IMLebanon

الموازنة تمدّد مهل تراخيص البناء للأجانب: تشجيع للمضاربات العقارية

كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:

قرّرت الحكومة، في مشروع موازنة 2019، تمديد مهل التراخيص الممنوحة للأجانب المتملّكين عقارات للبناء عليها. التمديد ثماني سنوات يحرم المالية العامة من مداخيل ضخمة، ويشجّع على المضاربات العقارية.

فيما تخطّط الحكومة للاقتطاع من رواتب المتقاعدين وموظّفي القطاع العام ومخصَّصاتهم بحجّة التقشّف وخفض العجز في المالية العامّة، تجهد ــــ في المُقابل ــــ للتفريط بالأموال والإيرادات المُستحقّة للخزينة العامة. هذا الانفصام في آلية عمل السلطة، تعبّر عنه المادة 29 من مشروع قانون موازنة 2019 التي تقضي بتمديد مهل التراخيص المنتهية الصلاحية الممنوحة للأجانب الذين يتملّكون عقارات في لبنان للبناء عليها، لمدّة 8 سنوات إضافية، قبل بيعها لمصلحة الخزينة.

وتنصّ المادة 29 على تعديل المادة 11 من المرسوم الرقم 11614/1969 وتعديلاته الصادرة عام 2001، والتي تفرض على غير اللبنانيين الذين اكتسبوا حقوقاً عينية عقارية في لبنان بإنجاز البناء على الحقّ موضوع التملّك في مهلة أقصاها خمس سنوات من تاريخ التسجيل، قابلة للتمديد مرّة واحدة (أي عشر سنوات)، تحت طائلة سقوط الحقّ وبيعه من قِبَل وزارة المال ومصادرة كامل الربح الناتج من البيع لمصلحة الخزينة.

وبموجب مشروع الموازنة، تمّ التغاضي عن بيع الرخص المنتهية الصلاحية بالمزاد العلني، ومُنح المالكون الأجانب ثلاث سنوات جديدة للبناء. أكثر من ذلك، ففي حال انقضاء المهلة مجدّداً من دون تشييد البناء، يتمّ فرض غرامة سنوية تراكمية نسبتها 2% من قيمة العقار، على أن لا يُباع في المزاد العلني إلّا عند بلوغ الغرامة 10% من قيمته، أي خمس سنوات إضافية. يعني ذلك، عملياً، إعطاء المالكين الأجانب المنتهية صلاحية رخصهم مهلة 8 سنوات إضافية لتطبيق القانون بدل بيع العقارات لمصلحة الخزينة.

في الواقع، ما تقوم به السلطة، بوقاحة فجّة، هو تحفيز المالكين الأجانب على المضاربات العقارية، واستباحة أموال الخزينة لمصلحة إعفاء هؤلاء من موجب تطبيق القانون، وتكريس «قدسية ملكيتهم» من خلال تمييع المهل وتمديدها، في مراهنة على عامل الوقت لتحسّن السوق العقارية الراكدة، وبالتالي بيع العقار لاحقاً لتحقيق أرباح إضافية قد لا يحقّقونها حالياً.

وفق المهندس الإستشاري راشد سركيس، تنطوي طريقة مقاربة الحكومة لقضية تملّك الأجانب على «خلل أساسي يتمثّل في تخلّي المالية العامّة عن حقوقها الكبيرة»، لافتاً إلى أنّه كان من الأفضل للخزينة الإبقاء على المزاد العلني بدل وضع غرامات متدنية، باعتبار أن المزاد «يجني نتائج مالية أفضل بكثير، وهو لا يطاول الملكية العقارية غير المبنية فقط، بل كل العقارات والشقق التي يملكها الأجانب، ما ستكون له انعكاسات كبيرة على مداخيل الخزينة، ولا سيّما أن القيمة العقارية قد تضاعفت أكثر من مرة في الفترة المُمتدة بين 2007 و2010».

ويرى سركيس أنه يمكن اتخاذ بعض الإجراءات التي تمكّن الدولة من إعادة ضبط الملف والتحكّم بالمردود المتوجّب على هذه العقارات وتوفير مدخول كبير من خارج الحدود، منها:

* وضع أسباب موجبة تُبيّن حق الأجنبي بالاستفادة من مهل قانونية وتحديد الوقت المناسب حسب الفترة التي حصل خلالها عدم استقرار في الوضع، «وبالتالي يمكن اعتبار تمديد المهل على أساس عشر سنوات عادلاً ومُفيداً ويحفظ حق الخزينة».

* فرض تقييم مالي عقاري لكل العقارات المملوكة من أجانب وفرض ضريبة عليها ووضع تسهيلات وحسم بنسبة لا تزيد على 40% على الضريبة المستحقة للخزينة جراء الربح الذي يجنيه المُستثمر في عقار على الأراضي اللبنانية إذا هو سدد خلال فترة ستة أشهر أو سنة من تاريخ صدور الموازنة العامة.

اللافت هو ما يشير إليه سركيس لجهة ضرورة تحقيق العدالة بين اللبناني الذي تفرض عليه بعض الرسوم والمتملّك غير اللبناني الذي يستفيد من تمديد المهل، فيما يحرم غيره من ذلك، من دون أسباب موجبة ومنطقية.