IMLebanon

“تجارة الإجهاض”: سماسرة وسوق سوداء من بيروت إلى ريف دمشق

كتب هادي أحمد في “الاخبار”:

صار الإجهاض «مهنة»، يمارسها أطباء مختصون وغير مختصين، وساحتها سوق واسعة تمتدّ من بيروت إلى دمشق. يحدث كل ذلك بسرية تامة، يؤمّنها الخوف من «الفضيحة» التي تعدّ أساس نشاط هذه «التجارة»

صورة الشراشف الملطّخة بالدماء والأشلاء الطرية لا تفارق ذاكرة مريم. كانت في طريقها إلى «صالون» الحلاقة النسائي، عندما فتحت الباب الخطأ لتجد نفسها في ما يشبه «المشرحة». إلى جانب «الصالون»، في الشقة التي «قُطّعت» إلى مكاتب، «عيادة» يديرها طبيب نسائي، سحبت منه نقابة الأطباء إذن مزاولة المهنة بسبب أخطاء طبية ارتكبها. مع ذلك، تمسّك بـ«رسالته»، وافتتح عيادة لإجهاض «الهاربات من الفضائح». لا قانون هنا، فهو «يُجهض الكل» سواء كان الحمل في أوله أو في آخره. في بداية الحمل، قد تكفي حبّة دواء للتخلص من الجنين، ويتبعها «تنظيف الرحم». أما في المراحل المتقدمة، فتعطى الحامل عقاقير «لقتل الجنين كيميائياً، وبعدها بأيام تخضع لجراحة قيصرية لإخراجه»، بحسب جمال التي أشارت إلى أنها عاشت «أسوأ أيام حياتي» قبل الإجهاض، عندما وصف لها «الطبيب» دواء «سايتوتك» الذي «يعمل على إذابة الجنين كيميائياً قبل أن أخضع لاحقاً للعملية».

مطلع الشهر الماضي، ختم وزير الصحة السابق غسان حاصباني بالشمع الأحمر عيادة في الضاحية الجنوبية يقوم فيها طبيب وزوجته الطبيبة بعمليات إجهاض غير شرعية. إلا أن «مشارح» كثيرة لا تزال تنشط على عين القانون، في الضاحية وخارجها، مستفيدة من امتناع من يلجأن إليها عن الشكوى لكونهن أصلاً «يردن السترة». وحتى هذه «السترة» لا يحصلن عليها دائماً، بسبب الأخطاء التي يتعرضن لها حتى في بعض العيادات المرخّصة. هذا ما حصل مع نور، الشابة التي حملت خارج الزواج. فقد جهدت لإخفاء الأمر عمّن حولها. إلا أن خطأً ارتكبه «الطبيب» كشف أمرها. فبعد عملية الإجهاض، لازمها النزف أياماً عدّة، إلى أن سقطت في عملها فاقدةً الوعي. بعد نقلها إلى المستشفى، تبين أنه لم يسحب كل أجزاء الجنين، ما استدعى إخضاعها لعملية لاستئصال ما بقي داخل رحمها.

تختلف كلفة عملية الإجهاض حسب المكان والظروف، وتراوح بين 800 و1500 دولار في بيروت و400 و600 دولار في الضواحي. هذه الكلفة غالباً ما تشكّل عائقاً أمام كثيرات، ما يفتح الباب أمام «سوق سوداء» تمتدّ من بيروت وضواحيها إلى… ريف دمشق. فاتن، لم تكن تملك المال الكافي لإجراء العملية، فـ«بالكاد أستطيع توفير إيجار البيت». توجهت إلى سوريا. لم تكن ثمة حاجة للبحث عن طبيب، فالكل «مربّط مع الكل»، تقول. وكما يسهل الوصول إليهم هنا، يسهل أيضاً هناك «والوسيط لبناني يُحضر لك سيارة تاكسي تنقلك من بيروت، وينظّم أوراق السفر على الحدود، ثم سريعاً إلى العيادة، ومن هناك إلى بيروت مجدداً». كلفة الرحلة 50 دولاراً، تضاف إلى كلفة العملية، وهي 25 ألف ليرة سورية، أي ما يقارب 100 دولار، «لأن الحمل مضى عليه 10 أسابيع، وتقتضي العملية وجود غرفة عمليات وطبيب تخدير. فيما لو كان الحمل في بدايته، فإن الكلفة ستكون أقل من ذلك، لأنه يمكن إجراؤها في أي عيادة نسائية».

يؤكد وزير الصحة جميل جبق لـ«الأخبار» أنه يولي أهمية لموضوع فوضى الإجهاض، خصوصاً أن في هذه العمليات تعريضاً لحياة من يُجرينَها للخطر إذا لم يكن الطبيب صاحب اختصاص. ولأن لا أرقام رسمية لعدد هذه العمليات التي تجري غالباً سراً، «تعمل الوزارة على تجميع داتا لتحديد كل العيادات التي تقوم بهذه الأعمال»، لافتاً إلى «تورّط مستشفيات في هذا الملف، ولكن تحت مسميات أخرى». وعمّا إذا كان سيبذل أيّ مساعٍ لتعديل القانون الذي يحرّم الإجهاض، أشار إلى أن «الموضوع شائك في دولة تقوم على الطوائف».

ماذا يقول القانون؟

تنصّ المادة 541 من قانون العقوبات على أن «كل امرأة طرّحت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات». فعندما تقدم المرأة الحامل نفسها قصداً على ارتكاب أفعال من شأنها أن تؤدي إلى موت الجنين أو خروجه من رحمها قبل الموعد الطبيعي لولادته، تكون قد ارتكبت «الجريمة»، سواء أقدمت على ذلك من تلقاء نفسها، أو «بناءً على اقتراح أو تحريض من شخص آخر أو مكّنت غيرها من إجهاضها برضاها».

من جهة أخرى، يخفّف القانون من العقوبة إذا ما كانت مقرونة بـ«الشرف»! إذ تنصّ المادة 545 على أن المرأة التي «ترتكب جرم الإجهاض محافظة على شرفها» تستفيد من عذر مخفّف للعقوبة، ويستفيد من هذا العذر المخفّف أيضاً «من يرتكب جريمة الإجهاض للمحافظة على شرف أحد فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية»!