IMLebanon

لماذا فتح حزب الله النار على الفساد الآن؟

أعطى حزب الله منذ مطلع هذا العام جملة إشارات تؤكد توجهه الجديد الى الانخراط أكثر في الشأن الداخلي اللبناني.

ولكن الإشارة الأهم والأبلغ تمثلت في إعلان قرار الحزب بفتح معركة محاربة الفساد والذهاب بها الى النهاية أيا تكن الظروف والصعوبات والأعباء والتكاليف.

وإذا كانت الحملة على الفساد تدغدغ مشاعر اللبنانيين وأفكارهم، بعدما اكتووا بنار الفساد الذي فاق كل تصور وتغلغل في الدولة ونخرها من رأسها الى أسفلها، إلا أن «التعاطف الغرائزي» مع معركة الحزب ضد الفساد لا يلغي وجود تساؤلات وهواجس وشبهات سياسية تحوم حول الهدف الفعلي لحزب الله في اقتحام معترك مكافحة الفساد وتحمل التبعات والمخاطر المترتبة على ذلك.

ماذا يريد حزب الله من وراء ذلك؟! والى أين يريد أن يصل بهذه الحملة التي تبلغ حد التأسيس لوضع جديد وتغيير قواعد اللعبة السياسية؟ فهذه معركة يعرف حزب الله ويعرف الجميع كيف بدأت، ولكن لا أحد يعرف، باستثناء الحزب، ربما كيف تنتهي ومتى؟!

الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أعطى إجابة عن هذا السؤال في اطلالته الأخيرة عندما قال ان «الفساد وصل الى مرحلة متقدمة صار يشكل فيها خطرا وجوديا على الدولة اللبنانية وعلى المؤسسات كلها.

لذلك قررنا المواجهة لأن الخطر كبير»، أما لماذا كانت بداية وانطلاقة المعركة على الفساد من ملف الحسابات المالية للدولة من العام 1993 وحتى العام 2017، فأجاب السيد نصرالله بالقول «لأنه المكان الصحيح للبداية. وهذا الملف هو مفتاح الإصلاح في الدولة.

إذا لم يعالج فكل الإجراءات الأخرى لن تنجح. وإذا قبل حزب الله أن تتم التسوية فيه، يكون حزبا منافقا وكاذبا».

هذه الإجابة لا يعتبرها خصوم حزب الله في لبنان كافية و«شافية» ومقنعة.

هؤلاء تتملكهم «قناعة سياسية» بأن حزب الله يذهب الى ما هو أكثر وأبعد من «محاربة الفساد»، وأن المسألة ليست فقط مسألة انتقام من السنيورة أو تصفية حسابات سياسية، وأن هذه المعركة فتحها وسط متغيرات يتعرض لتداعياتها إقليميا وماليا في ظل حصار العقوبات الأميركية الآخذ في التشدد على إيران والحزب، وأهداف أخرى تتصل باستكمال مد نفوذ الحزب داخليا وتوسيعه تحت شعار مكافحة الفساد.

ويربط هؤلاء حملة حزب الله على الفساد بثلاثة تطورات واستحقاقات حاصلة وآتية وهي:

1 ـ عودة الحزب من سورية بتكاليف وخسائر تكبدها وفاقت الأرباح التي جناها.

وما يريده الحزب ومن الآن، التحضير لأجندة لبنانية وإعادة إنتاج دور داخلي له وتقوية نفوذه ودوره.

والقفز سريعا الى عنوان جديد يشغل به جمهوره هو «معركة الفساد» ويصرفه عن نقاش «الحرب في سورية ونتائجها».

٢- الضائقة المالية التي يمر بها حزب الله وأقر بها نصرالله، داعيا الى «الجهاد بالمال»، والتي هي نتيجة مباشرة للحرب الأميركية على إيران والعقوبات المالية والاقتصادية التي بدأت تؤثر على اقتصاد إيران وسورية، وأيضا على وضعية الحزب المالية، فإذا كانت المالية العامة التي يريدها حزب الله أن تنتظم وتستقيم لأنها الرئة التي تتنفس منها الدولة اللبنانية، فإن الدولة اللبنانية هي الرئة التي يتنفس منها الحزب ولا طاقة له على الصمود ماليا في ظل دولة مفلسة أو منهارة. والتحول الى الداخل اللبناني هو لتأمين موارد مالية تعوض الأموال الآتية من طهران.

3 ـ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي ستصدر حكمها هذا العام، وليس معروفا بعد ما إذا كان الحزب يقوم بالرد على هذه المحكمة باستحداث «محاكم موازية» لمكافحة الفساد، فهذه المحاكمات سيكون وقعها بوزن ما كانت المحكمة الدولية أحدثته في بداياتها.

مما لا شك فيه أن لبنان سيكون عرضة الى المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد حزب الله، في ظل احتدام الصراع الأميركي- الإيراني، وهذه العقوبات ستتخذ منحى تصاعديا قد ينعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، ولا شك في أن الحزب سيكون متضررا، لذلك فإن الأمر يحتاج الى خطة إصلاح عاجلة تبدأ بمكافحة الفساد.

ولكن خصوم الحزب يقدمون صورة أخرى:

٭ يسعى الحزب الى تعميم الانطباع أنه ينخرط أكثر فأكثر في المؤسسات اللبنانية، بحيث يرى البعض أنه يجب تشجيعه على الأمر من أجل استيعابه في الواقع السياسي كحزب والمساعدة في استيعاب سلاحه في مرحلة لاحقة.

ولكن المزيد من الانخراط يعبر عن تحوط الحزب والتفافه على التضييق الخارجي المتزايد الذي يتعرض له، ما يمنع عنه أي تمويل خارجي في الوقت الذي يحتاج الى غطاء الدولة اللبنانية والاستفادة من مواردها أيضا في الوقت نفسه.

٭ نصرالله كان حاسما في استمرار تحركه ضد الفساد، لكن كلامه يخفي مشاريع أخرى تستفيد من فائض القوة لتعزيز الهيمنة أكثر، الى حد أنه يسعى في مرحلة أخرى الى تغيير السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، لتتناسب مع توجهات محوره.

فكيف يتقدم الحزب في مكافحة الفساد، ويمنع أحدا من ان يتدخل في بنيته المستقلة المسلحة داخل الدولة؟ هذا الأمر وحده يطرح علامات استفهام وتشكيك في إمكان ذهاب الحزب الى النهاية في مكافحة الفساد.

هذه مهمة يجب أن تتصدر الأولويات، لكن لها شروطا لا تنطبق على القوى الطائفية والمذهبية، إلا إذا وضع بعضها جسمه على مشرحة النقد والمحاسبة والمساءلة.