IMLebanon

المخابرات تُعيد رسم مسار إرهابي طرابلس: هذا ما قاله لوالده قبل التفجير!

كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:

كشفت التحقيقات التي أجرتها مديرية المخابرات في الجيش تفاصيل الإعداد لـ«غزوة طرابلس». تحدثت عن شخصية مضطربة تحمل فكراً متشدداً، كان يُعنّف زوجته قبل أن يقرر تنفيذ عمليته عشية عيد الفطر

أُحيل منذ أسبوعين 12 موقوفاً الى النيابة العامة العسكرية من بين 32 مشتبهاً فيهم في العملية الإرهابية التي نفّذها، عشية عيد الفطر، عبد الرحمن المبسوط الذي صنّفته مديرية المخابرات بأنه ذئبٌ منفرد. وكشفت التحقيقات أنّ بعض الموقوفين ساعدوه في بيع أثاث منزله لشراء السلاح والذخيرة والقنابل. كما تبين أنّ أحدهم كان على علم بنيته وسهّل له ذلك. وبرز لافتاً أن التحقيقات توصلت الى أنه لم يتلقّ أوامر قيادية مباشرة أو غير مباشرة من تنظيم داعش لتنفيذ العمل الأمني. فقد تبين أن المبسوط مساء الثالث من حزيران انطلق من منزله في باب الرمل في طرابلس على متن دراجة نارية وبحوزته خمس قنابل يدوية وبندقية حربية نوع كلاشينكوف مع ثمانية مماشط، واتجه إلى سرايا طرابلس حيث أقدم على رمي قنبلة قرب مدخل السرايا، ما أدى إلى إصابة فان من نوع هيونداي ( يقوده عبد الرحمن س. ) وبرفقته حسام ر. الذي أصيب بشظية بالفخذ اليمنى ونقل إلى المستشفى الإسلامي للمعالجة.

أكمل بعدها المبسوط طريقه إلى سنترال الميناء، حيث ترجل عن دراجته النارية وأطلق عدة عيارات نارية باتجاه آلية تابعة لمفرزة طوارئ طرابلس، ما أدى إلى احتراق الآلية وإصابة عنصرين كانا بداخلها بإصابات بليغة، وتم نقلهما إلى المستشفى حيث ما لبثا أن فارقا الحياة. انتقل بعد ذلك عبر دراجته إلى المرفأ، حيث صودف مرور آلية للجيش اللبناني فترجّل عنها وأطلق النار باتجاهها، ما أدى إلى استشهاد عريف في الجيش اللبناني، ثم ترك دراجته النارية واتجه مسرعاً صوب محطة محروقات واستولى على دراجة نارية كان سائقها قد تركها وفر. فاستقلّها إلى داخل أحياء طرابلس ووصل إلى شارع دار التوليد. وأثناء انتقاله إلى داخل الأحياء، وقع خلاف على أفضلية مرور بينه وبين شخص يقود سيارة فأقدم على إطلاق النار باتجاهه فأصابه وتوجّه بعدها إلى مقهى FRIENDS CAFFE وأطلق عدة عيارات نارية في الهواء. بعد ذلك، توجه إلى مبنى جعارة وإيعالي وأقدم على خلع باب شقة في الطبقة الرابعة منه وتحصن بداخلها. فتمكنت الاستخبارات من تحديد المبنى الذي تحصن الإرهابي مبسوط في إحدى شققه وتم تطويقه من قبل قوة خاصة من مديرية المخابرات في الجيش. ولما علم المبسوط بالطوق الأمني، أقدم على رمي رمانة يدوية وبدأ إطلاق النار باتجاه وحدات الجيش، فأصيب ضابط في الجيش اللبناني (استشهد لاحقاً، الملازم أول حسن فرحات) وبدأ المبسوط يصرخ بصوت مرتفع ويتلو آيات قرآنية ويوجّه التهديد والوعيد بحق الجيش اللبناني والقوى الأمنية مكفّراً إياها. عندها قامت القوة الخاصة بمداهمة الشقة وتبادلت إطلاق النار مع الإرهابي المبسوط الذي ما لبث أن قام بتفجير نفسه، ما أدى الى مقتله على الفور.

