IMLebanon

الكلام عن التوطين يتفاعل.. فماذا عن المبادرة العربية للسلام؟

كتب أنطوان الأسمر في صحيفة “اللواء”:

هناك شبهة لبنانية من مسعى ما لملاقاة خريطة الطريق الأميركية من خلال التقليل من أرقام اللاجئين، حسب إحصاء لجنة الحوار.

أعادت الورشة الاقتصادية في البحرين، معطوفة على خريطة الطريق التي وضعتها الإدارة الأميركية لإعادة إطلاق المفاوضات العربية – الإسرائيلية من باب صفقة القرن القائمة على تشجيع الفلسطينيين وما كان يُعرف بدول الطوق على مقاربة جديدة للعلاقة مع إسرائيل، البحث الدولي الجدي بتوطين اللاجئين في أماكن إقامتهم أو إعادة توطينهم في دول ثالثة، في حال تعذّر التوطين في دول اللجوء وهو الطرح الأكثر جدية أميركياً.

ولم يخف عرّاب صفقة القرن، جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأميركي، أن أحد أعمدة إنجاح الصفقة العطاءات المالية عبر 179مشروعا اقتصاديا ضخما في قطاعات الصحة والتربية والطاقة والمياه والتكنولوجيا المتقدمة والسياحة والزراعة، تناهز قيمتها الـ٥٠ مليار دولار، للاجئين في كل من لبنان (5 مشاريع بقيمة 6.3 مليارات) والأردن (12 مشروعاً بقيمة 7.4 مليارات) والضفة الغربية وغزة (147 مشروعاً بقيمة 27.5 مليارا) ومصر (12 مشروعاً بقيمة 9.1 مليارات).

اللافت أن هذا الدعم المالي محصور، وفق رؤية كوشنير، بالفلسطينيين اللاجئين في الدول الثلاث، وتاليا هو دعم لن يصل إلى خزائن هذه الدول، بل هو عبارة عن مشاريع يجري تنفيذها بإشراف الجهة الواهبة، وهي ستطال على الأرجح البنى التحتية المسهّلة لحياة اللاجئين، ما يطرح تساؤلاًعن قدرة الدول الثلاث المعنية انطلاقاً من الحق السيادي، على التأثير والتدخل والتوجيه، وحتى على مجرّد الإشراف.

وتكمن مخاطر الوجودية ديموغرافيا وسياديا الماثلة لبنانيا في المسعى القائم في عواصم القرار لربط أي مساعدات أو دعم أو قروض للبنان، حتى تلك المرتبطة بمؤتمر سيدر الباريسي بفكرة تقبّل لبنان البحث في إمكانات توطين اللاجئين (الفلسطينيين والسوريين على حد سواء) من باب الموافقة على دمجهم مجتمعيا واقتصاديا ومدنيا، كمقدمة لدمجهم سياسيا، وتاليا منحهم كل حقوق المواطَنة اللبنانية.

يُستعاد في هذا السياق ما سمّي الإحصاء الذي قامت به لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني والذي حصر عدد اللاجئين بنحو 140 ألفا، في مخالفة للواقع وللأرقام المعترف بها دوليا وخصوصا من جانب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، إذ يبلغ عدد الفلسطينيين المسجلين في لبنان لديها 450 ألف فلسطيني، في وقت تشهد اقتطاعات جذرية من المساعدات المالية التي تحظى بها (على سبيل المثال، أوقفت الولايات المتحدة كلياً مساهمتها في ميزانية الأونروا والبالغة 144 مليون دولار).

وتأتي استعادة إحصاء لجنة الحوار انطلاقا من أنه قابلته في حينه شبهة لبنانية من مسعى ما لملاقاة خريطة الطريق الأميركية، من خلال التقليل من الأرقام للحد من حجم أي اعتراض لاحق على شبهة المسعى التوطيني.

يتبيّن من كل ذلك أن التحذير الذي سبق للتيار “الوطني الحر” ان أطلقه على إمتداد الأعوام الفائتة من مخطط جدي لإعادة البحث في توطين اللاجئين في مقابل عطاءات أو شطب ديون، لم يكن مجرّد فزاعة وغلواء وغوغاء كما وصفه في حينه مختلف الأحزاب اللبنانية بما فيها تلك التي باتت حذرة اليوم من هذا المسعى. ويفترض هذا الواقع بهذه الأحزاب مقاربة شاملة لا تقتصر فقط على الرفض الكلامي، في حين أن بعضها – إن لم يكن غالبها – منخرط ومتواطئ، أو في الحد الأدنى غافل إرادياً عما يجري العمل عليه دولياً.

وثمة من يستغرب التغييب المقصود والكامل للمبادرة العربية للسلام التي سبق أن تقدّمت بها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت العربية (2002) والتي تقطع الشك باليقين وترفض كليا التوطين في مقابل السلام. وتشكل هذه المبادرة، حال إعادة الاعتبار لها، صمّام الأمان كموقف عربي موحد رافض للتوطين ولأي حلول مشبوهة.