IMLebanon

“الألياف الضوئية”: مسير السلحفاة للإنترنت الفائق السرعة

كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:

بعد مرور أكثر من عام على إطلاقه، لا يزال مشروع مدّ الألياف الضوئية في بدايته. بحسب الخطة الموضوعة، كان يفترض أن يكون ثلث المشروع قد أنجز حالياً، لكن ذلك لم يحصل. ما أنجز لا يتجاوز 7 في المئة. البطء في الإنجاز يعني خسائر مالية واقتصادية يصعب إحصاؤها، لكن المشكلة الأكبر ليست في ما سبق، بل في ما سيأتي. إذا بقي العمل على الوتيرة نفسها، فلن تكون السنوات الثلاث المخصّصة للمشروع كافية لإنجازه، وكذلك لن تكفي السنة الإضافية، التي يسمح العقد بتمديدها.

أن يكون قد أُنجز من مشروع الألياف الضوئية سبعة في المئة فقط، فهذا يعني أن الأعمال بالكاد بدأت. هذا ما يفسّر ما يردّده موظفون في أوجيرو عن أن المشروع لا أثر له، وأن الشركات الفائزة لا تعمل ولا يُرى موظفوها أو عمالها في السنترالات. بالرغم من أن هذا الكلام ليس دقيقاً، إلا أنه يعبّر تعبيراً واضحاً عن تأخر الأعمال. وهو ما تؤكده مناقشات لجنة الاتصالات التي وضعت يدها على الملف كجزء من رقابتها البرلمانية على أعمال وزارة الاتصالات، والتي يؤكد رئيسها النائب حسين الحاج حسن لـــ«الأخبار»، أن هدفها أمران: معرفة أسباب التأخير في التنفيذ، ومعرفة أسباب تغيير الخطط الخاصة بالمشروع، وتأثيرها بكلفته. لكن في الحالتين، يرى الحاج حسن أن التأخير غير مبرر، ولا سيما أن كلفته باهظة على المالية العامة.

تصريح غير صحيح

في 5 كانون الثاني 2018، أوضح وزير الاتصالات حينها جمال الجراح (قبل توقيع العقد) أنه «بحسب التوقعات التي وضعناها سنكون قادرين على تحقيق مبلغ مليار دولار كدخل متأتٍّ من شبكة الفايبر. وفي خلال أول سنتين سنحقق مبلغ 300 مليون دولار فيما نكون قد أنفقنا 200 مليون دولار».

بعد سنة ونصف سنة يظهر جلياً أن هذا التصريح لم يكن مبنياً على أي وقائع أو دراسات علمية، بل كانت وظيفته محصورة بتسويق المشروع الذي صدر القرار السياسي بتلزيمه لشركات خاصة، بالرغم من أن أوجيرو بإمكاناتها كانت قادرة على تنفيذه. أضف إلى أنها كانت قد بدأت فعلاً بتمديد الفايبر في أكثر من منطقة.

الشكوك بشأن المشروع وما آلت إليه نتيجة المناقصة كانت قد بدأت باكراً، لكن جرى تخطيها جميعها، وسارت المناقصة كما كان مقرراً، فتقدمت أربع شركات لبنانية بعروضها إليها، أقصيت إحداها (ليباتيل) لعدم استيفاء عرضها الشروط الأولية المطلوبة، فيما قبلت عروض: «باور تيك» (معداتها من نوكيا) لصاحبها نبيل حداد، و«سيرتا» (معداتها من هواوي) لصاحبها هشام عيتاني، و«بي أم بي» (معداتها من كاليكس) التي تعود ملكيتها لآل ضومط.

عند فضّ العروض المالية، تبين أن «سيرتا» قدمت السعر الأدنى (319.9 مليون دولار من ضمنها 20 مليون دولار كلفة التشغيل والدعم)، فأوصت لجنة فضّ العروض وزير الاتصالات «بإسناد التلزيم للشركة التي تقدّمت بالسعر الأدنى أو إلى أكثر من واحدة بالنسب والتوزيع الجغرافي التي تراها مناسبة (الوزير)… بعد تخفيض كافة الأسعار الإفرادية بالتساوي مع أسعار باقي العارضين، على ألّا تتعدى القيمة الإجمالية للعقد أو العقود 282.9 مليون دولار (من دون الضريبة على القيمة المضافة) يُضاف إليها 20.3 مليون دولار قيمة أعمال الصيانة والدعم والتشغيل لخمس سنوات (علماً أن شركة «باور تيك» كانت قد قدمت عرضاً للتشغيل والصيانة بقيمة 16.8 مليون دولار).

