IMLebanon

الحريري في ذروة الاستياءِ من النكايات

أكدت مصادر نيابية لـ”الحياة” إن عمل المجلس النيابي يتقدم ويشهد استقرارا بينما العمل الحكومي يتجه إلى التعقيد والتأزم والجمود، في انتظار نجاح الجهود من اجل معالجة تداعيات حادثة قبر شمون على العلاقات داخل السلطة التنفيذية، وهو ما عبر عنه مساء أمس تلفزيون “المستقبل”، الناطق باسم رئيس الحكومة سعد الحريري وتياره السياسي، فنقل عنه “تنبيها إلى مخاطر الاستمرار في المسار الانحداريّ للأداء السياسي”، مشيرا إلى فشل المساعي من أجل عقد جلسة لمجلس الوزراء غدا الخميس.

خفض العجز المخفّض

وكان المسار النيابي لإنجاز الموازنة بعد التعديلات التي أدخلت عليها في لجنة المال والموازنة النيابية انتهى حسب قول المصادر النيابية لـ”الحياة” مساء أمس، إلى نتائج اعتبرها أكثر من نائب إيجابية، لأنها وجدت مخارج لعدد من المواد الخلافية التي سبق أن علّقت بسبب الخلاف عليها، وأن البدائل توصلت إلى خفض العجز في الموازنة إلى أقل من النسبة التي كانت أقرتها الحكومة، أي 7.59 ، فباتت نسبة العجز وفق الإضافات التي أقرت في لجنة المال والموازنة على عملية خفض النفقات ورفع الواردات، قرابة 6.8 في المئة. وإذا لم يطرأ ما يؤخر عمل اللجنة، يفترض برئيسها النائب ابراهيم كنعان أن يضع تقريره عن نتائج مناقشات الموازنة ويرفعه إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كي يحدد على أساسه موعدا لانعقاد الهيئة العامة للمجلس كي يجتمع ربما الأسبوع المقبل، لمناقشة الصيغة النهائية لمشروع الموازنة وإقرارها قريبا.

وذكرت المصادر النيابية لـ”الحياة” أنه جرت معالجة بعض المواد الخلافية ومنها:

– تعديل تطبيق فرض ضريبة الدخل على رواتب التقاعد للعسكريين، بحيث تطال أصحاب الرتب العليا، ويعفى منها كليا أصحاب الرتب الدنيا والجنود. وخفض مساهمة الخزينة في كلفة الطبابة للعسكريين بنسبة 1.5 في المئة بدل 3 في المئة.

– استبدال فرض رسم 2 في المئة على البضائع المستوردة بفرض ضريبة على السلع النوعية، أي تلك الفاخرة التي تطاول الأغنياء والميسورين، وتعكف وزارة المال على إعداد لائحة بها، حيث يرجح أن يترك للحكومة تحديد هذه السلع، بحيث لا تمس الضريبة ذوي الدخل المحدود.

ورأت المصادر النيابية أن هذه القرارات وغيرها قد تكون أكثر إرضاءا للمؤسسات المالية الدولية التي شككت بقدرة لبنان على خفض العجز في الموازنة قياسا إلى الدخل المحلي، والتي دعت إلى خفض أكبر للعجز عن نسبة ال7.59 في المئة.

وقال وزير المال علي حسن خليل على تويتر مساء أمس :” أكدت موقفي الواضح من البداية بعدم تحميل العسكريين المتقاعدين في الرتب الدنيا أي أعباء إضافية أو ضريبة دخل، ومساهمة أصحاب الرتب والرواتب العالية بجزء من الأعباء. هذا ما حصل اليوم في لجنة المال، بغض النظر عن طبيعة النقاش، الجميع التقوا على صيغة تحمي المتقاعدين وتحفظ المالية العامة”.

 

المسار الحكومي المتعثر

أما على المسار الحكومي فإن الأمور لم تجرِ على ما يرام على رغم تكثيف الاتصالات بعد الزيارة التي قام بها الرئيس بري لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعودة الحريري من السفر أول من أمس ما أطلق تحركا لإيجاد المخارج الممكنة لانعقاد مجلس الوزراء.

