IMLebanon

مي شدياق: مَن حاول إلغائي وجدني أمامه

حاورتها باسكال بطرس في “المدن”: 

بعد مرور 14 عاماً على محاولة اغتيالها، والتي شكّلت منعطفاً مؤلماً في حياة إعلاميّةٍ بارزة، التزمت قناعاتها السياسية في معنى حرية لبنان وسيادته، تجتاز “القواتية” مي شدياق منعطفاً جديداً في حياتها، قد يكون ثأراً معنوياً من تعرضها المفجع لمحاولة الاغتيال. فمن بابها العريض، دخلت مي شدياق الحياة السياسية اللبنانية، لتكون شريكة في السلطة الإجرائية، متولّيةً منصب وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية.

ثقة جعجع

في مكتبها بالوزارة في مبنى “ستاركو” وسط بيروت، تستقبلنا “الشهيدة الحيّة” بابتسامة عريضة وحفاوة كبيرة، على الرغم من شعورها بالإرهاق والتعب، بعد نهارٍ طويل من ضغط العمل. تعتذر لأنّها لم تتمكّن من إعطائنا موعداً قبل اليوم، نظراً إلى انشغالاتها الكثيرة في هذه المرحلة الجديدة، وهي التي تدرك أهمّية الحقيبة الموكلة إليها، وحجم المسؤوليّات المُلقاة على عاتقها، وحجم التحدّيات التي ستواجهها.

لا يُخفى على أحد أنّ توزير شدياق كان هدفاً بالنسبة إلى رئيس “القوّات اللبنانية” سمير جعجع، الذي كان قد حسم أمره في اختيارها قبل فترة طويلة من تشكيل الحكومة. فهو لطالما وثق بها، وقدّر كفاءاتها وتضحياتها. المفاجأة لم تكن بتوزير شدياق، بطبيعة الحال، بل إنّ ما فاجأ الجميع، بمن فيهم صاحبة العلاقة نفسها، كان نوع الحقيبة التي أُوكِلت إليها. فبعد أن كانت تتحضّر لتسلّم وزارة الثقافة، الأحبّ إلى قلبها، تقول شدياق: “استيقظت ذات يوم  لأجد نفسي مسؤولة عن حقيبة شؤون التنمية الإدارية، التي لم تكن لديّ فكرة واضحة عن المجالات التي تغطّيها”.

فبعد موافقته على مبادلة حقيبة الثقافة، تسهيلا لولادة الحكومة، اختار جعجع حقيبة التنمية الإدارية بدلاً من الإعلام. تشرح شدياق: “والسّبب، يعود إلى كون التجربة في وزارة الإعلام، نوعاً ما، راوح مكانك”. فكل التغييرات التي حاول الوزير ملحم الرياشي أن ينجزها في الوزارة، بقيت حبراً على ورق، إذ لم تتم إضافتها على جدول أعمال مجلس الوزراء، على الرغم من إصراره على ذلك. في جميع الأحوال، طالب الرياشي بإلغاء هذه الحقيبة، واستبدالها باللجنة العليا للإعلام، وهو ما طالب به أيضاً الوزير الحالي جمال الجراح ضمن البيان الوزاري.

الحكومة الإلكترونية

تتأقلم شدياق مع مسؤوليّاتها الجديدة شيئا فشيئا، وتتطّلع على ملفّاتها الوزارية تدريجيّاً: “لم يُسنح لي التعرّف إلى مختلف مجالات حقيبتي الوزارية قبل الأسبوع الماضي، نظراً إلى مشاركتي في جلسات مناقشة البيان الوزاري في البرلمان، وجلسات مجلس الوزراء الثلاثة، فضلا عن سفري إلى الإمارات، حيث تم تكريمي من قبل جامعة سيدة اللويزة، التي كنت أدرّس وأحاضر فيها منذ العام 1997. كما التقيت في دبي لجنة العمل اللبنانية”.

تدخل شدياق وزارة شؤون التنمية الإدارية، حاملةً هموم الإدارة اللبنانية، وفي جُعبتها الكثير من الأفكار واقتراحات المشاريع التي ستضعها على جدول أعمالها، لتقديم أفضل ما يمكن من مخططات ودراسات وخدمات وتخطيط: “بدأتُ أدرك يوماً بعد يوم، أهمية وزارة شؤون التنمية الإدارية، ودورها في تحسين الإدارة وتطويرها في الوزارات الأخرى، والمسؤولية الكبيرة التي تتولّاها في الإصلاح ومكافحة الفساد وتطوير التنمية الشاملة والمتكاملة للقطاع العام. إذ أنه في حال لم تُطبّق وتنفّذ الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية المطلوبة ضمن مؤتمر “سيدر”، فإنّ المجتمع الدولي لن يثق بنا أو يقدّم لنا العون مجدّداً”.

