IMLebanon

أميركا لإيران من بيروت: الإلتزام بالعقوبات وبالحِزَم الجديدة

كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:  

هل انتهى زمن المكابرة؟ فحين يقول رئيس الجمهورية «إن لبنان يعيش ضمن الحصار المفروض على الآخرين وعلى إيران، ولا سيما أنه لا يستطيع العمل مع سوريا. كما أن «حزب الله» محاصر مالياً وأصبحنا محاصرين عالمياً، وأن التأثير السلبي للحصار على «حزب الله» يطال كل اللبنانيين والمصارف اللبنانية، لأن كل مصرف يخاف من أن يَقبَل أي مُودع لديه خوفاً من أن تكون له علاقة مع الحزب»، فهذا معناه إقرار «رأس الحُكم» بأننا بتنا في مرحلة جديدة لا تستقيم معها أطروحات الانتصارات السياسية والغالبية النيابية و«الثلث المعطل الصافي» وما إلى ذلك من مصطلحات أمعن «حزب الله» وحلفاؤه، وفي مقدمهم عون وتياره، في الذهاب بعيداً في طموحاتهم التي استندوا لتحقيقها إلى تعطيل الدستور وآليات الحكم والالتحاق بوهم نجاح تحالف الأقليات في المنطقة.

في المحصلة، اختلت موازين القوى في لبنان، وكانت التسوية الرئاسية التي يظهر، بعد أقل من 3 سنوات، أنها أضحت أسيرة منطق أفضى إلى مزيد من إضعاف المؤسسات مع الشعور المتزايد بسقوط الدولة بمجملها تحت سطوة «حزب الله» والإمعان في إرسال الإشارات إلى المجتمع الدولي بعدم وجود خط فاصل ما بين الدولة و«الحزب»، وتبني الحكومة لـلثلاثية الذهبية «جيش وشعب ومقاومة» الوصف الذي يغلّف بقاء سلاح خارج إطار الشرعية بيده قرار السلم والحرب في هذا البلد وله امتداداته الإقليمية بوصفه ذراعاً إيرانية، في وقت بدا واضحاً أن «التذاكي اللبناني» في تمييع المطلب الدولي، والذي عبّرت عنه «مجموعة الدعم الدولية للبنان»، بأنه حان وقت إطلاق حوار داخلي حول الاستراتيجية الدفاعية، وهو ما كان ليوحي بجدّية لبنان في تعزيز مؤسساته الشرعية وبسط سلطة الدولة على أراضيه، بما يبعده عن استخدامه صندوقة بريد وساحة في المواجهة المحتدمة بين أميركا وحلفائها من جهة، وإيران ومحورها من جهة ثانية.

وتحت عنوان هذه المواجهة «محاصرة إيران وأذرعها العسكرية»، يدخل لبنان في الرادار الأميركي. لم يأتِ وزير الخارجية الأميركي تيمناً بـ«النموذج – الرسالة» للتعددية ودور لبنان الذي فقده منذ زمن، بل لأنه مصدر خطر على الأمن والسلم – ولا جدال أن أمن إسرائيل هو المقصود بوصفه أولوية ليس فقط أميركياً بل دولياً ولا سيما روسياً – بما أن ثمة استفاقة أو اكتشافاً عند بعض المسيحيين لموسكو ودور الكنيسة الأرثوذكسية والمشرقية.

ومن بيروت، التي زارها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والتي كان اعتبرها قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إحدى العواصم الأربع بيد طهران إلى جانب بغداد ودمشق وصنعاء، يقف بومبيو موجهاً رسالة الردّ، مكرراً رسم الخطوط الحمر التي يعرفها لبنان الرسمي عن ظهر قلب، وهي الالتزام التام بالعقوبات المفروضة على إيران و«حزب الله» وبالحِزَم الجديدة التي ستصدر تباعاً.

وليس كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام  بومبيو قبيل مغادرته تل أبيب إلى بيروت بالمسألة العابرة. سيبقى حاضراً صدى كلامه بأن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لا يمكن أن يقول لأحد أن لبنان منفصل عن «حزب الله» وأن «حزب الله» ليس جزءاً من لبنان، وإذا حدث شيء من لبنان تجاه إسرائيل سنحمّل لبنان المسؤولية». رسالة نتنياهو أنه في حرب تموز  2006 تمّ تحييد استهداف الدولة، لكن الدولة اليوم هي «الحزب». رسالة لا يمكن الاستخفاف بمغزاها ومراميها إذا استمر مجدداً «التذاكي اللبناني».