74 مليون دولار دفعة أولى

في الخلاصة، تقرر توزيع التلزيم (أعمال توريد وتركيب تجهيزات Active Cabinets ومتمماتها ووضعها في الخدمة ومد وتوصيل شبكة ألياف ضوئية FTTX وPassive ODN) على الشركات الثلاث، كما يأتي:

«سيرتا»: القيمة الإجمالية للعقد (مع الضريبة على القيمة المضافة) 220 مليون دولار (74 في المئة من المشروع). تغطي أعمالها مناطق بيروت، جبل لبنان 1 (كسروان وجبيل)، جبل لبنان 2 (المتن وبعبدا)، الجنوب والبقاع.

«بي أم بي»: القيمة الإجمالية للعقد 32 مليون دولار (11 في المئة). تغطي أعمالها جبل لبنان 3 (الشوف وعاليه) والنبطية.

«باور تيك»: القيمة الإجمالية للعقد 44 مليون دولار (15 في المئة). وتعمل في الشمال وعكار.

بحسب العقد الموقّع في 12 نيسان 2018، حصلت كل شركة على 25 في المئة من قيمة العقد كدفعة أولى، أي 55 مليون دولار لسيرتا و11 مليون دولار لباور تيك و8 مليون دولار لبي أم بي، أي ما مجموعه 74 مليون دولار، مقابل كفالة مصرفية تدفعها الشركات بالقيمة نفسها.

تلك مرحلة مرّ عليها أكثر من سنة. والشركات التي قبضت الدفعة الأولى بين أيار وتشرين الأول 2008 (بحسب تاريخ إصدارها الفاتورة) يُفترض أن تكون قد انكبت على العمل منذ ما قبل ذلك التاريخ.

لم تحصل الشركات على أيّ دفعات لاحقة. وهذه إشارة أخرى إلى أن الأعمال لم تُنجز، لأن قبض الدفعات اللاحقة لا يكون إلا بموجب فاتورة صادرة عن الشركات بناءً على محضر أو محاضر استلام مؤقتة مرفق بها كشف شهري للأعمال المنفّذة في كل منطقة.

أرقام متناقضة

كل من يُدقق في المستندات التي قدمتها أوجيرو إلى لجنة الاتصالات يكتشف أن المشكلة لا تعود إلى التنفيذ فحسب. الفوضى تبدأ منذ إطلاق المشروع. على سبيل المثال، يشير أحد المستندات بوضوح إلى أن الهدف تركيب 8000 علبة (Active Cabinet) في السنترالات (كل علبة مخصصة لـ137 مشتركاً فقط)، لكن في مستندات أخرى يتبين أن العدد المنوي تركيبه 6514 علبة فقط، علماً بأن كمية الكوابل والأعمال المدنية وتكلفتها مرتبطة مباشرة بعدد العلب. الأمر نفسه يتكرر عند الإشارة إلى المقاييس التجارية التي بُنيت عليها عملية تقدير الحاجة إلى العلب. فأوجيرو تشير إلى أنها وضعت خططها على اعتبار أن متوسط استهلاك المشترك في عام 2017 كان 600 جيغابايت/ السنة.

لكن تبعاً لإحصاءات الهيئة نفسها، يتبين أن هذا الرقم غير دقيق، فالعام نفسه شهد استهلاك 138 مليون جيغابايت من قبل 409 آلاف مشترك، وهذا يعني أن الاستهلاك السنوي للفرد هو 338 جيغابايت، أي ما يعادل نصف العدد الذي بنيت عليه الحاجات، ومن ثم المناقصة. علماً أن هذا الرقم ارتفع في عام 2018 إلى 446 جيغابايت، قبل أن ينخفض في الفصل الأول من عام 2019 إلى 438 جيغابايت/ السنة. وعليه، كيف احتُسب الاستهلاك السنوي ومعدل النمو السنوي للاستهلاك، وعلى أي أساس حُدد معدل الاستهلاك بـ600 جيغابايت؟

تلزيم بلا دراسات؟

لم تتردد إدارة أوجيرو في حسم الموضوع في اللجنة: نعم، لا وجود لدراسات تفصيلية أسندت إليها الأرقام. لكن ما كتب قد كتب والمشروع انطلق على الورق، فيما على الأرض لا يزال يتلمّس بداياته. فهل سيكتمل؟ يؤكد رئيس مجلس إدارة سيرتا هشام عيتاني لــ«الأخبار» أن الشركة موجودة حالياً في 60 سنترالاً من أصل 104 سنترالات. ويعلن أنه أُعِدَّ جدول زمني، بالتعاون مع أوجيرو، لإنجاز 60 في المئة من السنترالات، وبالتالي تسليمها تباعاً بدءاً من الخريف المقبل.

