IMLebanon

غبطة الزاهد…

كتب وزير الداخلية السابق زياد بارود في جريدة “النهار”: 

في حضرة غيابه، وذكره مؤبّد، سيقال من الكلام عن الهامة الجليلة ما قد لا يكفي لإنصاف الرجل، وهو مستحق. لذلك، أودّ أن أتوقّف فقط عند صفةٍ واحدةٍ شديدة التعبير عن شخصيةٍ إستثنائية بصلابتها، وقد التصقت به منذ تولّى خدمته البطريركية، بل ربما قبل ذلك أيضا: زهده عن كل شيء. وفي ذلك، يذكّر بكلامٍ محبّب لدولة الرئيس سليم الحص يقول: “يبقى المسؤول قويا إلى أن يطلب أمرا لنفسه”…

تقرأ أنطوان سعد في “السادس والسبعون” فلا تجد الخوري نصرالله صفير باحثا عن موقع أو شرفيّة. تقرأ عن المطران نصرالله صفير، فلا تراه “مستبطركا”. وتقرأ عن مار نصرالله بطرس وتعايشه، فتراه هو هو، الريفوني الأصيل وفي حلّته البطريركية شيء من كسروان العاصية، إنما في تواضع الكبير وثقة المؤمن، وخصوصا: في زهدٍ لا تعرفه الحياة عموما إلاّ في النادر. زهدٌ في الموقع، أينما حلّ، ولو على رأس كنيسةٍ ضاربةٍ في عراقة الأودية المقدّسة ومغاور الصلاة ومواجهة الاضطهاد. زهدٌ في الإطراء والثناء، حيث “ما قلناه، فقد قلناه”. زهدٌ في الحصول على المقابل، أي مقابل، وهو يعرف تماما أن المواقف الوطنية الصلبة لا مردود لها إلاّ في القناعات وعند الناس الطيّبين الذين يفتقدونه اليوم. زهدُ البطريرك صفير وهو في صومعته يصلّي من أجل لبنان ويعمل من أجله، يدقّ ناقوس خطر داهمٍ هنا ويحدّد مسارا وطنيا هناك، غير آبهٍ بظرفية الأمور، متطلعا نحو الأفضل للبنان المجد الذي أعطي له. وزهدُه الزهد هو عندما اختار أن يسلّم الأمانة ويمضي، كبيرا، مترفعا… يخرج من عباءة البطريركية – الرئاسة ليدخل إلى التاريخ بعباءة البطريركية-الرمز. كم قلّة هي حفنة الناس الذين يخرجون من تحت الأضواء إلى صومعة الزهد والصلاة. كم محترمٌ أنت يا بطريركنا وكم أنت أمثولة… وكم جميلةٌ المكانة التي حفظها لشخصك ولتاريخك ولموقعك، خلفك غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، إحتراما وخشوعا أمام ما أنت…

حسبُ البطريرك-الرمز أنه عاش متصالحا مع مبادئه غير مساومٍ عليها. حسبُه أنه عاش كما يفكّر ولم يفكّر كما أريد لنا أن نعيش. حسبُه أنه سيبقى معلّما لمن أراد أن يتتلمذ على يدِ عناده في الحق وقيمه التي لا مساومة فيها وقوته في قول “لا” حيث تدعو الحاجة… حسبُه أنه حاز من الاحترام جلّه، وهو مستحق مستحق…