IMLebanon

مبادرات لحل النزاع الحدودي بين إسرائيل ولبنان

مؤشرات إيجابية من بيروت توحي بإمكانية تحقيق اختراق في ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، وسط إدراك لبنان بأنه بات في صراع مع الوقت في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة، والتي قد تأتي رياحها بما لا تشتهيه سفنه.
بيروت – اكتست الزيارة التي قامت بها السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد إلى قصر بعبدا، الخميس، للاجتماع برئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون أهمية استثنائية، خاصة وأنها بحثت في مبادرة لبنانية لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

وذكرت الرئاسة اللبنانية، في بيان صحافي، الخميس، أن الرئيس عون استقبل السفيرة الأميركية وأجرى معها مباحثات تناولت الأوضاع العامة والتطورات الإقليمية.

ووفقا للرئاسة، فإن الرئيس عون قدّم إلى السفيرة “أفكارا تتعلق بآلية عمل يمكن اعتمادها لترسيم الحدود البحرية الجنوبية”.

ويرى مراقبون أن زيارة السفيرة الأميركية لقصر بعبدا تشي بتقدم في ملف ترسيم الحدود، وأن هناك مسحة من التفاؤل بشأن إمكانية حصول خرق في هذا الملف الحساس.

وكانت الدبلوماسية الأميركية قد انخرطت منذ سنوات في مفاوضات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب حول هذه المسألة.

وتلقى لبنان العام الماضي عبر الأميركيين عرضا إسرائيليا لحلّ النزاع الحدودي البرّي والبحري بين لبنان وإسرائيل. وتكتّمت المصادر الرسمية حول تفاصيل هذا العرض، غير أن ما رشح حينها أفاد بأن العرض الإسرائيلي يشمل حلا متكاملا في البر والبحر، وجاء بعد محادثات أميركية- إسرائيلية جرت في تل أبيب بين مسؤولين أميركيين مهتمين بملف النفط البحري بين لبنان وإسرائيل وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

وقد استدعى الأمر حينذاك اجتماعا ثلاثيا بالقصر الجمهوري في بعبدا بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري. ولم تستبعد بعض المصادر اللبنانية أن يكون الاجتماع الثلاثي الجديد الذي جرى الجمعة قد بحث تطورات هذا الملف وأفضى إلى تحرك السفيرة الأميركية الخميس.

وزارت السفيرة ريتشارد أيضا مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، حيث التقت برئيس مجلس النواب نبيه بري واستعرضت معه الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة.

يذكر أن لبنان يواجه نزاعا حول ترسيم منطقته الاقتصادية الخالصة، مع إسرائيل. وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها حوالي 860 كيلومترا مربعا.

ويطالب لبنان الأمم المتحدة بالسعي لترسيم منطقة الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة المتنازع عليهما بينه وبين إسرائيل.

بيروت ترى في الترتيبات التي ترعاها موسكو بين دمشق وتل أبيب نموذجا بالإمكان أن ينسحب على ترتيب تسوية مع إسرائيل
وفيما يتعايش لبنان مع ستاتيكو النزاع حول حدود البلدين منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، يمثل الخلاف حول الحدود البحرية عائقا كبيرا أمام استغلال الحقول المائية للغاز على حدود البلدين.

ولم تستطع المحاولات الدبلوماسية الدولية فرض ترسيم لتلك الحدود يقبل به لبنان وإسرائيل. وتدخل الموفدون الأميركيون مرارا وتكرارا وقاموا بزيارات مكوكية بين البلدين قصد وضع تصور مقبول لهذا الخلاف.

وتزعم إسرائيل أن لها حقوقا داخل المنطقة الخالصة يعتبرها لبنان جزءا من سيادته المائية. وقد رفضت بيروت المزاعم الإسرائيلية وطالبت بأن تمارس حقها السيادي على كامل المياه الإقليمية وأن تستغل مواردها من الغاز والنفط داخل تلك المياه.

ويريد لبنان حصّته كاملة على الحدود البحرية مع إسرائيل غير أن النقاش في هذا الشأن يدور حول الحدود التي رسمها الدبلوماسي الأميركي فريدريك هوف الذي ارتآها مناسبة بين مياه البلدين عام 2012.

ودعا هوف بموجب هذا الترسيم الذي بات يحمل اسمه، لبنان إلى الاستغلال الكامل لـ60 بالمئة من المنطقة المائية الحدودية المتنازع عليها، وتجميد أي استغلال للـ40 بالمئة المتبقية إلى أن تحلّ أمرها مفاوضات لاحقة.

وقد رفضت بيروت “خط هوف” وأصرت على المطالبة بالتحكم بحقوقها كاملة. ورغم زيارات لاحقة قام بها موفدون أميركيون، منهم وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، وآخرهم وزير الخارجية مايك بومبيو إلى لبنان في مارس الماضي، إلا أن موقف واشنطن وموفديها بقي متمسكا بـ “خط هوف” دون أن تظهر أي إشارات أممية أو دولية توحي بحلول أخرى. ما جعل المراقبين يعتقدون أن هذا الخط بات معتمدا دوليا في المرحلة الراهنة.

ويقف نزاع الحدود البحرية حجر عثرة أمام إمكانية تلزيم لبنان للبلوك رقم 9 الحدودي وفق الحصة التي تراها بيروت حقا لها.

ويقول خبراء في شؤون الطاقة والغاز في المنطقة إن موقف لبنان سياسي مرتبط بالنزاع الإقليمي الدولي مع إيران، خصوصا أنه كان لحزب الله موقف عبر عنه الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي هدد بضرب أي منشآت إسرائيلية للتنقيب عن الغاز في المنطقة المائية الحدودية المتنازع عليها.

ويضيف هؤلاء أن دول المنطقة المعنية بموارد الطاقة في المنطقة تسعى لتنظيم علاقاتها بمنأى عن لبنان.

وفي يناير من هذا العام التقى وزراء الطاقة من قبرص ومصر واليونان والأردن وإسرائيل، إلى جانب ممثلين عن إيطاليا والسلطة الفلسطينية، في القاهرة دون دعوة لبنان. وناقش الجميعو سبل التعاون الإقليمي في الغاز البحري. وكان الاجتماع قد أطلق منتدى غاز شرق المتوسط.

وتشعر بيروت في استقبالها مؤخرا لوزيري خارجية اليونان وقبرص، إضافة إلى زيارة الرئيس اليوناني بأن الدول المعنية بغاز شرق المتوسط ركبت قطارا ينطلق دونها. وترددت معلومات في الأسابيع الماضية عن قيام وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أثناء زيارته لموسكو في أبريل الماضي بالسعي لدى روسيا للتدخل من أجل حل النزاع الحدودي بين البلدين، خصوصا وأن شركات نفط روسية (نوفاك) منخرطة في هذا المجال في لبنان.

وقالت المعلومات إن بيروت ترى في الترتيبات التي ترعاها موسكو بين دمشق وتل أبيب (ولاسيما بعد إعادة رفات أحد الجنود الإسرائيليين) نموذجا بالإمكان أن ينسحب على إمكانات ترتيب تسوية حدودية بين لبنان وإسرائيل.

ولا يستبعد المراقبون تنسيقا يجري في هذا الصدد بين روسيا والولايات المتحدة، وأن تكون الأفكار التي قدّمها عون إلى السفيرة الأميركية هي نتاج لتداول جرى أيضا بين بيروت وموسكو.