IMLebanon

خطوات على درب الإصلاح المالي وتجفيف مزاريب الهدر

كتبت د. مازن ع. خطاب في صحيفة “اللواء”:  

من الخطوات التي من شأنها الحد من هدر المال العام في طليعتها تقويض التهرب الضريبي، وتضييق القطاع العام والغاء المؤسسات غير المنتجة، وتوقيف او تقليص الدعم المالي للهيئات والشركات والمشاريع والجمعيات غير الفاعلة، وتقليص بدلات إيجارات الوزرات والاستعاضة عنها ببناء مجمع خاص بالوزارات تملكه الدولة.

فيما خصّ ترشيد الاِنفاق، فيمكن العمل على تقليص المدفوعات والنفقات التالية: اولاً، خفض النفقات الاستهلاكية؛ ونفقات المفروشات والتجهيزات والانشاءات والصيانة؛ واحتياطي الموازنة؛ اضافةً الى الغاء تدوير الاعتمادات غير المعقودة والاعتمادات المعقودة التي لم تترتب عليها حقوق للغير أو تلك التي لم يبدأ تنفيذها. كذلك يمكن للدولة ان تخفض النفقات السرية للأجهزة الأمنية والتي تلامس ٥٠ مليار ليرة سنوياً.

ثانياً، العمل على خفض كلفة الدين العام، بالتعاون مع مصرف لبنان والمصارف التجارية وكبار المودعين، المرتفعة بسبب سعر فائدة سندات الخزينة بالليرة اللبنانية المتزايد نسبياً، لأنه من واجب القطاع المصرفي ان يساهم في حل أزمة لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية عبر خفض معدلات الفائدة المدفوعة للبنوك، على عكس الاتجاه المعهود لزيادتها.

ثالثاً، يمكن إعادة توزيع وتقليص عدد موظفي القطاع العام خصوصاً في ضوء الاعتماد على المكننة والتكنولوجيا، وتقليص عدد موظفي الـ UNDP في الوزارات. فالدولة اللبنانية تشكو من تضخم كبير في عدد العاملين في إداراتها نتيجة التوظيف السياسي العشوائي في الوزارات والإدارات، وقد وصلت كلفة الأجور في العام ٢٠١٨ ما يُقارب ٥ مليار ليرة لبنانية. ومن الأمثلة عن التوظيف السياسي موظفو مصلحة سكك الحديد المتوقفة منذ العام ١٩٧٥؛ وهيئة قطاع البترول التي أنشأت منذ عام ٢٠١٢ بالرغم ان مشوار لبنان النفطي مازال طويلاً؛ وكذلك موظفو منشآت ومصفاة النفط في طرابلس المتوقفة عن العمل منذ أربعة عقود والبالغ عددهم ٥٠٠ موظّف، قد يفوق تعويض نهاية الخدمة لبعضهم المليار ليرة.

رابعاً، توقيف او تقليص مخصصات كبار المسؤولين في الدولة في حال ثبت ان لديهم مداخيل من مصادر أُخرى؛ الغاء مخصصات ومستحقات الرؤساء والنواب السابقين في حال ثبت ان لديهم مداخيل أخرى. كما يجب توقيف المعاش التقاعدي للعسكريين المتقاعدين الذين يدخلون الندوة البرلمانية.

امّا في الشقّ المتعلّق بالإيرادات، يُنظَر في سبل زيادة الإيرادات دون التطرق الى الزيادات الضريبية الّا بعد تطبيق كافة الخطوات السابقة، وفي حال الحاجة الى تلك الزيادات او الحاجة الى توسيع القاعدة الضريبية. اولاً، يمكن للخزينة زيادة إيراداتها عبر الاستفادة من إيرادات مخالفات السرعة والبالغة نحو ١٠٠ مليون ليرة يومياً، وهي أموال يستفيد منها القضاة ووزارة الداخلية حالياً؛ وزيادة النسبة المستوفاة من أرباح مصرف لبنان؛ وتحسين الجباية في قطاع الكهرباء والمياه، والاتصالات والضرائب وغيرها؛ وتسوية مخالفات الأملاك النهرية والبحرية والتعديات على الأملاك العامة؛ وإلغاء الإعفاءات الجمركية؛ وضبط الحدود والحد من التهريب، واستعادة السيطرة على المرافق المُصادرة لمصلحة المتنفذين.

ثانياً، على المجلس النيابي إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة الذي سيسمح بوضع آلية لتتبّع الاموال المنهوبة في لبنان والخارج وإعادتها الى خزينة الدولة. وفي هذا المجال، صدرت وثيقة عن الأمم المتحدة والبنك الدولي عام ٢٠٠٧ في مناسبة إطلاق مبادرة لمساعدة البلدان النامية على استعادة الأصول المنهوبة، وعلى استثمار هذه الأصول في برامج إنمائية فعّالة، ويمكن للبنان الاستفادة منها. كذلك لا بد من إعادة النظر بقانون سرّية المصارف الصادر عام ١٩٥٦، بحيث تُرفع السرّية عن الأشخاص الذين يتولون إدارة الشأن العام.

ثالثاً، إذا كان لا بد من زيادة الإيرادات من خلال الضرائب، فيمكن رفع الضريبة على فوائد حسابات الشركات الكبرى في المصارف من ٧ الى ١٠ في المئة؛ وزيادة الضريبة على أرباح شركات الـ «أوف شور» (حوالي ٦ الاف شركة) من مليون ليرة لبنانية إلى خمسة ملايين ليرة لبنانية؛ وفرض ضريبة جديدة على منتجات التبغ والكحول؛ وزيادة الضريبة التي يتوجب على كازينو لبنان تسديدها للدولة.

ما تقدّم في جزئيّ هذه المطالعة يؤكّد ان الوضع المالي اللّبناني المأزوم واعادة عجلة التنمية الاقتصادية إلى حالة الدوران يُمكن ان يتمّ عبر لجم الهدر وترشيد الانفاق دون المساس بجيوب اللبنانيين. وعليه، فإن الأولوية في المرحلتين الراهنة والمقبلة هي إيقاف الهدر في المال العام وإخراج الملفات الحياتية الأساسية فوراً من بازارات المحاصصات والصفقات والمحسوبيات، لا أن تقوم الدولة بزيادة ميزانية بعض بنود الموازنة غير الضرورية، ثم تمولها بفرض المزيد من الضرائب على اللبنانيين المأزومين!

الى هذه الدرجة يستخف القيّمون بأموال الدولة التي تُجمع من شَقاء اللّبنانيين الغلابى!