التأخير يبرره عيتاني بالإشارة إلى أن المرحلة الأولى من العمل كانت تأسيسية وخُصصت للمسح الميداني (الواقع الحالي، متطلبات المواطنين والشركات، الطلب المتوقع، القدرة الخدماتية). وبناءً على هذا المسح، تبين أن الخرائط المتوافرة في الوزارة قديمة ولا يمكن الركون إليها لبدء العمل، فعُمل على تحديثها ربطاً بالمسح الذي أنجز، قبل البدء بالأعمال المدنية ومدّ الكوابل وتركيب العلب في السنترالات.

رئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية، يؤكد بدوره أن مشاكل كبيرة ظهرت في خرائط مسالك الكابلات، لأن معظمها لم يُحدّث، واتضح بعد المعاينة على الأرض أنها لا تظهر كل المؤسسات والمباني الحالية، وبالتالي إن إعادة تحديثها عمل شاق، خاصة أن كل سنترال يخدم ما يصل إلى 300 مبنى. كل ذلك صار من الماضي بحسب كريدية، الذي أبلغ «الأخبار» أن الأمور حُلّت والعمل انطلق وقد أنجزت حتى الآن سنترالات بعبدات وبر الياس والبحصاص وبرمانا والحمرا ورأس بيروت والنبطية.

30% في نهاية العام

ما يقوله كريدية وعيتاني يتبناه وزير الاتصالات محمد شقير. يتفهم التبريرات، ويكشف لــ«الأخبار» أن الشركات تعهدت له بالانتهاء من 30 في المئة من الأعمال مع نهاية العام.

التأخير قد يكون له ما يبرره فعلاً، لكن هل يعفي ذلك الوزارة من تطبيق المادة 12 من دفتر الشروط، التي تشير إلى أنه «إذا عجز الملتزم عن إنجاز أو تنفيذ أيّ جزء من الأشغال الواجبة ضمن الوقت المحدد يطبق عليه عن كل يوم تأخير غرامة نقدية قدرها واحد بالألف من قيمة الأشغال غير المنفذة في الموعد المحدد»؟

أوجيرو في خطر؟

بحسب المعطيات المقدمة من هيئة أوجيرو إلى لجنة الاتصالات النيابية، لا تزال أوجيرو تحقق نمواً في عدد مشتركي الإنترنت. فقد زاد العدد الإجمالي للاشتراكات 11 ألف اشتراك في عام 2018، لكن المقارنة مع عام 2017 تظهر تراجعاً في نسبة النمو. في ذلك العام زاد عدد المشتركين 38,278 ألفاً. الاستمرار على المنوال ذاته يعني أن «أوجيرو» لن تتأخر قبل تحقيق نمو سلبي في عدد الاشتراكات. لكن لرئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية، رأي آخر. هو يرى أن الوضع مستقر وأن مشتركي الإنترنت في زيادة مستمرة، بدليل أن الفصل الأول من عام 2019 سجل تركيب 4000 خط جديد. كريدية يطمئن إلى أن هذا العدد جيد في الوقت الحالي، خاصة في ظل مشكلة سرعة الإنترنت التي تحدّ من نمو عدد المشتركين عموماً، أضف إلى أن جزءاً من هؤلاء ينتظرون تركيب الفايبر ليُبادروا إلى الاشتراك.

ينكر كريدية كل ما يُحكى عن حركة انتقال المشتركين من أوجيرو إلى الشركات الخاصة. يقول إن الأرقام تؤكد أن الحصة السوقية لأوجيرو ارتفعت من 65 في المئة إلى 67.5 في المئة، مشيراً إلى أن المواطن اللبناني لا يزال يثق بالشركة الوطنية وبخدماتها، بالرغم من القدرة التنافسية الأعلى للشركات الخاصة. تلك الشركات تملك هامشاً أعلى لتقديم عروض أسعار وباقات لا تقوى أوجيرو، المقيدة بمرسوم التعرفة، على مجاراتها.

