IMLebanon

بدائل مُتاحة لاقتراحات التقشّف

كتبت فيفيان عقيقي في “الاخبار”:

تؤخّر الحكومة إقرار موازنة 2019 إلى حين التوصّل إلى اتفاق نهائي على التدابير والإجراءات المُفترض أن تتخذها لخفض العجز في الموازنة (بلغ 6 مليارات دولار العام الماضي، أي ما يوازي نحو 10.5% من الناتج المحلي). إلّا أن التأخير الحاصل بإقرار الموازنة لم يحل دون تعبير قوى وشخصيات في السلطة علناً عمّا يدور في الكواليس. أول المبادرين كان وزير الاتصالات محمد شقير الذي نقل إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ورقة أعدّتها بعض أحزاب السلطة والهيئات الاقتصادية بعنوان «مدخل إلى خفض العجز وضبط المالية العامة»، وتتضمّن اقتراحاً بخفض الرواتب والأجور، ولحقه وزير الخارجية جبران باسيل الذي دعا «موظّفي الدولة إلى القبول بتخفيض جزء من رواتبهم كي لا يخسروا كلّ رواتبهم والاقتصاد والليرة»، لينضمّ أخيراً وزير المال علي حسن خليل إلى دعاة خفض الأجور.

المشاورات التي شهدها منزل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يوم 14 نيسان، وما لحقها من مشاورات متفرقة، تتضمّن تفصيلاً أوضح لسلسلة التدابير المطروحة وتشمل: تجميد 15% من رواتب العاملين في القطاع العام وإلغاء التقديمات والتعويضات وتخفيض المخصّصات الاجتماعية لهم بما يوفّر 1900 مليار ليرة من الإنفاق العام (نحو 1.26 مليار دولار)، بالإضافة إلى إلغاء دعم الكهرباء بعد توفيرها لأكثر من 20 ساعة يومياً، وخصخصة مرافق وخدمات عامّة.

كلّ هذه الإجراءات التي ستتحمّل فئات الدخل المحدود والمتدنّي والطبقات المتوسّطة كلفتها المؤلمة على حساب حقوقها ومكتسباتها واستهلاكها وقدرتها الشرائية ومستوى معيشتها، سيقابلها خفض 15% من مجمل قيمة الفوائد المترتبة على الدَّيْن العام بالليرة اللبنانية، ما قد يوفّر 838 مليار ليرة من الإنفاق العام (565 مليون دولار)، وزيادة الضريبة على الفوائد من 7 إلى 10% لثلاث سنوات فقط مع إعطاء المصارف حق إعادة حسم هذه القيمة من أرباحهم الخاضعة لضريبة الدخل.

في الواقع، تشكّل هذه الاقتراحات تكراراً لـ«سلّة التدابير» نفسها، التي لطالما رددتها قوى السلطة في أعقاب كلّ أزمة مالية. إنها التدابير نفسها التي رُوِّج لها إبّان مؤتمرات «باريس 1 و2 و3، وها هي تتكرّر اليوم كمدخل لتخفيض العجز المالي باعتباره شرطاً أساسياً لفكّ أقفال أموال الدائنين في مؤتمر سيدر».

في كلّ هذا السياق، تكرّس السلطة «العجز المالي» (الذي تعدّ المسؤولة الأولى عن تفاقمه) على أنه سبب كلّ المشكلات والحائل الأساسي أمام بناء الدولة وتطوير قدراتها للقيام بواجباتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، فيما هو في الواقع النتيجة المباشرة لسياسة الإبقاء على النموذج الاقتصادي الحالي لتحقيق النموّ بالدَّيْن والاستهلاك، والقائم على: 1- عملية «برطلة» المصارف بمعدّلات فائدة مرتفعة لقاء استقطاب الودائع وتثبيت سعر الصرف، وهو ما أدّى إلى نقل 77 مليار دولار من الإيرادات المحصّلة من الناس بين عامي 1993 و2017 إلى المصارف، لتسديد خدمة الدَّيْن العام، وهو ما يشكّل 36% من مجمل الإنفاق العام خلال ربع قرن. 2- التوظيف الزبائني في القطاع العام لامتصاص البطالة وشراء الولاءات بدلاً من بناء اقتصاد مُنتج وقطاع خاصّ مولّد للوظائف، وهو ما بلغت كلفته التراكمية نحو 65 مليار دولار بين عامي 1993 و2017، واستحوذ على 30% من مجمل الإنفاق العام خلال هذه الفترة (علماً أن الرواتب والمخصّصات والتقديمات تُحوَّل حالياً إلى أكثر من 310 آلاف عائلة).

