IMLebanon

معادلة “كروز” اليمنية: المطار مقابل المطار!

كتب خليل كوثراني غي صحيفة “الاخبار”:

تنجح صنعاء في تنفيذ تهديداتها للتحالف السعودي الإماراتي، سواءً بما خص «معادلة المطارات» الجديدة، أو الإبقاء على مرحلة التصعيد التي دشّنتها قبل أسابيع. وإذ يبدو التصعيد في سياق إقليمي يصبّ في صالح طهران ومعركتها، يصرّ اليمنيون على عدم ترابط المسارين، مؤكّدين أن بإمكان الرياض أن «تجرّب» استقلال القرار اليمني من خلال الجنوح نحو التهدئة والتراجع عن التعنّت في عدم توسيع اتفاق السويد ليشمل الملف الإنساني الآخذ بالتفاقم. على ضفة الحدث، يثبت المقاتل اليمني مرة جديدة قدرته على مراكمة التجارب والحفاظ على خط بياني تصاعدي لقدراته الآخذة بالتوسّع كماً ونوعاً، على النقيض تماماً من الغاية السعودية من حرب طال أمدها وتعسّرت ولادة أي من أهدافها، ما سيفرض مع الوقت على الرياض حسابات أشدّ إيلاماً.

هنّ سبع مسيّرات أغرْن على خط أبقيق ــ ينبع، منتصف أيار الماضي، في هجوم يعرف في اليمن بـ«عملية التاسع من رمضان»، إيذاناً بمرحلة جديدة من الصراع. ما حصل أمس، لم يكن سوى محطة جديدة في المرحلة التي دشّنتها صنعاء في إطار تصعيد الردود على الحملة السعودية الإماراتية ضدّ اليمن، وأعدّت لها 300 منشأة حيوية كأهداف محتملة. يضع مصدر قيادي في حركة «أنصار الله» استهداف مطار أبها (مطار إقليمي في عسير جنوبي السعودية يسيّر رحلات داخلية وخارجية) في إطار معادلة بسيطة: افتحوا المطارات اليمنية، يتوقّف استهداف مطارات السعودية والإمارات. ما هي إلا ساعات على كتابة رئيس وفد صنعاء التفاوضي، محمد عبد السلام، تغريدة يعلن فيها بصراحة نية صنعاء استهداف المطارات الإماراتية والسعودية، حتى نفّذ التهديد بضربة صاروخية، اعترفت بها الرياض، وتسبّبت في تعطيل المطار. إذ قال عبد السلام الأحد الماضي: «بشأن جريمة إغلاق مطار صنعاء الدولي وتقاعس الأمم المتحدة عن فعل أي شيء، وتراجعها عن الجسر الجوي الطبي للأمراض المستعصية وما نجم جراء ذلك من مآس إنسانية، فقد وجب إفهام دول العدوان بأن مطاراتها في مرمى النيران، وأن إغلاقها أو إصابتها بشلل تام هو أقرب الطرق لفك الحصار عن مطار صنعاء».

قد تكون المرة الأولى التي تقارب فيها صنعاء أهدافاً مدنية بهذا الحجم، إلا أن مصادر معنية في القوات اليمنية، تشدّد في حديث إلى «الأخبار»، على تبرير «مشروعية» هذه الأعمال، عازية ذلك إلى «التحذير الذي قدّمه الناطق باسم القوات المسلّحة، العميد يحيى سريع، بضرورة تجنّب المدنيين المطارات والمنشآت الحساسة في دول العدوان»، من جهة، ومن جهة ثانية كونها الورقة الأخيرة الناجعة للمواجهة بعد أربع سنوات من الحرب لم توفّر شيئاً في البلاد كما تؤكد الأرقام، آخرها التقرير الذي نشرته منظمة «يونيسف» التابعة للأمم المتحدة، قبل أيام، ويفيد بوفاة أمّ و6 مواليد كل ساعة في اليمن.

منذ عملية «التاسع من رمضان»، لم تهدأ المبادرات العسكرية اليمنية باتجاه السعودية، منها ضرب مخازن أسلحة ورادارات وغرف تحكّم في قاعدة «الملك خالد» الجوية في خميس مشيط بعدة طائرات «قاصف k 2»، واستهداف مرابض ومحطات الطائرات بلا طيار في مطار جيزان بصورة مشابهة، فضلاً عن الهجوم الواسع في نجران، والذي أسفر عن سقوط 20 موقعاً سعودياً في 72 ساعة، ولم تنجح 75 غارة جوية في إيقافه. تصعيد بات يعطي انطباعاً عن تحوّل في صناعة رد الفعل اليمني على الحملة السعودية الإماراتية، ينتقل بالعمليات العسكرية اليمنية، كماً ونوعاً، وبطبيعة أهدافها، تكتيكياً واستراتيجياً، إلى مستوى مختلف باتت فيه العمليات «النوعية» شبه يومية، بعدما كانت أسبوعية أو شهرية حتى. وصارت هذه العمليات تتّسم بالمبادرة والحرص على الإيلام، ومرشحة لأن تصنع في حال استمرارها توازناً لا ترغب به السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة. «الأسوأ» بالنسبة لهؤلاء ليس فقط تكشّف الواقع «المعاكس» تماماً لأهداف الحرب بعد سنوات، بل أيضاً تظهير فشل السلاح الأميركي وعجز تقنيات «الحماية» ومنظوماتها في الميدان عن صدّ هذا النوع من الهجمات المعتمدة على تقنيات كالطائرات المسيرة، وترسانة صواريخ تزداد كمّاً ودقّة وفاعلية ومدى، وتعصى في الوقت نفسه على محاولات التدمير والعرقلة رغم الحصار المحكم وتقنياته.

