IMLebanon

من أين يبدأ الحل؟

كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:

صار معلوماً من القاصي والداني ومن الداخل والخارج ان الدولة اللبنانية تمر في حالة عجز مالي واقتصادي يهددانها بإعادة تجربة اليونان، كما صار معلوماً أيضاً من القاصي والداني ان المسؤولية الأولى في الوصول إلى هذه الحالة الكارثية تقع على أرباب السلطة أنفسهم الذين فضلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة الشعب والدولة وراحوا تحت عناوين طائفية يمضون في إفقار الدولة وتفريغ خزينتها وفي ملاحقة المواطن اللبناني في لقمة عيشه أحياناً باسم الطائفية والمذهبية واحياناً باسم التقشف، كما نسمع هذه الأيام من كلام يصدر من هؤلاء المسؤولين من دون أن نسمع مرّة واحدة عن خطة إصلاحية متكاملة تعالج الأسباب الحقيقية التي أوصلت الحالة إلى ما وصلت إليه اليوم من التردي والتدهور بقدر ما نسمع عن نوايا ورغبات تطلق من هنا وهناك للدخول في عملية إصلاحية تطال فقط الطبقة المعدومة أو الفقيرة من دون أن تصل أو تمتد إلى جيوب الكبار المنتفخة من تجميع المال من رصيد خزينة الدولة، وعلى حساب معدل النمو الذي يُشكّل قاعدة الحفاظ على الاستقرار النقدي والاقتصادي وايضاً على النمو المستدام الذي يُشكّل الدعامة الأساسية للاستقرار ولإستمرار الدولة.

بالأمس سمعنا كلاماً لرئيس الحكومة يحذر من الكارثة التي تقرع أبواب الدولة، ويدعو إلى شد الحزام وإلى انتظار قرارات تقشفية موجعة، الا أنه، مع الأسف الشديد لم يقدم إلى الرأي العام اللبناني أية خطة متكاملة يشرح فيها ماهية هذه الإجراءات وإلامَ تؤدي في نهاية المطاف وهل تؤدي فعلاً إلى الإصلاح الحقيقي الذي يتباكى هؤلاء المسؤولون عليه، ويتغنون به ليل نهار على كل وسائل الإعلام، وفي اجتماعات مجلس الوزراء ومجلس النواب، إلى أن ملّ الشعب من هذه الدعوات الفارغة من أي مضمون وإزداد اقتناعاً بأن ممارسات هؤلاء المسؤولين ستؤدي حتماً إلى أن تتجدد تجربة اليونان في لبنان.

ربما يكون رئيس الجمهورية بوصفه شريكاً أساسياً في المسؤولية أدرك بعد ما شهده لبنان في الثماني والاربعين ساعة الماضية ان الأمور تكاد تفلت من يد أرباب السلطة ويتحكم بها الشارع، كما حصل ويحصل في فرنسا، وفي غيرها من الدول التي تعاني أزمات، فدخل على خط الأزمة من الباب الصحيح، وأعلن للمرة الأولى عن الخطة الواجب اعتمادها من قبل الحكومة لتدارك الكارثة وسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، والتي تعبر عنها الموازنة العامة التي ما زالت المشاورات حولها تراوح مكانها، من دون التوصّل إلى أية نتيجة، وهي تقوم على دعامتين هما مكافحة الهدر وضبط العجز عبر خطة عامة تعبر عنها الموازنة ويرى الرئيس انه بغياب هذا المشروع والنقاش داخل المؤسسات الدستورية فإننا ما زلنا بعيدين عن المطلوب.

الرئيس عون وضع الإصبع على الجرح وحدد مكامن العلة في الدولة، وكيفية التصدّي لمعالجتها بعملية جراحية واسعة وليس بالمسكنات كما درجت العادة في العهود السابقة عندما كانت البلد تتعرض إلى أزمة شبيهة بالأزمة التي تعيشها البلاد هذه الأيام، لكن السؤال الذي يبقى من دون اجابة هو من أين تبدأ مكافحة الهدر وضبط العجز هل تبدأ من القاعدة التي تشكو أساساً من العوز والفقر وباتت مهيأة للوقوف في وجه أرباب السلطة أم يجب أن تبدأ من رأس الهرم لتطال أولاً هؤلاء الأرباب؟