IMLebanon

الضائقة الماليّة التي يشهدها “حزب الله”…

 

لفترة طويلة، دأب قادة حزب الله على اتباع سياسة التجاهل، بل الاستهزاء بقدرة العقوبات الأميركية على التأثير عليه، والحد من قدرته المالية. الا ان تشديد هذه العقوبات اضطرادا، وانضمام بريطانيا إلى الولايات المتحدة بحظر حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري ضيق الخناق على الحزب الذي بدأ يواجه ازمة برزت مؤخرا من خلال لجوئه الى سياسة تقشفية (تخفيض رواتب الموظفين في مؤسساته الإعلامية الصحية والتربوية والعسكرية واقفال عدد من المكاتب، وتشجيع عدد من عناصره للبحث عن فرص عمل في القطاع الحكومي اللبناني الى جانب اطلاقه حملات للتبرع)، وكذلك عبر سعيه الى مصادر تمويل جديدة قادرة على التحايل على الاجراءات الاميركية. وبالرغم من وضع الخارجية الأميركية حزب الله على قائمة التنظيمات الراعية للإرهاب منذ 1997، الا ان العقوبات القاسية والجدية على ايران وحزب الله بدأت فعليا مع وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض في يناير 2017، حيث أعلن جيف سيشنز، وزير العدل الأميركي حينها، أنَّ تعطيل أنشطة تلك الجماعات وتفكيكها يأتي على رأس أولويات الرئيس ترامب وإدارته. يكشف تقرير صحافي غربي ان «اعداء» حزب الله ركزوا على قدرات الحزب العسكرية باعتبارها مصدراً وحيدا لقوته، متجاهلين مسألة أخرى، وهي موارده المالية. ذلك ان حزب الله بطبيعته الأيديولوجية وهيكليته التنظيمية وتمدده الإقليمي يحتاج قدرات مالية هائلة تتجاوز قدرات أحزاب سياسية عادية. واذا كان العاملان الإيديولوجي والديني يؤديان دورا محوريا في ضمان دعم مجتمعه، فإن الحزب يعول على المال لتنفيذ أجندته، وضمان الولاء ودعم فئة واسعة من المجتمع اللبناني له. اعتمد «حزب الله» منذ تأسيسه في الثمانينات، بصورة شبه تامة على المال الآتي من إيران. مستخدما أساليب مختلفة لنقل تلك الأموال بما فيها «تجار الحوالة». وفي مقابلة تلفزيونية أجريت في عام 2016 اعلن نصر الله بأنَّه «طالما أن هناك أموالا في إيران فنحن لدينا أموال.. ولا يستطيع أي قانون أن يمنع وصول هذا المال إلينا». الا ان فرض الولايات المتحدة، في اكتوبر الماضي رزمة جديدة من العقوبات ضد قطاعات النقل والنفط المصارف الايرانية قد يسهم في عزل حزب الله عن النظام المالي الدولي، وتقليص تمويله من شخصيات أجنبية مستهدفة وهيئات رسمية معروفة بدعمها أو مناصرتها للحزب وشبكات مرتبطة به.

ورغم أن أحداً لا يعرف حجم الميزانية السنوية للحزب، فإن معظم التقديرات الأخيرة تشير إلى أن الدعم الإيراني يشكل ما بين 70و 80 في المئة من ميزانية الحزب. الممثل الخاص للشؤون الإيرانية في الخارجية الاميركية براين هوك اعتبر في ابريل الفائت أن إيران تساهم بنحو 70 في المئة من ميزانية «حزب الله» السنوية المقدرة بنحو مليار دولار. من دون أن يثبت ذلك المعدل بسبب غياب الشفافية وتوسع أجندة الحزب في السنوات العشر الأخيرة. وبحسب تقرير سابق لوزارة الخارجية الأميركية، ينفق النظام الإيراني 700 مليون دولار سنوياً على ميليشيات الحزب. وإضافة الى الأموال الآتية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية اعتمد حزب الله خلال السنوات الأخيرة، سياسة تمويلية جديدة قائمة على تنويع مصادر دخله المالي مع مجموعة متنوعة من خطط التمويل المعقدة الأخرى، التي تتطلب استراتيجيات متعددة لمواجهة تمويله، وذلك بهدف تقليص محاولات ربطه ماليا بإيران وكسب مرونة اكبر في النفاذ من العقوبات المالية الاميركية. الى جانب أهداف أخرى، منها تخفيف العبء المتزايد على إيران نظرا لاتساع أجندتها الإقليمية. ولتحقيق تلك الغاية، بنى الحزب اقتصاداً موازياً خاصاً داخل لبنان، وانغمس في نشاطات اقتصادية ومالية عبر القارات، من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية وآسيا. وشملت نشاطاته كما تقول بعض التقارير الغربية «الاعمال القذرة» العابرة للحدود مثل تجارة المخدرات في أميركا اللاتينية وعمليات تبييض الأموال في بعض الشركات في أوروبا والشرق الأوسط. وكشفت تقارير صحافية غربية عن أن حزب الله بدأ تسلله لأميركا اللاتينية في أواسط الثمانينات، حيث أنشأ أول معقل كبير له في منطقة حدودية ثلاثية، وهي منطقة خارجة عن القانون نسبيا وتفتقر إلى الإطار التنظيمي لمكافحة تمويل الإرهاب على حدود ثلاث دول وهي الأرجنتين والبرازيل والباراغواي… وهذه الأنشطة والأعمال كانت مدرّةً لأرباح كبيرة بكل المقاييس، وينقل تقرير صدر سنة 2009 عن مؤسسة «راند» الأميركية، إن حزب الله كسب قرابة عشرين مليون دولار في السنة في تلك المنطقة.