IMLebanon

التوطين واستعادة الحقوق يلهبان الشارع المسيحي

كتب الان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

ساهمت المتغيّرات السياسية التي حصلت على الساحة الوطنية في تبدّل الوضعية المسيحيّة. ويتأثر المسيحيون، مثل بقية الطوائف، بالوضعية اللبنانية، وهم لا يعيشون في جزيرة منعزلة عن شركائهم في الوطن وهذا الأمر ظهر من خلال تأثّر كل البلاد بأحداث عاليه.

بين هاجس توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، ومعركة استعادة الحقوق والشراكة التي يفاخر فريق “التيار الوطني الحرّ” بأنه يخوضها، يقف المواطن المسيحي متفرجاً على هذا المشهد الذي يدور من حوله، ويرى بأُم العين أن حقوقه لم تصله بعد، وهي تتأمن إذا تم التعامل مع الجميع كمواطنين.

ينقسم المشهد المسيحي بالنسبة الى هاجس توطين النازحين واللاجئين، فـ”وزير العهد” جبران باسيل يتحدّث في هذا السياق بخطاب عالي النبرة ضد النازحين يدغدغ شعور المسيحيين، لكن عملياً لا شيء على الأرض ولم يستطع تحصيل أي مكسب يعيد النازحيين الى ديارهم.

وإذا كان أنصار وكوادر “البرتقالي” يفاخرون بهذا الخطاب ويعتبرون ان باسيل وفريقه هم أول من حذّر من أزمة النزوح ودعا الى جمع النازحين على الحدود وإقفالها، إلا ان الفريق الآخر المتمثّل بـ”القوات اللبنانية” ومسيحيي “14 آذار” يرون أن باسيل لا يقوم إلا بـ”المزايدة” و”الشعبوية” واستعمال الخطاب العالي النبرة من أجل “تخويف” المسيحيين وشدّ عصبهم وجعلهم يلتفون حوله.

ويُذكّر هذا الفريق بأنه عندما حصلت أزمة النزوح السوري كانت حكومة “8 آذار” برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي تتربّع على عرش الحكم، وكان تكتل “التغيير والإصلاح” ممثلاً بعشرة وزراء أساسيين، بينما كانت “القوات” وفريق “14 آذار” في المعارضة، فلماذا لم تقدم تلك الحكومة على اتخاذ خطوات لضبط النزوح لحظة حصوله، ولماذا تركتهم “ينفلشون” في كل أرجاء البلد؟

وفي السياق، فان الملاحظات المسيحية على أداء وزراء العهد كثيرة، ويرى المسيحيون أن النظام السوري سيطر على معظم الأراضي ولم يعد هناك سوى محافظة إدلب وبعض الجيوب، والعهد قريب من النظام السوري لا بل يُصنّف على أنه حليفه، كذلك إن “حزب الله” الذي احتل مناطق في سوريا وهجّر أهلها خصوصاً مناطق القصير والمحيط، قادر على المساهمة في عودة النازحين الى تلك المناطق، فلماذا لا يبادر العهد في هذا الإتجاه ويضغط على حليفه السوري و”حزب الله” لإعطاء ضمانات من أجل عودة النازحين الى مدنهم وبلداتهم؟

من هذا المنطلق، يلاحظ المسيحيون إستعمال ملف النازحين الذي هو “كارثة حلّت على لبنان”، كشمّاعة من أجل شدّ العصب، بينما حلفاء “التيار الوطني الحرّ” قادرون على إعادة غالبية النازحين، ويبدو جلياً أن النظام و”حزب الله” ماضيان في عملية الفرز الديموغرافي في سوريا وغير آبهين بماذا سيحل بلبنان.

من جهة اخرى، يرفع “الوطني الحرّ” شعار استعادة حقوق المسيحيين، خصوصاً في مجال التعيينات والإستئثار بالحصة المسيحية، لكن هناك صرخة عارمة أطلقتها معظم المرجعيات وعلى رأسها بكركي والقيادات المسيحية الاخرى، وتتمثّل برفض إقصاء كل مسيحي من التعيينات لا يؤيّد سياسة “التيار”.

ويعتبر موضوع الإستئثار بالحصة غريب عن الساحة المسيحية التي كانت تتغنى بالتنوّع، والإمتعاض يظهر بوضوح من خلال تصاريح نواب حزب “القوات اللبنانية” ووزرائه الذين يدعون الى إجراء تعيينات تحترم المعايير الموضوعة ولا تعتمد منطق المحاصصة.

وفي السياق، تؤكّد “القوات” التي تمثّل أكبر تكتل مسيحي يقف في وجه سياسة “التيار” الإقصائية أنها ماضية في معركة الإصلاح وعدم السماح بالإستئثار بالحصة المسيحية، لأن من حق أي مسيحي كفوء أن يأخذ حقه في التعيينات.

ويبدو من خلال استمزاج الآراء ان المواجهة مستمرة مسيحياً، فلا عنوان التوطين المترافق مع الترويج لـ”صفقة القرن” قادر على توحيد المسيحيين، ولا عنوان استعادة الشراكة التي أوصلت الرئيس القوي الى كرسي بعبدا بفعل “اتفاق معراب” مستمرّ، فيما يبقى قانون الإنتخاب آخر العناوين القادر على توحيد المسيحيين، خصوصاً ان النسبية على أساس 15 دائرة سمحت للمسيحيين باختيار نحو 57 نائباً بأصواتهم.

ولو كان الوضع المسيحي بأفضل احواله لما اضطر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى جمع النواب الموارنة ورؤساء الكتل والاحزاب المسيحية في بكركي في 16 كانون الثاني الماضي وشكّل لجنة متابعة للإتفاق على العناوين الخلافية، والتي لم تصل الى نتائج ملموسة حتى الساعة.