تحذّر مصادر عسكرية من أن «كل المطارات في السعودية والإمارات في دائرة الاستهداف حتى فتح مطار صنعاء»، مؤكدة أن لديها «القدرة على تنفيذ التهديد». وتوضح المصادر أن المستهدف هو برج مطار أبها الذي ضُرب وتعطّل، وليس قاعة المطار كما أشارت السلطات السعودية، لكنها تتكتّم على نوعية الصاروخ، مكتفية بما نشر حول نوعيته: «كروز» (مجنّح) بمدى 2500 كلم. وتضيف: «فلتأخذ قوى العدوان وقتها في فحص بقايا الصاروخ، ونحن قد نعلن لاحقاً تفاصيله في الوقت المناسب». إلا أن البحث في أرشيف القوات اليمنية يظهر عمليتي إطلاق سابقتين على هجوم أبها لهذا النوع من الصواريخ؛ الأولى «تجريبية»، والثانية استهدفت في عملية أحيطت بالتكتّم الشديد مفاعل براكة النووي في أبوظبي، عام 2017.

اللافت أن القوة الصاروخية اليمنية كانت عرضت مشاهد لإطلاق صاروخ «كروز»، تظهر رغم عدم وضوحها التام معالم التقنية العالية لهذا النوع من الصواريخ، الذي يبدأ عملية التحوّل ـــ بعد إطلاقه ــــ إلى ما يشبه طائرة صغيرة بطول حوالى 5 أمتار، تحمل رأساً متفجّراً يصل أحياناً إلى أكثر من 400 كلغ، ويتخلّص بعد ثوان من الإطلاق من محرّكه الداعم. ومن خصائصه القدرة على المناورة والتسلّل والملاحة الذاتية، والارتباط بنظام الأقمار الصناعية «GPS» ما يمنحه دقّة إصابة الأهداف بمطابقتها مع صور في برنامجه الحاسوبي بهامش خطأ يقدّر بأمتار فقط (يقدّرها البعض بـ 10 أمتار). ويعدّ نجاح القوات اليمنية في استخدام هذا الصاروخ بعيد المدى وبطيء السرعة في الأراضي السعودية إنجازاً لجهة تسلّله عن أعين الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي الأميركية المتطورة، وكذلك لكون هذا النوع من الصواريخ يواجه مشكلة في الطبيعة الصحراوية، وهو ما صعّب على الأميركيين مهمة قصف بغداد بـ«التوماهوك» إبان «عاصفة الصحراء»، واضطرهم أحياناً إلى إطالة المسافة تحاشياً للأراضي الصحراوية.

أعادت عملية أبها مشهد الاستنكار الإقليمي والدولي لهجوم خط أنابيب النفط السعودي، إلا أن مصدراً قيادياً في «أنصار الله» لم يتوقّف عند هذه التصريحات، مقابل ما يؤكد أنه «حق مشروع» تقابل به صنعاء الرياض «بالمثل». لكن المصدر يشير لـ«الأخبار» إلى أن كل عمليات الربط السابقة والحالية مع ما يحدث في الإقليم، وملف إيران تحديداً، لن تنجح هذه المرة، وذلك لأن «تهديدنا سبق العملية، ولتجرّب دول العدوان إذا أوقفت حصارها لمطاراتنا فستتوقّف هذه الهجمات… وإذا لم تفعل ستواجه ردّنا المشروع حتى لو اتفقت الدول الخليجية مع إيران وانتهت تلك الأزمة». ويبقي المصدر الباب مفتوحاً على احتمالية تكرار هجمات مماثلة، لافتاً إلى أن إغلاق المطارات اليمنية (ليس فقط مطار صنعاء، كون الاعتداء يلحق مطارَي عدن وسيئون كذلك عبر الإغلاق المتقطّع) قد بلغ حداً «لا يمكن السكوت عليه» لما له من آثار سلبية على الملف الإنساني، محمّلاً الرياض وأبو ظبي «مسؤولية التصعيد، للتعنّت في رفض أن يشمل اتفاق السويد ملفات أخرى غير الحديدة، كوقف إطلاق النار وفتح المطارات». ويسخر المصدر من التعليقات السعودية الرسمية التي تعزو العملية إلى الحرس الثوري الإيراني، بالقول «إنهم حرس مطار صنعاء!».