وبحسب تحقيقات استخبارات الجيش، فإنه منذ حوالى السنة تعرفت زوجة المبسوط، مريم العبد الله عليه، وعلمت منه حينها أنه توجه سابقاً الى سوريا للقتال إلى جانب تنظيم داعش وأنه أوقف بهذا الجرم بعد عودته. وبعد ثلاثة أشهر تزوجته وسكنا في منزل والده في محلة باب الرمل، وكان يعاملها معاملة سيئة ويقوم بضربها، ولم يكن حينها ملتزماً دينياً. وقبل أسبوعين من العملية، تحسنت معاملته وبدأت تظهر عليه ملامح الالتزام وأصبح يؤدي صلاته بشكل منتظم. وبحسب التحقيقات، في منتصف ليل الثالث من حزيران، وأثناء وجودها برفقة زوجها في محلة المعرض، وردته رسالة نصية “واتسآب” على هاتفه من شخص ملقب “أبو التراب”، علم بعدها أنه ع . القطمة، ورد فيها ما حرفيته: “تعا هلأ لعندي ضروري ضروري”. على الفور، توجه زوجها إلى محلة الميناء بعدما قال لها إنه سيلتقي بأحد أصدقائه. وبعد حوالى 20 دقيقة عاد إلى المنزل، ولدى سؤالها له عن هوية الشخص الملقب “أبو التراب”، غضب منها وهددها بالذبح في حال ذكرت الاسم مجدداً على لسانها، وأقفل باب المنزل ومنعها من مغادرته. كما أخذ منها هاتفها الخلوي وارتدى حزاماً معلقاً عليه رمانتين يدويتين لإخافتها وأبقاها معه في المنزل لغاية ظهر الاثنين الواقع فيه 3/6/2019. وبالتاريخ المذكور، وفي فترة بعد الظهر، غادر زوجها (بعدما أقفل الباب عليها) ليعود بعد حوالى ساعة ونصف ساعة وبرفقته شخصان اشتريا منه أثاث المنزل. وفي مساء اليوم ذاته (قبيل موعد الإفطار) أخبرها زوجها أنه سوف ينفذ غزوة في سبيل الله (دون أن يطلعها على أية تفاصيل) وطلب منها الاتصال بشقيقها ليحضر بعد الإفطار ويصطحبها مع أغراضها إلى منزل ذويها، ثم توجهت برفقته وتناولا الإفطار في منزل جارتهما (شقيقة زوجة والد المبسوط) وزوجها السوري (ع. ح.). وفي ليل اليوم نفسه، وأثناء قيامها مع شقيقيها بتحميل أغراضها، وقبيل مغادرته أخبرها زوجها على انفراد بأن الحقيبة التي بحوزته بداخلها رمانات يدوية وأنه بصدد تنفيذ عملية انتحارية ضد مخفر درك أبي سمرا. أخبرت شقيقها أن زوجها عبد الرحمن أبلغها أنه سيقوم بتفجير نفسه وأنه أحضر لهذه الغاية قنابل يدوية، إلا أنه لم يعط للأمر أية أهمية كونه اعتبر الأخير يقوم بإخافة شقيقته. خلال تحميل الأثاث، حضر المبسوط على متن دراجة نارية وطلب من شقيقَي زوجته (أحمد وإبراهيم) أن يسامحاه، فاعتقدا أن السبب هو سوء معاملته لشقيقتهما. وبعدها تقدم مبسوط من زوجته مريم وطلب مسامحته أيضاً، إلا أن الأخيرة رفضت أن تسامحه. غادرت زوجته مسرعة مع شقيقيها إلى منزل ذويها في محلة الميناء وتوجّهت فور وصولها إلى منزل أحد العسكريين من الجيران وأخبرته بما ينوي زوجها القيام به.
فمن هو ع. القطمة الملقب أبو تراب؟

بحسب إفادات الموقوفين، منذ حوالى أربع سنوات بدأ يتابع دروساً دينية تتمحور حول الفقه والعقيدة والجهاد. وقد عمل في الفترة الأخيرة لدى والده في مطعم في محلة الميناء. ومنذ حوالى السنتين ومن خلال تصفحه صفحات ومواقع وروابط عائدة لتنظيم داعش، اقتنع بأفكاره وأصبح من مؤيديه وبدأ يلتقي بالإرهابي مبسوط في جلسات دينية.

توصلت التحقيقات الى أن المبسوط لم يتلقّ أوامر قيادية مباشرة أو غير مباشرة من تنظيم داعش لتنفيذ العمل الأمني