تدرك الصحافية والأستاذة الجامعيّة أنّ إدخال تكنولوجيا المعلومات والتقنيّات الإدارية الجديدة، هي بمثابة مداميك أساسية، لتحسين الأداء الإداري في القطاع العام. من هنا تعتبر شدياق أنّ “الدخول في عالم الحكومة الالكترونية e-government، من أولى أولويّات الوزارة. فحزب “القوات اللبنانية” أوّل مَن قدّم هذا المشروع وبذل جهوداً جبّارة لدراسته والوصول إليه، محاولاً تطبيقه في الحكومات السابقة التي استلمها. التحدّي اليوم في الشروع بتطبيقه وتنفيذه، إضافة الى مواضيع أخرى مطروحة في البيان الوزاري، تعتبر من صلب عمل الوزارة، على رأسها محاربة الفساد، وحق الاطّلاع على المعلومات access to information، والتحوّل الرقمي digital transformation، وإدارة النّفايات الصّلبة solid waste، وغيرها. فلا يجوز أن يصبح لبنان متأخراً، بالمقارنة مع سائر البلدان العربية والغربية، بعدما كان من أول الدول المتقدّمة والمتطورة في التسعينات”. وتردّ شدياق أسباب الشلل الحاصل على مستوى الإدارات في لبنان، إلى عمليّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ تقدّمت الأجندة السياسية على أجندة تطوير البلاد. فعوضاً عن تعزيز العمل، هناك من يسعى دائما إلى وضع أثقال لعرقلة عجلة النموّ في البلد”.

حزب الله وسوريا

وترى شدياق أنّ “عين المجتمع الدولي علينا، لمتابعة سبل استعمال قروض سيدر. بالتالي، لا مفرّ من الإصلاح. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم، سيقع الهيكل على رؤوس الجميع. فقد أجّلنا الانهيار الاقتصادي بانتظار المباشرة بالمشاريع ووضعها على السّكة. وإذا لم نلتزم بالأجندة الموضوعة من قبل “سيدر”، فكلّ الدّعم سيتبخّر”. وتدعو شدياق “من يتّهمنا بعرقلة عمل البلد، إلى عدم فتح أجندات سياسية على حساب مصلحة البلد، حتى لا نُضطرّ للوقوف له بالمرصاد. فحتى تسيير الوضع الاقتصادي، لن يمنعنا من رفع الصوت، والسكوت عن المبادىء الأساسيّة”، مشدّدة على “أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه وزارة التنمية الإدارية في هذا السياق، على أمل أن تتعاون معنا سائر أجهزة الدولة”.

وفي ما يتعلّق بالعلاقة مع ممثلي حزب الله في الحكومة، تلفت شدياق الى أنّه “عمليّاً، قد نلتقي معهم في العديد من الملفات المطروحة على طاولة مجلس الوزراء. إلا أنّ  مشكلة حزب الله معي، تكمن في حقيقة أنّ هناك عناصر بالحزب متهمين بعملية اغتيال الرئيس الحريري. ويستحيل اعتبار هؤلاء طوباويّين ومترفّعين، كما اعتبرهم السيد حسن نصرالله ذات مرة، فهناك نداءات لهم من قبل المحكمة الدولية، وهي الواردة في البيان الوزاري”.

لم تطلب مي شدياق يوما أن تكون شهيدة حيّة من شهداء “ثورة الأرز”. فعام 2005 كانت صحافية ولم تكن سياسية. حاولوا اغتيالها فصنعوا منها رمزاً. لا تستبعد شدياق “أن يكون من حاول إلغائي، مستاءً لأنه وجدني فجأة أمامه من جديد، وداخل الحكومة”، مؤكدة أن “لا مشكلة شخصية مع أحد على المستوى الشخصي، ولكنّنا نختلف على المستوى السياسي، على المستوى الاستراتيجي، على المبادىء وغيرها، وهو ما ظهر منذ اليوم الأول بالنسبة إلى وزراء حزب الله. ومواقفي واضحة كعين الشمس، فهذا هو خطّ القوات اللبنانية الذي لن يتغيّر. ولن نقبل محاولات البعض لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء. لن نقبل تمرير الأمور كالتطبيع مع النظام السوري، وكأن شيئا لم يكن. فهناك مسائل مبدئية. والتنسيق مع هذا النظام يعني الموافقة على كل ما فعله بنا، وهذا ما لن نرضى به”.

أما بالنسبة إلى التصنيف البريطاني لجناح حزب الله السياسي، بالإرهابي، فترى شدياق أنه “لا يشكّل جديداً، ويدخل في سياق العقوبات الغربية والعربية على حزب الله، وفي ظل الفصل التام للمجتمعين العربي والدولي بين علاقتهم بحزب الله، وعلاقتهم مع لبنان الرسمي، التي لا تتأثر لا من قريب ولا من بعيد، بدليل العقوبات الأميركية على الحزب والمساعدات الأميركية للبنان”، آملة “إبقاء الموضوع في سياقه القديم الذي لا يشكّل جديداً”.

في المحصّلة، تجد مي شدياق نفسها اليوم أمام تحدٍّ جديد، وتعد كل من وضع ثقته بها، واتّكل على وجودها داخل الحكومة، بأن تكون دائما “الصوت الصارخ في سبيل الحق وفي سبيل مصلحة لبنان”.

ميّ شدياق: من حاول إلغائي وجدني أمامه وداخل الحكومة