IMLebanon

جلسة الموازنة الحكومية تكشف مواقف الأطراف على حقيقتها

كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:

تكشف جلسة مجلس الوزراء المخصصة لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للدولة المواقف والنوايا الحقيقية لكافة الأطراف السياسيين المشاركين في الحكومة، وعما إذا كانوا بالفعل يريدون إقرار المشروع ببنوده الإصلاحية وتخفيض نسبة العجز من خلال سلّة من الاقتراحات مع اقتراح تعديلات منطقية وموضوعية ترمي إلى تحسينه نحو الأفضل، أم ان البعض سيرفضه باقتراحات تعجيزية وملاحظات وتعديلات لا يُمكن تحقيقها ولا تتلاءم مع أسس المشروع ومكوناته ومتطلبات المرحلة المقبلة مالياً واقتصادياً.

فهذه الجلسة بالذات قد لا تكون كافية لإقرار المشروع وقد يستلزم ذلك عقد أكثر من جلسة كما حصل لدى مناقشة الموازنة السابقة لدراسة كل البنود بدقة وتمحيص، ولكن بالتأكيد سترسم هذه الجلسة مسار المشروع وكيف سيسلك طريقه في الجلسات المقبلة، باتجاه الموافقة عليه أو الاعتراض عليه استناداً الى سلسلة مواقف صدرت عن معظم الأطراف السياسيين في الآونة الأخيرة، بعضها واضح المعالم يُؤكّد على ضرورة اجراء التخفيضات المطلوبة على مجمل الموازنة، بينما صدرت مواقف ملتبسة عن البعض الآخر، يرفض فيها العديد من البنود المطروحة ويذهب إلى طرح اقتراحات بديلة وصعبة التنفيذ، ما يوشر إلى ان المشروع قد يواجه باعتراضات ليس من السهل تجاوزها، لا سيما إذا كانت ترتكز إلى اعتبارات سياسية مرتبطة بمنحى الصراعات الإقليمية والدولية وإن كان هذا الأمر سابقا لاوانه في انتظار مجرى النقاش حول مشروع الموازنة، بالرغم من تأكيد أكثرية الأطراف على وجوب إقرار موازنة تتضمن محاربة الفساد والهدر وإعادة ميزانية الدولة إلى سكة الصواب تفادياً لمحاذير الانهيار المالي الذي سيصيب الجميع من دون استثناء، بالنهاية فالانظار ستركز على جلسة مجلس الوزراء هذه باعتبار ان نتائج ما سيصدر عنها ستشكل خارطة طريق مستقبلية للمرحلة المقبلة، مالياً واقتصادياً لا سيما وان التوصّل إلى إقرار مشروع الموازنة بمضامينه الإصلاحية، سيسرع كثيراً في الخطوات المطلوبة لتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان في تخطي حالة التباطؤ الاقتصادي وتسريع عملية النهوض بشكل عام.

ولذلك، فإن جلسة مجلس الوزراء ستشكل امتحاناً لمدى صدقية الدولة في الالتزام بواجباتها وما قطعته من وعود للدول المساهمة في المؤتمر وللبنانيين للقيام بسلة الإصلاحات الموعودة، بدءًا بتخفيض نسبة العجز في الموازنة وذلك من خلال جملة إجراءات وتدابير عملية بدأت بتنفيذها عبر إقرار خطة النهوض بقطاع الكهرباء أولاً الذي يستنزف خزينة الدولة منذ سنوات عديدة وستتبعه بسلسلة إجراءات ضمنتها لمشروع الموازنة وتعمل على تنفيذها تباعاً بعد اقراره وهكذا تبدو كل الأمور معلقة ببعضها ببعض، ولا يمكن فصلها عن بعضها بمجرد تصريح من هنا أو اعتراض من هناك ويبقى ان توافق جميع الأطراف على إقرار مشروع الموازنة الذي سيوفر على لبنان اهتزازات وخضات اقتصادية ومالية واجتماعية موجعة في حال بقيت الخلافات والحزازات السياسية تتحكم بمصالح وتوجهات بعض الأطراف السياسيين كما كان يحصل في السابق.

ولا شك ان حصول توافق سياسي واجماع على إقرار موازنة تفي بالحاجة المطلوبة وتتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة، سيقطع الطريق على معظم الحركات الاحتجاجية التي يُصرّ البعض على القيام بها في الشارع احتجاجاً على ما يطال بعض الشرائح الوظيفية أو غيرها من تخفيضات لبعض الحوافز ويبقي هذه الحركات بلا جدوى أو تأثير ضاغط على الحكومة والدولة كما كان يحصل في بعض الاحتجاجات الشارعية من قبل، وفي الوقت نفسه يعطي رسائل إيجابية للخارج بأن الحكومة جادة في القيام بكل ما هو مطلوب منها لإعادة انتظام المالية العامة للدولة والقيام بالاصلاحات المطلوبة التي تحدّ من الهدر والفساد وتساعد في عملية النهوض الاقتصادي.

ويؤشر انعقاد جلسة مجلس الوزراء تحت عنوان مناقشة مشروع قانون الموازنة متجاوزاً كل المواقف والحملات التصعيدية التي طبعت الواقع السياسي مؤخراً وأدت إلى نفور بين بعض الأطراف بسبب تباين وجهات النظر حول توقيت طرح المشروع على بساط النقاش الجدي، ان كل ما صدر من مواقف، إنما كان بوحي مناسبات معينة لاستقطاب ودغدغة مشاعر شرائح شعبية معينة، في حين يظهر بوضوح ان مشاركة جميع الأطراف ورغبتهم المشجعة للتعاطي بإيجابية مع مشروع الموازنة تحسساً بأهميته وتأثيره في منع انحدار لبنان نحو أي مشكلة مالية أو اقتصادية كما حصل في بلدان أخرى، يدل على تحمل جميع الأطراف لمسؤولياتهم في هذا الإطار والاتجاه نحو مقاربة جدية مما هو مطروح في سبيل المصلحة الوطنية عموماً.