لأوجيرو مجال آخر للمنافسة هو نوعية الخدمة. فالهيئة المالكة لخطوط E1 تربط كل خط بـ16 مشتركاً على سبيل المثال، فيما تعمد الشركات إلى ربط 32 مشتركاً على كل خط. هذا عنصر، على أهميته، إلا أنه لا يكفي لمواجهة العروض المغرية من الشركات. لذلك، المطلوب مراجعة مرسوم التعرفة لتتمكن الهيئة من المنافسة. وبالفعل، يكشف كريدية عن اتجاه لتحضير مرسوم أسعار جديد (أسعار مخفّضة وخدمات إضافية كالساعات المفتوحة ليلاً) يقدّم قريباً إلى مجلس الوزراء، سيسمح إذا ما أُقرّ بدفع خدمات الهيئة إلى الأمام، وبما ينافس الأسعار والباقات المقدمة من الشركات الخاصة. هذا المرسوم إذا وصل فعلاً إلى مجلس الوزراء، سيعني وضع الحكومة أمام مسؤولياتها تجاه المواطنين. هل ترفض المرسوم لأنه يؤدي إلى تراجع المداخيل المباشرة لقطاع الاتصالات، من دون أن تبالي بتأثيره الإيجابي في النمو الاقتصادي، أم توافق عليه، انطلاقاً من أن القطاع خدمة عامة قبل أن يكون دجاجة تبيض ذهباً؟

إلى أن يتضح مصير ذلك المرسوم، يُخشى أن يكون قد فات الأوان. فوزارة الاتصالات سمحت أخيراً بانتقال المشتركين بين مقدمي خدمات الإنترنت (ISP). هذا يعني أن أي مشترك مع أوجيرو أو مع الشركات الخاصة سيكون قادراً على نقل اشتراكه بمجرد توقيع ورقة النقل. قبل ذلك، كان على المشترك، الباحث عن تغيير مقدم الخدمات، أن يلغي اشتراكه ثم يتقدم بطلب جديد إلى الجهة التي يرغب في الانتقال إليها، وهي آلية تحتاج عادة إلى نحو شهرين من الزمن. فهل قررت وزارة الاتصالات المغامرة بالسماح بتسرب المشتركين من أوجيرو إلى الشركات التي تقدم خدمات أرخص وأكثر تنوعاً؟

كريدية يؤكد بداية أن الهيئة أضافت، بناءً على طلب وزارة الاتصالات، المنصة التقنية (Platform) التي تسمح بالانتقال بين مقدم خدمات وآخر، إلا أن عمل المنصة لم يبدأ بعد، بانتظار اتفاق الشركات فيما بينها على مهلة النقل (بما يضمن للشركة السابقة الحصول على كامل مستحقاتها من المشترك).

يرفض كريدية التسليم بأنّ هذه الخطوة ستُسهم في ضرب أوجيرو. هو بداية، ومن حيث المبدأ، يرى أن التنقل بين مقدمي الخدمات حق للزبون لا يجوز أن يكون مقيداً. ويجزم بأنّ الهيئة لا تعترض على هذه الخدمة، ولا تخشى منها، بل تثق، ربطاً بالطلبات المقدمة إلى أوجيرو، بأنها ستُسهم في زيادة عدد مشتركيها.

تعليق مساهمات الهيئة

حصلت هيئة أوجيرو على حصة الأسد من مناقشة موازنة وزارة الاتصالات في لجنة المال والموازنة النيابية.

وبالرغم من إقرار موازنتها، إلا أنه عُلِّق عدد من البنود التي طالب النواب بإيضاحات قانونية بشأنها بسبب الزيادة الملحوظة في العام الماضي. من هذه الزيادات كانت مساهمة الرواتب التي قفزت من 176 مليار ليرة إلى 190 ملياراً، بالرغم من تجميد التوظيف، أضف إلى أن ملفات 453 مياوماً تخضع حالياً للتحقيق في مخالفتها قانون سلسلة الرتب والرواتب، بعد ادعاء النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة عليهم.

كذلك، جمّدت اللجنة بندي الصيانة (94 مليار ليرة) والتجهيزات (64 مليار ليرة) إلى حين تقديم الإيضاحات المطلوبة من قبل الهيئة.