إذاً، تقضي اقتراحات الحكومة تخفيضاً لنفقات وزيادة لإيرادات ترتب آثاراً مؤذية سترتد على الفئات الأضعف، وهي تقدّمها على أنها «إصلاحات ضرورية للإنقاذ» مع إمكانية استنتاج هوية الفئة التي تحاول إنقاذها. أمّا الأسوأ، فهو أنها تقوم بكلّ ذلك من دون أي مجابهة شعبية تذكر! فهل المطلوب تعديل نمط إدارة المالية العامة أم تغيير النموذج الاقتصادي والاجتماعي القائم وتغيير القائمين عليه؟ ما هي مجالات التحسين المُمكنة في أداء المالية العامّة؟ هل تشمل إعادة هيكلة النظام الضريبي المُجحف اقتصادياً واجتماعياً، أم تفكيك نظام التوزيع الزبائني، أم مراكمة المزيد من الديون؟ في ما يأتي اقتراحات لمجموعة من الاقتصاديين يطرحونها بديلاً من «الأفكار» التقشفية لقوى السلطة:

تحويل الدَّيْن العام إلى دَيْن دائم بفائدة 2%

جورج قرم

* اقتصادي، وزير المال اللبناني الأسبق

ما تطرحه الحكومة لا يزال غير واضح. هناك معلومات يجري تناقلها عن خفض رواتب العاملين في القطاع العام، وهو إجراء مخالف للدستور، فضلاً عن الاتفاق مع المصارف التجارية على إقراض الخزينة العامّة بفائدة صفر في المئة لسنوات قليلة، وهو ما يعدّ أقل من الطموحات المُرتقبة لتصحيح المالية العامّة وخفض العجز في الموازنة.

اللافت أن حديث وزير المال علي حسن خليل عن خفض رواتب العاملين في الإدارات والمؤسّسات العامة، لم يطاول الرواتب في مصرف لبنان التي تعدّ الأعلى في الدولة، وكذلك رواتب لجنة الرقابة على المصارف ولجنة البورصة والأسواق المالية، والرواتب في مجلس الإنماء والإعمار والمجلس الأعلى للخصخصة، وغيرها من المجالس… فيما يمكن المجلس النيابي إصدار قانون يقضي بوضع حدّ أقصى لرواتب العاملين في القطاع العام ويخفّض الرواتب العليا إلى المستوى المُحدّد ومن دون المسّ برواتب باقي الموظّفين.

أيضاً، هناك مصادر أخرى للإيرادات يمكن تناولها وتتمثّل برفع سعر إيجار المتر المربع للأملاك العمومية، الذي لم يعدّل منذ عام 1992 بالتوازي مع ارتفاع أسعار العقارات، فضلاً عن معالجة مسألة التعدّيات على الأملاك العمومية، ورفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15-18% على الكماليات وإلغائها عن الأساسيات المُستهلكة من الفئات الشعبية. وبالإضافة إلى ذلك، توحيد ضريبة الدخل ورفع معدّلاتها وجعلها تصاعدية، بدلاً من فرض ضرائب نوعية مختلفة على دخل الأفراد المتأتي من مصادر مختلفة (الراتب، إيجار أو بيع عقار، فائدة مصرفية…)، وهو ما يسمح برفع القيمة المحصّلة من هذه الضريبة نحو الضعفين أو ثلاثة أضعاف.

أمّا على صعيد النفقات، وبدلاً من إقراض الخزينة العامّة بفائدة صفر في المئة، أسوة بما حصل في أعقاب مؤتمر «باريس 2» عام 2002 حين أقرضت المصارف اللبنانية الخزينة العامة 4 مليارات دولارات بفائدة صفر في المئة لمدّة ثلاث سنوات، انصياعاً للملاحظات التي وجّهت إلى المصارف من الجهات الخارجية، خصوصاً أن المصارف كانت تُقرض الدولة بفائدة 12%، وتطالب الجهات المانحة بإقراضها بفائدة 5%. يمكن الحكومة أن تخفّض الفائدة على الدَّيْن العام، علماً أن خفض 1% من معدّل الفائدة يوفّر نحو 800 مليون دولار، فضلاً عن تحويل جزء من الدَّيْن العام إلى دَيْن مستدام لا يسدَّد، وبفائدة 2%، أسوة بكثير من الدول.

