IMLebanon

جنبلاط شيخاً للجبل ولو كلّفه إطلاق النار على قدميه

كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:

لا يمكن الجزم بأن تداعيات القطوع الذي مرّ به الجبل أمس الأول انتهت أو أن ذيوله طوّقت. أعادت الأحداث الدموية لبنان، ولو لفترة من الزمن، إلى مرحلة حرب الشوارع والميليشيات بغضّ النظر عن أبعاد الرسالة والمقصودين بها. المؤكّد الوحيد أن شرارة أولى للحرب كادت أن تنطلق وهذا ما دفع أحد المراقبين الى القول إن “الوضع واقف على جمرة نار ولو سقط قتيل مسيحي لكنّا أمام حرب مسيحية – درزية لا يقدّر عقباها أحد”.

أما في السياسة، فما هو مؤكّد أيضاً أن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وجّه رسالة أصابت أكثر من مرمى، وتقصّد فيها تجاوز الخطّ الأحمر ليُسمع صوته بعدما راقب وراكَم طويلاً. تقول المعلومات إن جنبلاط، والحلقة المحيطة به، لم يكونا بعيدين من أجواء الشحن السياسي الذي أخذ في النمو أخيراً. كان زعيم المختارة يحصي أسبابه ويعدّ الأحداث، بدءاً من الانتخابات النيابية مروراً بتشكيل الحكومة وليس انتهاء بالأحداث المتنقّلة، ليصل إلى انفجار أحسن توقيته هو عبارة عن رسالة ثلاثية الأبعاد وأكثر تنتهي إلى نتيجة مفادها أنه شيخ الجبل وزعيمه ونقطة على السطر.

قبل أسبوعين، زار وزيرا الاشتراكي أبو فاعور وشهيب العماد عون وذكّراه بأن النائب طلال أرسلان لم يفِ بوعده بتسليم المطلوبين. أرادا تذكيره بوجود خلل ما وعادا الى صفوف المتفرجين. عمل جنبلاط على مراكمة أخطاء خصومه لا سيّما أرسلان ليظهره أنه حليف سوريا وحزب الله الذي يتآمر ضدّه، وليظهر لأبناء طائفته بالوقائع وجود مؤامرة كونية ضدّه لا يمكن أن يردّها إلّا من خلال ما حصل.

جاءت زيارة باسيل إلى قرى قضاء عاليه أمس الأول أكثر من مناسبة لتوجيه الرد. باسيل، الذي استفزّ جنبلاط في ساحته وميدانه مستحضراً الماضي بخطاب مرفوض، سكت عن تهجّم مناصري أمل عليه في ميرنا الشالوحي، وغضّ الطرف عن زيارة طرابلس لتلافي استفزاز السنّة فماذا يريد منه؟

من الكويت كان جنبلاط يتابع سير الأحداث مع الوزير وائل أبو فاعور والنائب السابق غازي العريضي، سأل ماذا يجري على الأرض وأوكل الى وزير التربية والتعليم العالي ورجله الأمني أكرم شهيب متابعة سير الأوضاع ميدانياً. حمل شهيب الشعلة وانطلق، ليجسّد رسالة الزعيم على الأرض وفي الإعلام “على الداخلين أن يدخلوا البيوت من أبوابها”. الرسالة وصلت، ولم يحتج جنبلاط إلى الاتصال بأيّ طرف كما لم يبادر أحد إلى الاتصال به لا الرئيس عون ولا الرئيس سعد الحريري، الذي وقف موقفاً محايداً، مراقباً عن بعد، في حين أنه لو كان لا يزال حليفاً لجنبلاط لما وصل الأخير إلى ما وصل اليه. وهذه كانت الرسالة الأولى.

الرسالتان الثانيتان وُجّهتا إلى الخصمين وئام وهّاب وطلال أرسلان، إذ أقفل الطريق عليهما بعدما وضعهما أمام أزمة فعلية. فأرسلان، الذي مني بخسارة رجلين من رجاله، ليس بمقدوره الردّ وتوسيع رقعة الخلاف ولا يستطيع أيضاً السكوت الذي يعني الضعف. كان الرجلان أمس الأول في موقف لا يحسدان عليه وقد لمسا خلال اجتماعهما في خلدة أن “حزب الله” ميّال إلى تطويق المشكل وإعادة فتح الطرق. وهذه النقطة الأخيرة تشكّل بالنسبة إلى “حزب الله” خطاً أحمر كان اتفق بشأنه مع جنبلاط سابقاً.

