IMLebanon

“خمسة ونص”: تشويق سياسي أم “روايات عبير”؟

كتب وسام كنعان في صحيفة “الاخبار”:

منذ بداية الأحداث، يمارس مسلسل «خمسة ونص» (كتابة إيمان السعيد ـ إخراج فيليب أسمر ـ بطولة قصي خولي ونادين نسيب نجيم ورفيق علي أحمد ورولا حمادة) لعبة الدجل التلفزيوني على مشاهديه. تفتتح ستارة الحكاية على حادث سير لابن رئيس حزب سياسي لبناني كبير يودي بحياته، مما يستدعي منه طلب ابنه غمار الغانم (قصي خولي) المقيم في دمشق من زوجته الأولى المتوفية ليحضر مراسم العزاء، ويتحضّر كي يكون بديلاً لأخيه من أجل خوض ميدان السياسة وتسيّد المشهد القيادي خلفاً لـ «الغانم» (رفيق علي أحمد). الحادثة تحيل المتابع إلى شواهد حقيقية حصلت في أكثر من بلد عربي. ويبدو واضحاً أن الهم الرئيس منها الإيهام بأن ما سيتابعه المشاهد هو دراما سياسية تقتحم كواليس السلطة، وتكشف خبايا القصور، وتتسلل إلى مطبخ لعبة خطيرة، وتكاشف طريقة توضيب التوريث السياسي لمقاعد المسؤولين في بلد يترنّح أمام تناحرات القوى الحزبية مثل لبنان.

مجموعة من الاستعراضات، والحركات التأسيسية تجرّب إحالة الشخصيات إلى مردّاتها الواقعية. ربما تنجح تلك الأسلوبية في التوطئة والاستهلال الناجع للقبض على اهتمام الجمهور، لكن سريعاً نكتشف حجم المقلب الذي أكلناه. العمل لن يذهب سوى لسقوفه المتوقعة: قصة حب متآكلة من كثرة التكرار لكنّها هذه المرّة أكثر سذاجة، كأنها جزء ثان من مسلسل «جريمة شغف» (نور الشيشكلي ووليد ناصيف). لعلّ الإحالة لدى المشاهد المتمرّس تحصل بذريعة بطل العملين قصي خولي والجوهر السردي، إلى جانب منطق الإخراج اللبناني المتداول هذه الأيّام، وينطلق من مرجعية الفيديو كليب، إلى جانب سطحية تجاهر بنفسها لدى صياغة الحلول، وحوارات الحب المكتوبة بمزاج رديء والمبررات المهلهلة!

يلتقي ابن الحسب والنسب الذي يتباهى غالبية الوقت بغرّته، وطلّته الشابة، بالطبيبة بيان نجم الدين المختصة بالأورام (ندين نسيب نجيم) وقد ورثت عن أبيها حصّته في مسشفى ضخم، وراحت نحو عراك يومي مع شركاء يريدون شراء حصّتها من الصرح الطبي، إلى أن يلفّقوا لها قضية أدوية فاسدة، تموت إحدى المريضات على إثرها. هنا، يتدخّل ابن الغانم ليحرر شيكاً بالمبلغ المطلوب ويقنع حبيبته بالتنازل عن حصّتها.

التصعيد التراتبي في حبكة العمل يسير في خط يوازي «روايات عبير». إذ ترفض الطبيبة أوّلاً الشاب الولهان الذي ينسى تماماً كارثة عائلته، وأملاكها وهمومها السياسية، ويتحوّل إلى مراهق يطارد فريسته التي تتهرّب منه، ثم يسيطر عليها بضربة قاضية تجسّدت في حل درامي «عبقري» من خلال رصد فتاة أحلامه في كل مكان عام تسهر فيه، ثم محاولة توصيلها بالسيارة الفاخرة. تلي ذلك كميّات كبيرة من الورود التي تحبّها، وسهرة على ضوء الشموع والموسيقى في المكان الذي تختلي فيه بنفسها. بعد ذلك تبدأ قصّة حب قوامها مجموعة كليبات متواصلة، وإنسيرتات معتادة لبيروت من أماكن عالية، على نور السيارات والشوارع.

هذه الفواصل إن لم تكن موظفة في سياق بصري يخدم البنية الدرامية، فإنها تُستخدم غالباً عند الضعف الإخراجي وقصوره عن إيجاد بدائل بصرية لتمرير الوقت. وغالباً ستنقلب قصّة الحب إلى ضرب من الخيانة المؤذي ربما عندما تعجب الطبيبة بالمرافق الشخصي لزوجها غمار بعد أن تنزعج من اقتحامه لخصوصيتها، ومراقبته الدائمة لها. الرجل يصبح مسؤولاً عن حراسة زوجته الشخصية كونه يتعدى مكانه كسائق وحارس أمني، ليحتل مطرحه كأخ ورفيق حقيقي لمعلّمه!

الصدمة الحقيقية في «خمسة ونص» هي في ما ينجزه نجوم المسلسل من أداء! ربما لا يُلام الممثل إن بدا غير مقنع في حال لم تكن بين يديه مادة مكتوبة بمهارة تحريضية لخياله، وبالتالي أخذه نحو عوالم شخصية يفترض أن يتكئ في صياغتها أوّلاً على الورق المكتوب، بمنطق يحفّز مهارات فن الأداء، على أن تدار طاقة اللعب أمام الكاميرا من قبل مخرج ناضج معرفياً يقدر على ضبط فريقه. على أيّ حال، يبدو فيليب أسمر كأنّه غائب تماماً عمّا يجري أمامه، كلّ ممثل يشتغل على مزاجه! أداء قصي خولي ما زال على حاله كما في السنوات الأخيرة، ينضم إليه هذه المرّة معتصم النهار! الشاب الوسيم ــــ عدا عن مشهد محاولة اغتيال بيان نجم الدين في الحلقة 14 وإصابته برصاصة ـــ يمثّل بشكله فقط. يبدو كمن لم يعرف عن مهنة الـ «بودي غارد» سوى التلفّت حوله، والتركيز على السماعات في أذنه! أما نادين نجيم التي مشت خطوات لا بأس بها على درب الاحترافية في التمثيل خاصة العام الماضي، عندما لعبت قرب النجم عابد فهد بطولة مسلسل «طريق» (كتابة فرح شيّا وسلام كسيري- إخراج رشا شربتجي)، فإنها تطلّ هذه المرّة كما اعتادها المشاهد منذ أن بدأت هذه المهنة بالشكل البرّاني نفسه وردّات الفعل ذاتها. لعلّ الرابح الأكبر من هذا العمل رولا حمادة. ربمّا باجتهاد شخصي منها، تقدّم حمادة مقترحاً أدائياً لشخصية «سوزان» (زوجة الغانم في إحالة اسمية لزوجة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك). تجسّد حمادة شخصيتها بمزج عال بين مكوّنات شخصيتها النفسية وصورتها الخارجية، بدءاً من مربّع الأم المكلومة بوحيدها وصولاً إلى التورط في المؤامرات والاستئثار بالسلطة والغيرة من ابن ضرّتها كبديل لابنها وخليفة لأبيه!

في نسبة كبيرة مما يحققه العمل التلفزيوني حتى الآن، يفترض التذكير بأن المال والشهرة لا يعنيان بالضرورة تشييد حالة عداء جذري مع الفكر والوعي والحد الأدنى من الفن وإن كان استهلاكياً!