رفع السرية المصرفية للوصول إلى الثروات المخبّأة!

كمال حمدان

* اقتصادي، مدير تنفيدي في مؤسّسة البحوث والاستشارات

ثمة إجراءات متلازمة يفترض اتخاذها على صعيد النفقات والإيرادات وتقضي بإعادة هيكلة النظام الضريبي وترشيد النفقات العامّة.

على صعيد الإيرادات، تقتضي هذه الإجراءات فرض ضريبة تصاعدية على فوائد الودائع الصرفية، خصوصاً أن 1% من مجمل الحسابات المصرفية تستحوذ على 52% من مجمل الودائع، مع ما يتطلّبه ذلك من تعديلات على قانون السرّية المصرفية بغية تجميع حسابات الشخص الواحد المتعدّدة في حساب واحد، وهو ما يوفّر للدولة دخلاً إضافياً لا يقلّ عن مليار دولار.

بالإضافة إلى التفاوض الجادّ والمسؤول مع المصارف بشأن اقتطاع استثنائي لنسبة وازنة من أرباحها لفترة تراوح بين 3 و5 سنوات، أو الاكتتاب بإصدارات وسندات خزينة طويلة الأجل.

أمّا على صعيد النفقات، فيبرز موضوع ترشيد النفقات العامّة كمعطى أساسي، وهو ما يستوجب إلغاء تعويضات الرؤساء والنواب السابقين، وتقليص مخصّصات النواب والوزراء الحاليين وتعويضاتهم، بما في ذلك التقديمات التي يستفيدون منها. وإعادة النظر في أجور موظّفي الفئتين الأولى والثانية في المصالح المستقّلة والمؤسّسات العامة ومصرف لبنان وكبار الضباط، خصوصاً أن رواتب هذه الفئة من العاملين وتعويضاتها باتت تراوح بين 20 و75 ضعف الحدّ الأدنى للأجور، في مقابل سقف أعلى لا يتجاوز 9 أضعاف الحد الأدنى للأجور في بلدان الاتحاد الأوروبي.

وبالإضافة إلى ذلك، وضع كشف وتقييم مفصّلين لأوضاع المؤسّسات العامة والصناديق والهيئات والمجالس تمهيداً لاختصارها أو دمجها أو إلغائها تبعاً للحاجات الاقتصادية ومقتضيات الحدّ من الهدر. فضلاً عن إعادة النظر في منح تعليم أبناء الموظّفين في القطاع العام (نحو 350 مليون دولار عام 2018) التي تحكمها معايير متفاوتة وفق الإدارات والأسلاك، وإلغاء التعليم الخاصّ المجاني الذي يضمّ نحو 100 ألف تلميذ لدمجهم في التعليم الرسمي وتطويره.

وقف تبذير المال العام والانتقال إلى الضرائب الشخصية

إيلي يشوعي

* أستاذ جامعي في الاقتصاد، صناعي

ينطوي الإنفاق العام على تبذير غير مُبرّر، وبالتالي هناك ضرورة لوقف التبذير وليس التقشّف أو المسّ برواتب الموظّفين في القطاع العام كما تخطّط الحكومة.

من ناحية النفقات العامّة يجب إيقاف الإنفاق الإداري غير المبرّر عبر وضع سقف للمساعدات والتقديمات، وإعادة النظر بالمصاريف السريّة وتعويضات السفر، والتقديمات إلى الجمعيات الوهمية، وميزانيات المؤسّسات العامة والصناديق التي لا حاجة لها، وإيجارات المباني الحكومية، فضلاً عن نقل الخدمات العامة التي تديرها الدولة (كهرباء ومياه وصرف صحي واتصالات) بطريقة سلسة وفق عقود BOT إلى شركات عالمية من القطاع الخاص تحت إشراف وزارة للخصخصة ورقابة الأجهزة القضائية، بما يتيح تخفيض الإنفاق بنحو 50%. بالإضافة إلى تخفيض أرباح المدينين والمصارف المتأتية من الفائدة على الدَّيْن العام، التي يبلغ متوسطها 8%، وذلك من خلال خفض متوسّط معدّلات الفائدة إلى 5%، وهو ما يوفّر 2.4 مليار دولار سنوياً. ويمكن هذه الإجراءات مجتمعة أن توفّر نحو 5-6 مليارات دولار سنوياً من دون فرض أي ضرائب إضافية على الاستهلاك أو الفوائد المصرفية أو اللجوء إلى الخفض القسري للدَّيْن العام أو انتزاع حقوق الناس والاجتزاء من الرواتب. أمّا بالنسبة إلى الإيرادات، ففي ظل حالة الركود الاقتصادي لا يوجد أي إمكانية لزيادة الضرائب على الفوائد أو ضريبة القيمة المضافة أو فرض رسوم على المواد الاستهلاكية والوقود، وإنّما الانتقال إلى الضرائب الشخصية واستخدامها لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تحسين آلية إدارة الأملاك العمومية المعتدى عليها.

