كقائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والمحافظين.

وأراد المشنوق قبل توديعه مبنى الوزارة الذي شغله منذ حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014، أن يزوّد الحسن بـ“خميرة” تبدأ به عملها في الداخلية، فأعلن أنه “نفّذ أوامر الحسن بإزالة المكعبات الإسمنتية” في إشارة واضحة إلى أن وزير الداخلية “يأمر ويموّن” رجلا كان أم امرأة.

لقد خضعت الحسن سابقا إلى اختبار إدارة “جيوب” اللبنانيين عندما تولت حقيبة المالية، وهي تخضع أمامهم اليوم إلى اختبار إدارة “أمنهم”، ولعل ما ينتظرها على هذا الصعيد قد يبدو “آمنا” بعد تراجع التهديدات الأمنية الداخلية وانحسار التحركات الإرهابية التي قضّت مضاجع اللبنانيين منذ انطلاق ثورة الشعب السوري، لكنها ستبقى بالتأكيد تحت “المجهر” بانتظار الاستحقاقات الانتخابية البلدية وربما النيابية التي ستتولى إدارتها إذا طال عمر الحكومة كما هو متوقع.