IMLebanon

وزارة الداخلية تبدأ “العمل” بـ”زعران” الموتوسيكلات!

كتب محمد نزال في “الاخبار”:

كأنّه طقس حكومي مقدّس. ما مِن وزير داخليّة يحيد عنه. لا بدّ للوزارة، في أوّل قراراتها، أن «تبلّ» يدها بسائقي الدرّاجات الناريّة. هكذا يبدأ «العمل». الوزيرة الجديدة كانت أمينة على ذاك «الطقس»… إنّما مع إضافات جديدة هذه المرّة، تجاه التجّار تحديداً، والتي لا يبدو أنها ستقطع بهدوء

أبت وزيرة الداخليّة الجديدة، ريّا الحسن، كما أبى سلفها، وسلف سلفها، وسائر أسلافها، إلا أن يكون أوّل قرارات عهدها هو: قمع سائقي الدراجات الناريّة. هؤلاء «العفاريت» الذين خرّبوا البلد، دمّروا الاقتصاد، نهبوا الثروات، وهم الذين، على ذمّة الراوي، تسبّبوا في «ثقب الأوزون». لعلّ أفراد الشرطة هم أكثر مَن يُحبّون تشكيل حكومات جديدة. مع كلّ وزير داخليّة جديد، يمكن تخيّلهم يفركون أيديهم فرحاً: «إجت الرزقة». هذه «الرزقة» لا تنتهي عند حدود المال، بل تأتي، أحياناً، على شكل فرصة للبطش والتنفيس عن «ساديّة» مكبوتة. قبل يومين، في منطقة المشرفيّة، قرّر شرطي أن «يدفش» سائق درّاجة ناريّة، أثناء سيره، بغيّة توقيفه. اصطدم السائق بسيارة وارتمى أرضاً. أصيب ونُقِل إلى المستشفى. هذا ما نقله شهود عيّان صوّروا ما جرى. سابقاً هناك من «قُتِل» بتلك الطريقة. هكذا، مُت أيّها الصرصار، يا حشرة، أيّها الشيء المتحرّك. ما مِن سائق درّاجة ناريّة في بلادنا إلا واختبر هذه المشاعر. يُمكن لأوراقك أن تكون قانونيّة تماماً، وأنت تلتزم منتهى أدب القيادة، ومع ذلك ستشعر أنّك «حرامي» بمجرّد رؤيتك لشرطي درّاج. أنت مُتّهم إلى أن يثبت العكس، و«عليك خير» ليثبت العكس، وإن ثبت فبعد إهانة وشتيمة، وأحياناً صفعة، وربّما لكمة فرفسة.

حبيب، عامل «الدليفري» على درّاجة، يُعاني هذه الأيّام. حسين، سائق الدرّاجة لعجزه عن شراء سيّارة، يُعاني كذلك. خليل، الذي يملك سيارة ولكنّه يُفضّل استخدام الدراجة في العاصمة، تحاشيّاً للزحمة، يُعاني بدوره. يُمكنك أن تسأل أيّ صاحب درّاجة ناريّة وسيفتح أمامك أرشيف حكاياته. هؤلاء يحدّثونك عن شيء، معروف ضمن أدبياتهم، اسمه «نفسيّة درّاج». لديهم ما يُشبه الأمثال الشعبيّة الخاصة بهم، ومِنها، في حالة الإشارة إلى أسوأ ما يكون، يقولون: «عنده نفسيّة درّاج». الأخير يمكن أحياناً «تبليعه» بعض المال لعدم حجز الدرّاجة، وأحياناً يُبادر هو، مِن نفسه، إلى تركك إن عرف أنّك مِن بلدة تذكّره بمضاجعة لطيفة. حكايات سائقي الدرّاجين مع «نفسيّة الدرّاج» هذه تحتاج موسوعة.

قبل نحو أسبوعين، وفي مؤتمر صحافي لرئيس بلديّة بيروت، جمال عيتاني، وفي سياق كلامه عن إيجاد حلول لزحمة السير في العاصمة، تطرّق إلى ضرورة «التشدّد» في حجز الدراجات الناريّة. فات هذا «الفهلوي» أنّ بعض دول العالم، في أوروبا مثلاً، تُشجّع الناس على قيادة هذه الدراجات تخفيفاً مِن زحمة السير. عيتاني يجمع، وفي الجملة نفسها، بين معالجة الزحمة وقمع الدراجات. بالمناسبة، رئيس البلدية المذكور كان ظهر، قبل نحو عامين، يقود دراجة هوائيّة في طريقه إلى عمله، وقد ضُبِط آنذاك ينظر بطرف عينه إلى مَن يصوّره. فشل في لعبة «صوّرني وأنا مش منتبه».