توحيد ضريبة الدخل وإنشاء صندوق التقاعد

سمير الضاهر

* اقتصادي، مستشار سابق في البنك الدولي

في المرحلة الأولى، على خطّة التصحيح المالي أن تطبّق القوانين لناحية إعادة الانتظام إلى المالية العامة وإقرار موازنة 2019 مع تدابير آنية تتفادى الأزمة الداهمة، وإنتاج موازنة 2020 ضمن المهل الدستورية، على أن تتضمّن تدابير ذات وقع على المدى المتوسّط، وتكون بمثابة فاتحة للإصلاح واستعادة صدقية الدولة، وذلك من خلال التعامل بحذر مع مشكلة المالية العامّة والركود الاقتصادي، ووضع سياسة حكيمة لتوزيع كلفة التصحيح المالي وفق إمكانية تحمّل كلّ فئة، وهو ما يقتضي عدم تحميل ذوي الدخل المالي المحدود المزيد من الأعباء وعدم خفض الرواتب في القطاع العام أو تسريح الموظّفين، وكذلك عدم المسّ بحقوق المدينين والمودعين وعدم فرض ضرائب قد تؤثّر بالاستثمار أو تحويل الأموال إلى لبنان.

تبرز مسألة رواتب العاملين في القطاع العام ضمن المسائل الأساسية المفترض معالجتها، على أن لا تشمل تسريحهم، خصوصاً أن الاقتصاد يمرّ بحالة ركود، فضلاً عن وجود مشكلة في خلق فرص العمل، وإنّما تصحيح أوضاعهم عبر إعادة هيكلة القطاع العام وتقليص حجمه، بحيث تُرفَع سنّ التقاعد لنحو 5 سنوات ويُوقَف التوظيف إلّا في حالات سدّ الفراغات الناشئة عن التقاعد. وبالإضافة إلى تصحيح الشواذات الحاصلة في كلفة الرواتب العالية والتقديمات الباهظة وتلك المتعلّقة بنظام التقاعد للأسلاك العسكرية الذي أدخل خلال الحرب ويؤدّي إلى استفادة العسكريين من راتب تقاعدي وتعويض نهاية خدمة (3 أشهر عن كلّ سنة خدمة)، وإقرار نظام رواتب مختلف يطبّق على التوظيفات الجديدة. وأخيراً تأسيس صندوق للتقاعد، كما ينصّ القانون، بحيث تُحوَّل اقتطاعات الرواتب المحدّدة بنسبة 6% إليه، بدلاً من تحويلها إلى الخزينة العامة ودفع رواتب التقاعد من الخزينة كما يحصل راهناً، على أن تكون إدارة هذه الأموال واستثمارها في الأسواق المالية والأسهم والعملات والبترول والذهب لتحقيق عوائد مالية عليها، فضلاً عن تحويل نظام نهاية الخدمة في القطاع الخاص إلى نظام تقاعد أيضاً.

أمّا المسألة الأخرى الملحّة، فتتناول إصلاح النظام الضريبي دورياً، وذلك لمعالجة الخلل البنيوي في النظام الضريبي القائم والذي تطغى عليه الضرائب غير المباشرة وغير التصاعدية بنسبة 70-75% أي الضرائب المجحفة للطبقات غير الميسورة مثل الـTVA، في مقابل 25-30% للضرائب المباشرة على الدخل. وذلك من خلال فرض الضريبة الموحّدة على الدخل عبر احتساب كل مصادر الدخل التي يحصل عليها الفرد، سواء من راتب شهري أو إيجار شقة أو فائدة على وديعة مصرفية أو بيع عقار، وجمعها ضمن سلّة واحدة وفرض ضريبة تصاعدية عليها، بدلاً من النظام القائم بفرض ضريبة 7% على الدخل المتأتي من الفائدة المصرفية، و17% من الدخل الناتج من الأرباح الاستثمارية وضريبة تصاعدية تراوح بين 2 في المئة و20% على الدخل المتأتي من الراتب.