كما لوحظ غياب المشايخ الدروز عن المشهد المقابل لجنبلاط، لا يقبل الدروز عادة أن يشكّل أيّ طرف حصان طروادة درزياً، ولا يتحمّلون عواقبه.

إذاً، نجح جنبلاط في قلب الطاولة في وجه خصومه وأعاد اعتباره على مستوى طائفته، بدليل أن جميع القوى السياسية عاشت ساعات من القلق بمن فيهم رئيس الجمهورية الذي انشغل في تطويق ذيول الأزمة والاطمئنان إلى مصير صهره الذي كاد أن يكون مهدّداً فعلاً.

لكن في المقابل ثمّة وجهة نظر أخرى تقول إن جنبلاط “أطلق الرصاص على رجليه” وقد بات يعلم علم اليقين أن “زمن الأحادية الدرزية ولّى”، بدليل أن أحداث كفرمتى “تحوّلت من عراضة تمنع باسيل من تجاوز البوابة الجنبلاطية إلى أزمة درزية – درزية”. لم يحسب جنبلاط أن الأوضاع ستزداد سوءاً، شعر بأن السجادة تسحب من تحته وقد صار خصومه يزاحمونه في ملعبه. برأيهم إن ما حصل سببه أن زعيم الجبل لم يعد قادراً على تحمّل قلقه وهواجسه بعد سقوط رهاناته وتضخّم قوة الآخرين على حسابه وتآكل زعامته وقد بات وحيداً إلا من حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يزال يرفع شعار احتضانه ويرفض سياسة عزله. وليس بعيداً من وجهة النظر هذه، “حزب الله” الذي شكّل دخوله على المشهد الدرزي الداخلي “والأحداث الاستفزازية المتنقّلة والمتعمّدة تجاه جنبلاط” استفزازاً للحزب الاشتراكي. لكن لوجود “حزب الله” ما يبرّره من وجهة نظر مقرّبين منه: رسالة طمأنة للمواطنين خصوصاً بعد قطع الطرقات، الحفاظ على الثوابت الوطنية وعدم الانجرار إلى التهوّر، والوقوف الى جانب حلفائه خصوصاً بعد خسارتهم شهيدين.

يعتبر “حزب الله” نفسه جزءاً من ترتيبات الزيارة، وكان يفترض أن يحضر مأدبة الغداء التي كان يعتزم الوزير طلال أرسلان إقامتها على شرف باسيل، وحين حصلت الأحداث كان من الطبيعي توجّه الوزير محمود قماطي إلى خلدة لتقديم واجب العزاء الى الحليف أرسلان.

يؤكّد “حزب الله” موقفه الداعي الى التهدئة، ويقف الى جانب المجلس الأعلى للدفاع في قراره إعادة الأمن وتوقيف المطلوبين. لكنه في الوقت عينه يعطي “الحقّ لأيّ سياسي في العمل حين يريد وحيث يريد وهذا كلام ينطبق على النائب السابق وليد جنبلاط تماماً كما ينطبق على رئيس “التيّار الوطني الحرّ” الوزير جبران باسيل”.

لا ينفي “حزب الله” اختلافه مع جنبلاط على مسائل سياسية كثيرة و”لكننا أقمنا ربط نزاع وحافظنا على الهدوء وعلى علاقة الحدّ الأدنى التي ظلّت قائمة الى حين مشكلة عين دارة”. ولكن ألا يساهم الحزب في إحكام الطوق على جنبلاط؟ يجيب معنيون: “هو اختار أن يكون مطوّقاً بعدما وقف مع محور في مواجهة محور آخر ورغم ذلك حافظنا على علاقتنا معه واستمرّت الاجتماعات الثنائية. هو من يناكف، وهو الذي لا يدع مناسبة إلّا ويهاجم من خلالها “حزب الله” من لا للبنانية مزارع شبعا إلى عين دارة الى الهجوم على سوريا وهو يدرك علاقتنا الوثيقة بها”.

الى أين بعد كفرمتى؟ قد تكون الإجابة على هذا السؤال طبقاً للواقع اللبناني وساطة ثمّ لفلفة الموضوع وبعدها العودة الى الثوابت.