هذه المرّة، مع وزيرة الداخليّة الجديدة، أضيفت إلى قرار قمع الدرّاجات تفاصيل إضافيّة غير مسبوقة. ففي «برقيّة» صادرة عن قائدة شرطة بيروت في قوى الأمن الداخلي، يُطلب مُراقبة المَعارض (الجهة البائعة) التي لا تتقيّد بمضمون قرار وزارة الداخلية (في السابق)، لجهة عدم تسليم الدراجة (للمشتري) إلا بعد المباشرة بمعاملة تسجيلها لدى مصلحة تسجيل السيّارات والآليّات. وزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق، كان أسس لهذه «المعالجة» قبل نحو عامين، ولكنه، آنذاك، اكتفى بأن فرض على أصحاب المعارض أن يطلبوا مِن الشاري تسجيل الدراجة خلال يومين. لم يفرض عليهم ألا يسلموه الدراجة إلا بعد تسجيلها. بيان قوى الأمن، قبل نحو أسبوع، يتحدّث عن إلزام المعارض بذلك، بل يذهب أبعد إلى حدّ طلب «الكشف فوراً وتباعاً (بمعدل مرة في الأسبوع على الأقل) على محلات تصليح الدراجات الآلية، واتخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة بالدراجات المخالفة». لا يُمكن أن تُفهم كلّ هذه الاجراءات، العجيبة، وهي غير مطبّقة على السيّارات مثلاً، إلا كاحتقار للدراجات وسائقيها. شاري الدراجة يدفع الجمرك، يدفع رسوم التسجيل، يدفع رسوم «الميكانيك» السنويّة، تماماً مثل شاري السيارة، ولكنّه يُعامل كمن يشتري سلاحاً أو يُهربّ مخدرات. بعض محاضر الضبط بحقّ الدراجات تزيد غراماتها على سعر الدرّاجة نفسها.

عموماً، القرار الأخير، تجاه المعارض، لم يمرّ بهدوء. ففي بيان موّجه إلى وزيرة الداخليّة، طالبت لجنة تجّار ومحال تصليح الدراجات الناريّة أن «يُعاد النظر في القرار نظراً لما سينتج عنه من معاناة وأضرار ستطال كل العاملين في هذا القطاع، نتيجة للتدابير الأمنية المشددة وغير العادلة التي تنفذها قوى الأمن الداخلي على سائقي الدراجات النارية، وعلى التجار والعاملين في الصيانة». اللجنة تحدّثت عن «التعدي الحاصل على حرمات المحلات التجارية والمؤسسات ومحلات الصيانة (من قبل القوى الأمنية)، لذلك نطالب (الوزيرة) بتحديد موعد لقاء في أقرب وقت ممكن، حرصاً منا على عدم تضخيم الأمور وخوفاً من التصادم مع القوى الأمنية». وكان يُفترض أن تنظّم اللجنة اعتصاماً الجمعة الماضي، أمام مقرّ وزارة الداخليّة، لكن تأجّل الأمر بعدما جاءهم وعد من أحدهم بإمكانية جمعهم بالوزيرة. مضت أيام ولم يحصل الاجتماع.

رامي حيدر، أحد أعضاء اللجنة، وهو صاحب معرض بيع درّاجات، قال لـ«الأخبار»: «أعطينا مهلة للحل، ولكن إن لم يحصل التواصل معنا سننظم تظاهرة كبيرة أمام الداخليّة. لسنا قلّة، نحن 185 تاجراً وأكثر مِن 8500 محل تصليح في بيروت وحدها. لدينا مطالب بسيطة وواضحة». يلخص حيدر مطالب اللجنة بثلاثة: أولاً، التأكيد على أن المعارض غير مسؤولة عن تسجيل الدراجة لدى مصلحة التسجيل، بل على الشاري أن يفعل ذلك، بعدما التزمت المعارض سابقاً وما زالت بجعله يوقع على تعهّد بالتسجيل. ويوضح: «نحن مش نافعة، ما بتزبط أصلاً، لازم الدراجة تروح على المصلحة عشان يطبعوا رقم الهيكل. هيدا مش شغلنا. نحن بكفاية عم نلتزم بأخذ الهوية وكل المعلومات عن الشاري، وإذا بدهم نحولها للقوى الأمنية ما عنا مانع». المطلب الثاني، «عدم ترتيب أي مسؤولية لاحقة، في مطلق الأحوال، على المعارض». والمطلب الثالث، وهو على شكل استفسار، أنّه في حال التزمت المعارض بما هو تعجيزي، عندها «هل تعلم الوزارة والقوى الأمنية من المستفيد؟ المستفيد سيكون التجّار غير الشرعيين، وأصحاب محال التصليح داخل بعض المخيّمات مثلاً، وفي المناطق التي يصعب الوصول إليها. هل هذا ما يريدونه؟ ما معقول كل يوم عم يجو الدرك على كل معرض وكل محلاتنا كذا مرّة. الناس عندها كراماتها كمان، ما بصير هيك».

بالتأكيد، وزراء الداخليّة، وسائر الوزراء، بل سائر المسؤولين الحكوميين، ومعهم ضبّاط الشرطة، يملكون سيارات فارهة ولا يقودون الدرّاجات الناريّة (بعيداً عن حالات الاستعراض الغبيّة). هم يعلمون أن بعض سائقي الدراجات، وربما أكثرهم، يقودون تلك الدراجات اضطراراً. هذا ما بوسعهم. هناك حجّة ترمى دائماً في وجه المعترضين: إنّهم «زعران»، و كأنّ كلّ سائقي السيارات مِن «الأوادم». أو كأن لا جرائم تحصل بواسطة السيّارات. هل تُقمَع السيارات؟ هل سمعنا عن دراجة مفخخة، إلا ما ندر؟ ماذا عن الشاحنات «المهضومة»؟ الحكومة الجديدة، ككل حكومة جديدة، تبحث عن الحلقة الأضعف لاستعراض العضلات عليها. للقول، مثلاً، نحن حكومة ها… وها قد بدأنا «العمل».