وفق مراقبين فإن المسؤولين اللبنانيين ما زالوا غير مدركين لخطورة الموقف، أو على الأقل يتصرفون على هذا النحو، لكن مطلعين في بعض دوائر القرار اللبناني لا يوافقون على هذا التوصيف، بل ينطلقون من مسلمة أن الجميع في مأزق، وفي مقدمهم «حزب الله»، وأنه مهما علت النبرة والعراضات الإعلامية المناهضة للرسائل الأميركية وحتى حملات التخوين، سيعود الجميع إلى سقف الحكومة، ذلك أنها المساحة المشتركة التي لا بديل عنها، والأفق المفتوح في المدى المنظور لمنع انهيار البلد.

ما يقوله هؤلاء المطلعون أن أحداً لا يُقلل من حجم التحديات والتداعيات التي ستصيب الجميع إذا حصلت أي انزلاقة. بالطبع لا قدرة لأي من القوى السياسية التأثير على «حزب الله» في ما يتعلق بأجندته الإقليمية أو حساباته الإيرانية، لكن الرهان على أن «الحزب» يُدرك الثمن الباهظ الذي سيدفعه وتدفعه بيئته ومناطقه إذا ما حصل احتكاك مع إسرائيل على الأراضي اللبنانية، وهو يعتبر راهناً أن المسرح السوري ساحة الفعل وردات الفعل.

أما المؤسسات اللبنانية، فتدرك جيداً أنه ليس بمقدورها أن تخرق العقوبات. المصارف على يقين تام بمخاطر الالتفاف على القرارات الأميركية، ومطار رفيق الحريري الدولي تحت أعين المراقبة، واتجاه القيّمين عليه تحكمه الحاجة إلى التقيّد بالإجراءات المطلوبة بعد إدراكهم لحجم الأضرار التي ستنجم إذا تمّ تخفيض تصنيفه من قبل المنظمة الدولية للطيران المدني، والمؤسسات الأمنية والعسكرية على دراية تامة بما يحيط بها من تحديات. فلبنان تحت المجهر منعاً لخرق العقوبات الأميركية على إيران والنظام السوري و«حزب الله»، ومنعاً لخرق القوانين الدولية بموضوع اللاجئين السوريين. فمهما ارتفع منسوب المزايدة في هذا الملف، فإن مختلف القوى السياسية تدرك أن العودة الشاملة للاجئين لها مقوماتها وشروطها غير المتوفرة بمعزل عن رغبة هذا الفريق أو ذاك. وجل ما هو متوفر راهناً، استكمال العودة الطوعية التي كان يتولى الأمن العام مهمة تنسيقها. وإذا كان هناك من تعويل على المبادرة الروسية، فإنه لا يمكنها أن تأتي بنتائج إيجابية من دون أن تتماهى مع المطالب الدولية، وفي مقدمها الحل السياسي أو على الأقل ترتيبات وضمانات يطمئن لها المجتمع الدولي.

فبعيداً عن محاولات التمويه التي توظف في زواريب السياسة الضيّقة، فإن العلاقة قائمة بين اللجوء السوري إلى لبنان ومؤتمر «سيدر» الذي يشكل فرصة ثمينة للبنان من أجل دعم اقتصاده. لكن الفرصة النادرة تتمثل في سلة الإصلاحات التي يربطها الشركاء في «سيدر» بالمساعدات الاقتصادية المطروحة على لبنان، ومنها إصلاحات سياسية قوامها تأكيد الالتزام بـ«سياسة النأي بالنفس»، ومنها إصلاحات هيكلية اقتصادية، بحيث لا تذهب مساعدات الـ11 مليار دولار في دفعتها الأولى لتمويل الفساد والهدر.

و«سيدر» بما يضعه من «خارطة طريق» وشروط وإجراءات وآليات رقابية، لا يمكن إدراجه، وفق متابعين، سوى في خانة «الوصاية الدولية على لبنان»، وهي وصاية من شأنها أن تضمن، أولاً، كيفية الصرف ووجهته وينفذ التزامات لبنان الراهنة، وأن تؤمن، ثانياً، شراكة مالية واقتصادية مع المجتمع الدولي بحيث ينقذ اقتصاده خصوصاً في هذه المرحلة بالذات التي يواجه فيها حصاراً عربياً وشبه دولي نتيجة العجز السياسي الذي يطبع حال الحكم فيه.

ومن هنا، فعلى رغم الحذر من «عاصفة» بومبيو في بيروت، ولحظة الحقيقة التي قد تواجه المسؤولين اللبنانيين، فإن الرهان على أن المأزق الذي تعانيه كل الأطراف ونافذة الخلاص من الغرق الاقتصادي والمالي التي يفتحها «سيدر» سيلجمان الجميع!.