التصويب على المحميّين والمتهرّبين ضريبياً

سامي عطاالله

* اقتصادي، المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات

ما تقترحه قوى مشاركة في الحكومة من خفض للنفقات وزيادة الإيرادات يطرح مخاوف جدّية، فهو لا يوصل إلى بناء دولة ومؤسّسات، بل الحصول على أموال الجهات المانحة لتمويل مشاريع البنية التحتية بالمزيد من الدَّيْن وتحميل ذوي الدخل المحدود والمتدني الكلفة، في مقابل الإمعان بإعفاء رأس المال والأغنياء من موجباتهم. هذا ما يمكن ترجمته من الإجراءات والتدابير التي يجري تداولها على أنها خطّة الحكومة المرتقبة في موازنة 2019، والتي تقضي بخفض الرواتب في القطاع العام وفرض المزيد من الضرائب غير المباشرة على استهلاك الأسر والأفراد لتخفيض عجز الموازنة، في حين أن الإصلاح المنشود يقتضي التفكير بحلول أخرى.

على صعيد الإيرادات هناك حاجة لإعادة النظر بالتهرّب الضريبي والإعفاءات الضريبية القانونية لأنها تشكّل مصدر إيرادات مهمّ يمكن أن يغني الدولة عن ديون «سيدر» لتنفيذ مشاريع البنية التحتية. إذ إن هناك شركات ورساميل كبيرة مُعفاة من الضريبة قانوناً وشركات كبرى تتهرّب من موجب دفع الضريبة وتجري محاولات لإعفائها منها عبر قرارات استنسابية، وآخرها طرح ملف إعفاء 14 من كبار المكلّفين من الغرامات المترتبة عن عدم دفعهم الضرائب، والتي تصل إلى 115 مليون دولار. في الواقع، تُعَدّ جباية الضرائب متدنية في لبنان نسبة إلى حجم الاقتصاد، وتشكّل 13.6% من مجمل الناتج المحلّي، وهي نسبة أقل من المعدّل في البلدان الشبيهة بلبنان إنمائياً والذي يصل إلى 16.4%. فإذا رفع لبنان معدّل الجباية وطاول الشركات المتهرّبة أو المُعفاة، وصولاً إلى المعدّل في البلدان النظيرة، يمكنه زيادة إيراداته بنحو 1.25 مليار دولار سنوياً، أي 12 مليار دولار خلال عشر سنوات. وهو ما يوازي قيمة قروض سيدر. فضلاً عن أن تكليف هذه الشركات والرساميل معدّلات ضريبية عادلة يشكّل إشارة إيجابية لمسيرة الإصلاح بدلاً من تحميل الفقراء الثمن.

أمّا بالنسبة إلى النفقات، فهناك شبه إجماع على وجود مشكلة في القطاع العام وضرورة إعادة النظر في هيكليته، خصوصاً أن التمويل يصبّ في تمويل نظام الزبائنية السياسية. إلّا أن الحلّ لا يكون بخفض رواتب العاملين فيه بطريقة اعتباطية، بل تصحيح الرواتب العليا لكبار الموظّفين التي تفوق عشرات أضعاف الحدّ الأدنى للأجور في بعض المؤسسات والأسلاك، فضلاً عن إعادة هيكلة هذا القطاع وملء ملاكه وشواغره بالكفاءات المناسبة لتدعيمه وتعزيز دور الدولة وحضورها، وصولاً إلى إعادة النظر بآليات التوزيع التي تقتضي بناء قدرات الهيئات الرقابية والقضائية للإشراف على الصفقات والمشاريع والمشتريات العامة، خصوصاً أن لبنان يقبع في أدنى المراتب العالمية لناحية جودة البنية التحتية، التي ترتبط بنحو وثيق وفق دراسات عدّة بارتفاع معدّلات الهدر والفساد، فضلاً عن أن الطريقة التي أُقرَّت بموجبها خطة الكهرباء الأخيرة لا تبشّر بخير.