IMLebanon

المصارف منفتحة على الحلول شرط جدية الإصلاح!

كتبت صحيفة “الحياة”:

تسبب الاضطراب الاجتماعي الذي أطلقه النقاش في الحكومة اللبنانية حول خفض العجز في موازنة عام 2019 المتأخرة، والإضرابات في المؤسسات والمصالح المستقلة الرسمية، باضطراب في الأسواق المالية أمس، ضاعفته الشائعات التي انتقلت كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي حول إمكان انخفاض السيولة النقدية والشلل الجزئي للعمليات المالية، بفعل مشاركة موظفي المصرف المركزي في الحركة الاحتجاجية الرافضة لأن تشملهم الإجراءات التقشفية المنتظرة.

وأوضحت مصادر وزارية لـ”الحياة” أن رئيس الحكومة سعد الحريري طالب الوزراء بعدم الانجرار إلى سجالات حول ما ينشر في الإعلام في شأن التدابير الممكنة في الموازنة وحول ما يتردد وهو غير صحيح، لأنه يزيد البلبلة في البلد، نتيجة أفكار تطرح هنا وهناك، في انتظار الانتهاء من إقرار مشروع الموازنة. كما نبه إلى أن التسريبات التي تحصل من بعض الوزراء ليست صحيحة.

وقال مصدر معني بمتابعة إنجاز الموازنة وخفض العجز إلى حدود الـ8 في المئة، لـ”الحياة”، إن هناك سعيا من الحريري إلى توازن بين الإجراءات التقشفية التي تتناول إنفاق الخزينة على القطاع العام، وبين الخطوات الهادفة إلى رفع الإيرادات، سواء عبر ضبط التهريب حيث هناك 136 معبرا غير شرعي يتم التهريب عبرها، والتهرب الجمركي… وعبر مساهمة المصارف في زيادة المداخيل، حيث يقترح البعض أن يتم ذلك من طريق زيادة الضريبة على أرباح الفوائد، فيما ترى وجهة نظر أخرى دورا للمصارف في خفض العجز من طريق اقتراح صيغة لاستبدال دين لمصلحة الدولة بفوائد عالية إلى دين بفوائد أدنى لكن في شكل تدريجي بالتناغم مع ضخ مشاريع استثمارية أقرها مؤتمر “سيدر”. وقال المصدر لـ”الحياة” إن أصحاب المصارف منفتحون على المساهمة في خفض عجز الموازنة، لكنهم ينتظرون مثل الدول المانحة، أن تُظهر الحكومة جدية في الإصلاحات الاقتصادية والمالية، ووقف الهدر وتضخم القطاع العام، ويرفضون إخضاع دورهم للمزايدات الشعبوية.

وذكرت مصادر وزارية متعددة أنه على رغم أن معظم الفرقاء يتحدثون عن دور للمصارف في الحلول للاقتصاد اللبناني المأزوم، فإن هناك وجهة نظر متشددة تطالب برفع الفائدة على أرباح المصارف والمودعين من 7 إلى 10 في المئة، يؤيدها وزير المال علي حسن خليل، و”حزب الله” و”التيار الوطني الحر” ممثلا برئيسه وزير الخارجية جبران باسيل الذي طالب برفعها إلى 12 في المئة، بينما يرى أفرقاء آخرون، بينهم الحريري، أنه يجب عدم حصر المعالجة بالطلب إلى المصارف أن تدفع ضرائب جديدة، لأن هذا الأمر قد ينعكس سلبا على الودائع من جهة، ولأن الدولة يجب ألا تعفي نفسها من الإجراءات التي عليها اتخاذها في إطار الإصلاح لخفض العجز من جهة ثانية. وأوضح بعض هذه المصادر لـ”الحياة” أن المصارف قد تكون مستعدة لرفع الضريبة على الفائدة لكنها تنبه إلى أن هذا الاستعداد مرتبط بالمدى الذي ستبلغه الزيادة الضريبية على أرباح الشركات، التي تردد أنها سترتفع من 17 إلى 20 في المئة، وبالتالي تعارض المصارف دفع الزيادة مرتين، خصوصا أن هناك ضريبة أخرى على توزيع أنصبة الأرباح، في ظل ارتفاع الاحتياطي الإلزامي الذي فرض مصرف لبنان المركزي على المصارف إيداعه لديه. وذكر أحد الوزراء أن زيادة واحد في المئة على ضريبة أرباح الفوائد قد يكون الاقتراح الذي يمكن أن يحظى بقبول أصحاب المصارف.

