IMLebanon

بطريرك الاستقلال الثاني (بقلم رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض)

كتب رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض في “النهار”:

منذ تولّي الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير سُدّة البطريركية المارونية في العام 1986، نشأت بينه وبين الرئيس الشهيد رينه معوض علاقة وطيدة من الثقة والمحبة، قائمة على الهموم الوطنية المشتركة والنظرة الواحدة إلى الحلول المطلوبة لإنقاذ لبنان من الحرب، واستعادة السيادة والقرار الحر، وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها واللحمة والعيش معاً بين اللبنانيين ومعالجة همومهم. وهذا الأمر تجسّد في السعي المشترك لدى الرجلين لإقرار اتفاق الطائف وفق مفهمومها المشترك لمصالحة وطنية لا تستثني أحداً، ولتكريس عناوين السيادة والانسحاب السوري، حل كل الميليشيات من دون استثناء وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل مساحة الوطن، وتكريس الشراكة الحقيقية والمتوازنة في بناء الدولة والسلطة بعيداً عن أي تدخل خارجي.

اغتالوا رينه معوض فسقط “الطائف”، لكن البطريرك صفير لم يستسلم، فكان أن أطلق نداء مجلس المطارنة الموارنة التاريخي في أيلول الـ2000. ولم يكن أمامنا غير الالتفاف حول البطريرك صفير والكنيسة المارونية، فشاركت مع الوزيرة نايلة معوض ونخبة من الشخصيات السيادية في تأسيس “لقاء قرنة شهوان” برعاية مباشرة من بكركي وغبطة البطريرك، وكنت يومها مع الوزير الشهيد بيار الجميل أصغر أعضائها، فأصرّ سيدنا البطريرك على أن يكون حاضناً لي كأب بعدما خسرت والدي الشهيد.

وخضنا بقيادة غبطة البطريرك معركة استعادة السيادة والشراكة، بدءًا من مصالحة الجبل مروراً بالبريستول وصولاً إلى 14 آذار، وإلى تحقيق حلم اللبنانيين في 26 نيسان الـ2005.

كان همّ البطريرك صفير يرتكز على 3 محاور مترابطة وغير قابلة لأي مساومة: الحرية التي تعلو ولا يُعلى عليها، وهو ابن كنيسة فقيرة مقاومة ناضلت وعاشت في المغاور والوديان دفاعا عن هذه الحرية، العيش المشترك بين اللبنانيين على أسس التعددية والتوازن، لأن لا لبنان من دونه، وليست مصادفة أن يكون البطريرك صفير وُلد مع ولادة لبنان الكبير في العام ١٩٢٠، وثالثاً الدولة القوية كأساس لا غنى عنه، الدولة التي تحمي الحريات وتحصّن العيش المشترك، الدولة السيدة والحرة والمستقلة التي لا تقبل أي شريك لها، والتي بالنسبة إليه هي رديف للكيان والهوية اللبنانية.

في كل لقاء كنا نعقده معه كان يحاول بثّ كل المعنويات، ولطالما كان يدعو إلى عدم اليأس أياً تكن الظروف “لأن دوام الحال من المحال” كما كان يقول دائماً. ظنّ البعض أن نداء أيلول الـ2000 كان بمثابة انتحار سياسي، نظرا الى الظروف الداخلية والخارجية آنذاك، لكننا آمنّا كما آمنت أكثرية اللبنانيين بأننا قادرون بقيادة البطريرك صفير على تحقيق المعجزة، وهكذا كان. ختيار بكركي ببساطته المعهودة كان العين الساهرة التي قاومت المخرز. قال ما قاله وأمّن عبر مقاومته والمصالحات الوطنية مواجهة سياسية للاحتلال التي قامت على قاعدة “فرّق تسد”، فأرسى الثقة بين الشركاء في الوطن، وأمّن الأرضية الخصبة التي حولت اغتيال الرئيس الحريري الى لحظة توافق وانتفاضة وسيادة وثورة أرز في سبيل لبنان بعيداً عن أي حسابات فئوية.

رحم الله بطريرك الاستقلال الثاني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وحمى الله لبنان كما أراده عظيمنا الراحل.