وأوضحت المصادر النيابية لـ”الحياة” أن الخلاف ما زال على أشده حول مطلب أن يتخذ مجلس الوزراء قرار إحالة أحداث قبرشمون في الجبل في 30 حزيران (يونيو) الماضي إلى المجلس العدلي الذي يصر عليه رئيس “الحزب الدموقراطي” النائب طلال أرسلان، ويقف معه تكتل “لبنان القوي” (11 وزيرا) وكذلك وزراء “حزب الله” (3 وزراء)، فيما يعارضه وزراء تيار “المستقبل” وحركة “أمل” وحزب “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.

وعلمت “الحياة” أن الرئيس بري كان اقترح على عون مخارج تغني عن الإصرار على أخذ قرار بإحالة أحداث قبرشمون على المجلس العدلي، لكن اعتماد هذه المخارج لم ينضج بعد بدليل استمرار النائب أرسلان في الإصرار على هذا المطلب. وقالت مصادر وزارية إن أرسلان يلقى دعما من رئيس “التيار الحر” جبران باسيل، معتبرة أنه يسعى إلى الحصول على ثمن مقابل صرف النظر عن هذا الخيار، في وقت لم تنته التحقيقات إلى نتيجة تفيد بأن الحوادث الأمنية التي أدت إلى مقتل اثنين من كوادر حزب أرسلان كانت تهديدا لأمن الدولة أو محاولة اغتيال الوزير الذي يمثل أرسلان في الحكومة، صالح الغريب، من أجل تبرير الإحالة على المجلس العدلي.

ونقل غير مصدر وزاري لـ”الحياة” انزعاج الحريري من مواصلة طرح هذا المطلب التعجيزي، واستمرار السجال العالي النبرة من قبل “التيار الحر” مع “الاشتراكي” في وقت اتفق على أن يلعب رئيس الحكومة دورا في إعادة تأمين خطوط الحوار والتواصل بين الفريقين، وهذا يحتاج إلى التهدئة. وسألت مصادر وزارية عما إذا كان الهدف من تعقيد الأمور قطع الطريق على الحريري من أجل رأب الصدع بين الجانبين، لإبقاء المبادرة بيد الرئيس عون بدلا منه في هذا الشأن. كما أن بعض الأوساط الوزارية لم تستبعد انزعاج باسيل وعون من تعاطف الحريري مع “الاشتراكي” في هذه الأزمة وتعاونه مع بري وجنبلاط. لكن المصادر المطلعة على موقف عون أكدت أنه مع كل ما يؤدي إلى حلحلة الأزمة وأنه اتفق مع بري على تسهيل كل الجهود في هذا الصدد.

 

جنبلاط و”المزايدات الهزيلة”

وكان جنبلاط غرد ظهر أمس تعليقا على العراقيل أمام معالجة ذيول الحادث بالقول على “تويتر”: “الحزب الاشتراكي ليس من رواد الفضاء كالبعض الذي يريد تعويم نفسه بأي ثمن. لذلك يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار هو منفتح على جميع المسارات ومطمئن ومرتاح لكنه يطالب بالحد الادنى من احترام العقول والكف عن المزايدات الهزيلة”.

إلا أن أرسلان قال: “حادث فردي في المصيطبة أدى لمقتل الشهيدين الزيادين، حوّله جنبلاط إلى المجلس العدلي! حادث فردي أيضاً إبن ساعته في بلدة بتدعي البقاعية وأدى لمقتل شهيدين، رجل وزوجته، وحوّلوه إلى المجلس العدلي! شهداؤنا سقطوا في قبرشمون في فتنة وحادث مخطّط، لماذا لا مجلس عدليًا؟! لن نقبل بأقلّ من ذلك”.

 

موفد الحريري إلى عون وتحرك ابراهيم

وعلى رغم هذه الأجواء نشطت اتصالات بعد الظهر بشكل ملفت، وسط توقعات بأن تثمر نتائج إيجبية. وأوفد الحريري أمس مستشاره السياسي الوزير السابق الدكتور غطاس خوري للقاء عون، وأجرى معه جولة أفق تناولت التطورات الأخيرة.

واكتفى خوري بعدها بالقول إنه “نقل إلى الرئيس عون رسالة شفهية من الرئيس الحريري تناولت المستجدات، ولا سيما تداعيات الاحداث التي وقعت في منطقة قبرشمون قبل”. واوضح أن “المشاورات مستمرة للوصول إلى نتائج إيجابية”.