اتصالات عون ومذكرة الحريري

وفيما قالت مصادر رسمية لـ”الحياة” إن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري أجريا اتصالات من أجل عودة القطاعات المضربة عن قرارها، والتقى عون رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لهذا الغرض، اضطر الحريري إلى إصدار مذكرة إدارية تذكر موظفي المصرف والمؤسسات بأحكام قانون الموظفين التي تحظر الإضراب داعيا الهيئات الرقابية إلى تنفيذها، فيما نشطت الاتصالات على أعلى المستويات من أجل وقف الإضرابات، وأعلن مجلس الوزراء في نهاية الجلسة الخامسة لمناقشة الموازنة أن مقاربته والإصلاحية المتكاملة تتطلب مساهمة ومشاركة الجميع بالحلول، وطمأن في الوقت نفسه “حرصه على استقلالية مصرف لبنان التامة”.

البورصة والمرفأ والبنك المركزي

وكان وقف العمل في المصرف المركزي أدى إلى انعكاسات عدة أولها قرار بورصة بيروت تعليق العمل. وشمل الإضراب مرفأ بيروت حيث أجرت الهيئات الاقتصادية اتصالات أدت إلى حلحلة جزئية قضت بإخراج القمح والماشية والبرادات التي تنقل مواد غذائية مستوردة عن طريقه. كما شمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي شددت نقابة موظفيه على أنهم لا يكلفون الخزينة رواتبهم وتعويضاتهم رافضين أن تعفي الحكومة نفسها من فوائد الأموال المتوجبة بذمتها على صندوق الضمان، هذا فضلا عن توقف العمل في المؤسسات والمصالح المستقلة، وشركة “أوجيرو” للمواصلات السلكية واللاسلكية والإنترنت.

وأدت المخاوف من تأثر التداول بالدولار بفعل توقف المصرف المركزي عن العمل إلى اتخاذ بعض المصارف احتياطاتها بتقليص السحوبات بهذه العملة، ولاسيما سحب الأموال عبر الصراف الآلي (ATM) ليقتصر على السحب بالعملة اللبنانية، ما تسبب بإرباكات لدى المواطنين جعلت كثرا منهم يأخذون بشائعات امتدت إلى قطاع المحروقات، حيث أدى تضخيمها إلى مخاوف خيالية عند بعض الناس، من أن عدم القدرة على إجراء التحويلات المالية بفعل إضراب موظفي البنك المركزي قد يؤدي إلى تأخير استيراد البنزين. كما أن بعض شركات الصيرفة عمل إلى الإفادة من القلق عند بعض الأوساط فرفعت بنسبة ضئيلة سعر صرف العملة خلافا للسعر الرسمي.

ونجحت الاتصالات ظهرا في عودة موظفي مصرف لبنان المعنيين إلى ممارسة مهام القطع والمقاصة لتأمين السيولة بالدولار للعمليات المالية ولتسيير شؤون البورصة، بعدما أبلغ حاكم البنك المركزي رياض سلامة نقابة الموظفين أنه تلقى تطمينات من عون والحريري بأن ما يشاع عن المس باستقلالية مصرف لبنان غير وارد وغير صحيح.

إلا أن الإضراب كان امتد إلى أساتذة وموظفي الجامعة اللبنانية وكذلك إلى اعتكاف القضاة بناء لدعوة من “نادي القضاة”، على رغم أن مجلس القضاء الأعلى كان اكتفى السبت الماضي بإعلان أنه لم يتخذ قرارا بعد ويواصل اتصالاته مع المسؤولين (في شأن توحيد معايير الصناديق التعاضدية الذي يشمل صندوق القضاة، لأن مشروع الموازنة يتوخى وضع معايير موحدة للتقديمات بين هذه الصناديق بحيث يتم توحيد مساهمات الخزينة فيها). وانعكس اعتكاف القضاة تأجيلا لجلسات ومحاكمات…

ومع تحرك كبار المسؤولين وصولا إلى اجتماع الرؤساء الثلاثة عون والحريري ونبيه بري ليلا، الذي أكد إثره الحريري أن الكثير مما يقال عن المس بذوي الدخل المحدود ومعاشات المتقاعدين العسكريين وغيرهم، غير موجود في الموازنة، كانت اتصالات الرؤساء الثلاثة دفعت عددا من النقابات قبل الاجتماع إلى الدعوة إلى عقد جمعيات عمومية في الأسلاك التي اندفعت نحو التوقف عن العمل. وركزت بيانات الهيئات النقابية لهذه الأسلاك على أن خفض العجز يتم بوقف الهدر والسرقات، وبالضرائب على المصارف والمخالفات على الأملاك البحرية…

ومع أن الاتحاد العمالي العام أعتبر في بيان له أن “إضراب الزملاء في اتحادات المصالح المستقلة والمؤسسات العامة كان رد فعل محق لمنع المساس بحقوقهم في الموازنة”، فإنه دعا إلى “حوار بناء من اجل صوغ موازنة تقشفية يشارك فيها الاتحاد والهيئات الاقتصادية وصولا الى انجاح مشروع موازنة تقشفية متكاملة”.