على غرار مقولة «رمية من غير رامٍ»، أحيت حوادث الجبل الاخيرة، او كادت، ثنائية 8 و14 آذار التي قسمت المجتمع السياسي اللبناني عموديا الى نصفين اثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في فبراير 2005 مع بعض التبدلات في المواقع.
وقد تبدى هذا الانقسام حول توصيف حادث اطلاق النار في قبرشمون بين «كمين مسلح» كما يصفه النائب طلال ارسلان والوزير جبران باسيل ووئام وهاب وحزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤه، ممن يعكسون مفاهيم فريق 8 آذار وارتباطاته الاقليمية، وبين «حدث عرضي» كما يوصفه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحلفاؤه من قدامى 14 آذار كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب واصدقاء المرحلة «المردة» والحليف الدائم «أمل» بمعزل عن حرص الرئيس نبيه بري على اعتماد موقف الحياد الايجابي في هذه المرحلة.
ويلاحظ ان القائلين بـ «الكمين» يجزمون بأن الامر متعمد، ما يبرر المطالبة بإحالة الملف الى المجلس العدلي بوصفه اعتداء على امن الدولة الداخلي، بينما يترك القائلون بـ «الحادث العرضي» حسم التوصيف الجرمي للقضاء وحده.
النائب طلال ارسلان تخطى الدعوة الى احالة القضية الى المجلس العدلي، مشددا على توقيف المتورطين وعددهم 32 شخصا، وفق معلومات الاجهزة، كشرط لدفن جثماني القتيلين رامي اكرم سلمان وسامر ابوفراج، الا انه عاد واكد على المجلس العدلي بعد زيارته وزير الدفاع إلياس بوصعب برفقة الوزير صالح الغريب الذي استهدف موكبه.
ووسط هذه المتناقضات، بدأ المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم تحركه لتسلم المطلوبين في الحادث من الطرفين وسط اجواء اكثر مرونة خيمت على الوضع، بعد لقاء المصارحة والمصالحة الذي جمع الرئيس سعد الحريري والزعيم وليد جنبلاط على مائدة رئيس المجلس نبيه بري.
ومن المؤشرات اللافتة اعلان النائب ارسلان عن موعد دفن القتيلين بناء على رغبة «الهيئة الروحية العليا للموحدين الدروز» في الساعة الثانية عصرا من اليوم الجمعة لتشييع السلمان في بلدته الرملية، على ان يكون يوم السبت الساعة 1 ظهرا لتشييع ابورافع في بلدته بلشمية.
وكان لقاء عين التينة بين بري والحريري وجنبلاط ركز على ثلاثة عناوين: الاول استعداد جنبلاط للانفتاح على كل المبادرات والحلول، وهو ما اكد عليه بعد اللقاء مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في حال تبين ان المشكلة الحاصلة داخلية فحسب، وليست جزءا من سيناريو واخراج خارجي يراه جنبلاط بالعين المجردة، والثانية تأكيد جنبلاط على التعاون في معالجة الشق الامني للمشكلة من خلال تسليم المطلوبين تمهيدا للمعالجة السياسية، وهنا يشترط جنبلاط لتسليم المطلوبين من حزبه تسليم المطلوبين من فريق النائب ارسلان.
اما العنوان الثالث فكان اعتراض جنبلاط امام بري والحريري على الاداء السياسي للبلد على مستوى مختلف السلطات، خصوصا وزارة الخارجية، مقتنعا بوجود حصار سياسي حوله، تعميما لنظرية الثنائية السياسية في كل الطوائف والمذاهب.
بالنسبة للعلاقة بين الحريري وجنبلاط، يقول البيان الصادر عن الاجتماع انها اصبحت وراءنا، ويبدو ان عملية غسل قلوب جرت بمياه الرئيس بري الدافئة.
مصادر مراقبة تحدثت عن توزيع ادوار بين الوزير جبران باسيل وحزب الله عبر إحياء الثلث الوزاري المعطل، الذي تسبب تأخير وصولهم الى السراي في تأجيل رئيس الحكومة للجلسة التي لا كلام حتى اليوم عن موعد جديد لها، ما اوحى بأن باسيل قادر بثلثه الوزاري المعطل على ان يشل الحكومة ومعها البلد.
لكن عضو قيادة القوات اللبنانية النائب السابق انطوان زهرة يرى ان الظروف التي اطاحت بحكومة سعد الحريري وهو على باب البيت الابيض عام 2011 ليست متوافرة اليوم، رغم وجود الثلث المعطل بيد فريق باسيل، أولا«لأن سنونو واحدا لا يبشر بالربيع، بل سرب من السنونو يفعل»، وهذا السرب يخشى الطرفان ان يطيح بـ «التسوية السياسية».
لكن زهرة يرى انه قد يكون بإمكانهم تجميد الحكومة أما اسقاطها فخارج مصلحة الطرفين.
وينظر الجنبلاطيون الى ما حصل كجزء من لعبة تحديد الاحجام التي يمارسها رئيس التيار الوطني الحر بتغطية اقليمية، مما جعله يعيد فتح خطوطه مع موسكو تحمية للاجواء الباردة بينهما، وهو ما يبدو حاصلا، بدليل بدء الحديث عن زيارة يقوم بها الى الكرملين، كما عن قطع السفير الروسي ألكسندر زاسبكين بطاقة سفر بلا عودة الى موسكو حيث هو في اجازة ـ كما تقول «النهار» البيروتية ـ ليحل محله في بيروت من يستطيع بناء علاقة افضل مع زعيم المختارة.
وفي غضون ذلك، يستعد الوزير باسيل لمتابعة جولاته الاسبوعية على المناطق، وسيزور الاحد المقبل طرابلس وعكار وتحديدا بلدة بيت ملات في عكار، والتي هُجَّر اهلها المسيحيون خلال الحرب، اما زيارة طرابلس فيقول الرئيس نجيب ميقاتي ان الزيارات حق لكل مواطن، لكن المهم احترام الخصوصيات وان يكون الخطاب جامعا وخاليا من الاستفزازات او التحريض.