وأفادت أوساط “المستقبل” أن الرسالة الشفهية التي نقلها خوري أكدت على فصل المسار القضائي عن الدعوة إلى عقد جلسة الحكومة.

وبموازاة ذلك استأنف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لقاءاته المكوكية أمس فالتقى عون، ثم زار أرسلان مجددا، وقال: ارسلان أكد لي الاستعداد لتسليم كل المطلوبين لديه”. ومساء اجتمع اللواء إبراهيم إلى الحريري، ثم انتقل للقاء رئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط.

 

شهيب و”طيش الصبية”

وأوضح وزير التربية أكرم شهيب “أننا كحزب تقدمي اشتراكي قمنا بكل ما طلب منا بما يخص التحقيقات بحادثة قبرشمون وسلّمنا كل مطلوب وكل إسم طلب منا، لافتا الى أن المطلوب من الفريق الآخر تسليم مطلوبيه والقضاء يقرر من هو المدان”.

واعتبر شهيّب أن ما حصل في الجبل سببه طيش بعض الصبية.

 

“المستقبل” ومفتاح مجلس الوزراء

وعلى رغم التوقعات الإيجابية بأن تثمر حركة الاتصالات، فإن “تلفزيون “المستقبل” أوضح في مقدمة نشرته الإخبارية المسائية: “”اكتمل نصابُ الاتصالات السياسية ، ولكن لم تكتمل المخارجُ من المأزق السياسي الذي تشهدُه البلاد، فالرهانُ على مبادرة الرئيس نبيه بري في اتجاهِ قصر بعبدا، ثم على عودة الرئيس سعد الحريري من اجازتِه العائلية، لم يُحقِّق النتائجَ المتوخّاةَ منه، لتبقى الحلولُ رهينة المواقفِ المتشنّجة والرهاناتِ الخاطئة والشروطِ التي تُنادي بالويل والثبور وعظائم الامور”.

أضاف تلفزيون “المستقبل”: “اقفلوا كافة الطرق امام انعقادِ مجلس الوزراء، وقد فاتهم في الأساس، أنّ مفتاحَ مجلس الوزراء بيد رئيس مجلس الوزراء حصرا، وأنّ بابَ المجلس يغلقُه صاحبُ الشأن وحده، لا اصحابَ الغاياتِ والمآرب، وأنّ جدولَ أعمال المجلس يُعِدّه ايضاً صاحبُ الشأن والصلاحيّةِ الدستوريةِ حصراً، الذي هو رئيسُ مجلس الوزراء ولا تحدّدُه المواقفُ والتصريحاتُ والتغريدات التي تتوالى من هنا وهناك”.

 

تلويح الحريري

وأكد أن “الرئيس سعد الحريري، يتحصّنُ بالصبر والتفاؤل والامل ويتّخذ من التهدئة أسلوباً وهدفاً لن يتخلى عنه، لكنّه الآنَ في ذروة الاستياءِ والتذمّرِ من المسار الذي بلغته السجالاتُ والنكاياتُ السياسية ، ومن خطابِ التحدّي الذي يَتنقّـل بين الاحزاب والتيارات والمناطق، ولا يقيم وزناً للتحدّياتِ الاقتصاديةِ الماثلة وللتصنيفاتِ المالية التي تطرُق أبوابَ الاقتصاد اللبناني، ولا للوقت الذي يُهدَر كلَ يوم على مذابح التصعيد السياسي والطائفي”.

وفي ما بدا تلويحا بالاعتكاف من قبل الحريري جاء في مقدمة “المستقبل”، أشارت المحطة التلفزيونية إلى أن “الرئيس سعد الحريري، إذا شاؤوا قادرٌ على التزام مكتبِه في السراي الحكومي، من الآن والى ان تقومَ الساعة، أو الى أن تحينَ لحظة الوعي لدقّةِ الظروف التي تواجه لبنان، فيُدرك الجميعُ عندها، انّ مجلسَ الوزراء ليس ساحة لتصفيةِ الخلافات السياسية أو للانتقام من هذا المكوّن أو ذاك، بل هو مؤسسة لترجمة الوفاق الوطني وإدارةِ شؤون الدولة تحت سقف القانون والعدالة والدستور والعيش المشترك”.