IMLebanon

مسيحيّو الشوف وعاليه… “منبقى هون ما منترك جبلنا”

كتب آلان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

لا يختلف اثنان على أن ما حصل في الجبل كان ضربة كبرى للسلم الأهلي، وإذا كانت خطابات رئيس “التيار الوطني الحرّ” الوزير جبران باسيل هي التي أجّجت نار الفتنة كما يعتبر البعض، إلا أن المنحى الذي أخذته الأمور كاد أن يودي بالبلد إلى حرب أهلية.
في اللحظات الاولى بعد خطابات باسيل ونزول مناصري الحزب “التقدّمي الإشتراكي” الى الأرض، ظن الجميع أن الوضع يتجه نحو فتنة مسيحية – درزية، أو ما يشبه “حرب جبل” مصغّرة، تبدأ بالسياسة ولا تنتهي على الارض.
لكنّ اقتحام موكب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب للمتظاهرين الإشتراكيين وسقوط قتيلين من صفوف مرافقيه، حوّل الامور الى مشروع فتنة درزية – درزية، وبما أنه معروف عن الدروز تمسكهم بوحدتهم، فان البعض قال، وعلى سبيل المزاح، إن باسيل نجح في شقّ الصفّ الدرزي، وهذا الامر لم يستطع القيام به أحد.

يعلم الجميع أن للجبل خصوصيته، فخلال ثورة العام 1958 الشهيرة ضد حكم الرئيس كميل شمعون، إتفق الزعيمان شمعون وكمال جنبلاط على تحييد الجبل، وسيطرت بعدها معادلة كميل وكمال، وطوال تلك الفترة كان الجبل محيداً الى حين اندلاع حرب الجبل العام 1983 وما نتج عنها من مآسٍ وتهجير للمسيحيين.
ولم يندمل الجرح في الجبل إلا بعد المصالحة التاريخية التي قادها البطريرك الماروني الراحل الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ورئيس “الإشتراكي” وليد جنبلاط، فعاد بعض المسيحيين الى قراهم، وكانت العودة الى منطقة عاليه أكثر من منطقة الشوف، ويعود ذلك الى قرب عاليه من العاصمة بيروت.

وبعكس بقية الطوائف، يُعتبر الدروز من المتمسكين بأرضهم ووجودهم ومناطقهم، ورغم توزعهم في المناطق اللبنانية إلا أن الحصن الحصين يبقى جبل لبنان الجنوبي، فيما المسيحي يتمدد في الاطراف وموجود في الشمال وجبل لبنان وزحلة وجزين، أما الشيعي فمتواجد في البقاع والجنوب والضاحية ومناطق أخرى، والسني يتمركز في بيروت والبقاع والشمال والجنوب، وإذا خسر الدرزي الجبل، خسر كل شيء.

وأمام كل هذه الوقائع، فان الوضع الديموغرافي في الشوف بات يتألف من ثلث مسيحي وثلث درزي وثلث سني، في حين أن القاطنين من المسيحيين هم أقل من العدد الموجود على اللوائح، ويقدر بنحو 20 في المئة من إجمالي الوجود المسيحي.
أما عاليه فيتوزع الوجود فيها بين نحو 40 في المئة مسيحيين و57 بالمئة دروزاً، والبقية سنة وشيعة، وتُعتبر نسبة الوجود المسيحي في عاليه أعلى من الشوف وتصل الى 40 في المئة في بعض البلدات.

ووسط انتشار الشائعات عن مغادرة المسيحيين الجبل، تؤكد المعلومات ان أحداً من المسيحيين القاطنين هناك لم ينزح، فالأحداث وقعت يوم الأحد، وهناك مسيحيون من أهل الجبل يسكنون في بيروت والضواحي، ومن الطبيعي أنّ يغادروا الاحد مساء عائدين الى أعمالهم حتى لو لم تقع حادثة قبرشمون.
وتتقاطع هذه المعلومات مع تأكيد نائب عاليه القواتي انيس نصّار لـ”نداء الوطن” أن جميع المسيحيين ما زالوا في قراهم ومناطقهم ولم يقترب منهم او يلحق الأذى بهم أحد، ونحن نتابع الموضوع وكل ما يتم تداوله بهذا الأمر مجرد شائعات”.
من جهته، يؤكد الحزب “التقدّمي الإشتراكي” أن “الفتنة ممنوعة على الارض ولن نسمح لأعداء لبنان أن يجرّونا الى فتنة درزية – درزية أو مسيحية- درزية، ولن نعطيهم ما يرغبون بتحقيقه”. ويبدي “الإشتراكي” تمسكه بمصالحة الجبل وكل المصالحات التي حصلت.
ومنذ مساء الاحد، نشطت الإتصالات على أكثر من مستوى، إذ أن الجميع أكد صون المصالحة. ويروي مواطنون في عاليه أن الحياة بدأت تعود الى طبيعتها بانتظار دفن الضحايا، وسط انتشار امني كثيف زرع الإرتياح في نفوس المواطنين.

وما يؤكّد اكثر أنه لا يوجد هجرة مسيحية من الجبل، تأكيد “التيار الوطني الحرّ” أن كل الكلام عن نزوح ليس له أساس من الصحة. وتشير مصادره لـ”نداء الوطن” الى انه تم الحديث عن مغادرة مصطافين في الشحار فقط، وهؤلاء ليسوا من أبناء المنطقة، بينما الوضع في الشوف طبيعي، ولم يتعرّض أحد للمسيحيين.
ووسط كل هذه الموجات والشائعات، فان المسيحيين يعتبرون ما حصل غيمة صيف، ويتمنون الاّ تتكرر، خصوصاً انهم دفعوا الكثير من اجل الجبل وهم غادروه في الثمانينات، وليس باستطاعتهم تحمّل التهجير مرّة اخرى.