وقبل نهاية شهر رمضان بحوالى 10 أيام تقريباً، حضر إلى منزله برفقة مبسوط وعرضا عليه شراء أثاث منزل الأخير، لكن رفض ذلك ووعده بتأمين زبون لشرائه.
قبل 9 أيام من عيد الفطر التقى القطمة بمبسوط في أحد المقاهي، وأخبره الأخير عن نيته تنفيذ أعمال إرهابية تحت راية تنظيم داعش الإرهابي وعرض عليه مشاركته في التنفيذ، فوافق القطمة حينها على ذلك كونه يحمل فكر التنظيم المذكور وطلب منه مبسوط تأمين بندقية كلاشينكوف لتنفيذ العمل. وفي مساء اليوم التالي، أرسل القطمة للمبسوط تسجيلاً صوتياً أبلغه فيه عن عدوله عن المشاركة معه في تنفيذ العمل الأمني، وإنما وعده بأنه سيعمل على تأمين كل احتياجاته لتنفيذه، فباعه رمانتين يدويتين. كما سعى لتأمين زبون لشراء أثاث منزله (أي منزل مبسوط) لكي يشتري بثمنه أسلحة ورمانات يدوية لزوم العمل الأمني. في اليوم الذي تلاه، التقى القطمة مجدداً الإرهابي مبسوط وقد أخبره الأخير بأن المدعو ب. ر. عرض عليه بيعه بندقية كلاشينكوف مع ذخائرها ورمانات يدوية مقابل مبلغ ألف دولار، وقد أبلغه بأنه سيقوم بتصوير مقطع فيديو يبايع بموجبه تنظيم داعش، وطلب منه أن ينشره بعد تنفيذ العملية. والمدعو ب. ر. عمل في تجارة الأسلحة والذخائر الحربية وهو على معرفة بالإرهابي مبسوط منذ حوالى السنتين.

وقبل العملية الإرهابية بعدة أيام، طلب منه الإرهابي المذكور بندقية كلاشينكوف فوعده خيراً، وبالفعل أمّن له بندقية مع جعبة وثمانية مماشط كان قد اشتراها من الموقوف ج. ح. وسلمها للإرهابي ليلة العيد. وقد عرض على الإرهابي مبسوط، وبهدف الربح المادي، ثلاث رمانات يدوية صوتية كان يملكها، فاشتراها المبسوط أيضاً، لكنه لم يكن يعلم بنيته تنفيذ عمل إرهابي وقد أوهمه المبسوط أنه يريد السلاح لأحد معارفه. وكان قد سبقها قبل حوالى عشرة أيام من عيد الفطر لقاء القطمة بعبد الرحمن مبسوط في أحد المقاهي في محلة أبي سمرا وطلب منه الأخير مساعدته في بيع أثاث منزله، ودون معرفة الأسباب اصطحبه مباشرة إلى المدعو ج. ك. الذي رفض شراءه وزوده برقم هاتف عائد لشخص ملقب “أبو يحيى” قد يشتري منه الأثاث.
وبتاريخ 2/6/2019 تلقى القطمة اتصالاً هاتفياً من المدعو ج. ك. والتقاه وأخبره فيه أن عبد الرحمن مبسوط تحدث مع “أبو يحيى” عن أهمية الجهاد وعن مواضيع مشبوهة، فأجابه القطمة بأنه سمع من المبسوط أنه سوف ينفذ عملاً أمنياً وسيمضي أول أيام العيد في الجنة. وبتاريخ 3/6/2019 أرسل مبسوط لـ(ع. القطمة) تسجيلاً صوتياً عبر واتسآب أبلغه فيه أنه باع أثاث منزله وطلب منه عدم التواصل معه مجدداً خوفاً من تورطه.

وكان القطمة قد اشترى الرمانتين اللتين باعهما للإرهابي مبسوط من المدعو م. ك. والأخرى من المدعو أ .خ. وبعد تنفيذ العمل الإرهابي، تفقد القطمة حساب الفايسبوك العائد لمبسوط، حيث تبين أن الأخير نشر الفيديو وجاء فيه ما حرفيته “باسم الله الرحمن الرحيم والله ما خرجنا إلا لنصرة هذا الدين”. لكنه لم ينشره.
كذلك كشفت التحقيقات أنّ والد الإرهابي توجه فوراً إلى منزل ابنه عبد الرحمن مبسوط لمنعه من القيام بأي عمل بعدما اتصلت به زوجته مريم وأبلغته بنيته، فالتقى ابنه غسان الذي أبلغه أن عبد الرحمن غادر المنزل على متن دراجة نارية وبحوزته بندقية حربية ولم يستطع ردعه، عندها تواصلا (أي هو وابنه غسان) مع أحد العسكريين وأطلعاه على الموضوع. وعند الساعة 22:55 تواصل الإرهابي مع والده خضر من رقم أرضي، طالباً منه مسامحته وأخبره بأنه ترك هاتفه في منزله. وبعد حوالى الساعة، تواصل معه مجدداً فحاول إقناعه بتسليم نفسه، إلا أن الأخير رفض ذلك وأخبره بأنه أقدم على قتل مجموعة من الكفار ( بحسب تعبيره) وأقفل الخط.