IMLebanon

احداث قبرشمون ما زالت تُلقي بثقلها على الأوضاع الداخلية

كتب عامر مشموشي في “اللواء”:

 

رغم مرور حوالى الأسبوعين على احداث الجبل التي خلفت قتيلين من مرافقي الوزير صالح الغريب، لم يحصل أي تقدّم على صعيد المعالجات التي كلف القيام بها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وثمة إجماع بين الأوساط السياسية المراقبة لسير الأوضاع في هذه المنطقة الحسّاسة والتي خاضت في السابق تجربة مُرة ما زالت آثارها حيّة في أذهان الذين عاشوا تلك التجربة على ان الأزمة التي خلفها ذلك الحادث هي أكبر من ان تحل بالطريقة التي يعتمدها الأفرقاء والمعنيون بها.

ومن يُعيد قراءة الدعوة التي أطلقها أوّل من أمس رئيس الحكومة سعد الحريري والبيان العالي النبرة الذي صدر عن كتلة نواب «المستقبل» والذي توجه به إلى كل الأفرقاء على الساحة الداخلية يتبين له ان الأزمة ما زالت في بداياتها، وما زالت بالتالي بحاجة إلى وقت طويل للتوصل إلى إطفاء النار التي اشعلها حادث قبرشمون وما يسمى بالشرارة التي اشعلت النار على حدّ تعبير سياسي مخضرم عاش احداث الحرب الأهلية وما خلفته من حساسيات في الجبل لم تفلح حتى المصالحة التاريخية التي أرساها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط وبطريرك الموارنة الراحل مار نصر الله بطرس صفير في إزالة آثارها، وبالتالي فإن الأمر، وفق الأوساط السياسية ما زال يحتاج إلى وقت طويل ربما امتد إلى شهر أو أكثر للتوصل إلى تسوية تحمي الجبل وسكانه من خطر الفتنة، وخلاله ستبقى الدولة معطلة وهذا ينسحب على عودة مجلس الوزراء إلى عقد جلساته العادية للنظر في العديد من القضايا الملحة من اقتصادية واجتماعية ومالية لا تحتمل التأجيل، وما الكلام العفوي الذي صدر عن الرئيس سعد الحريري المعني الأوّل بدعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع على حدّ ما اورده البيان الذي صدر عن كتلته النيابية سوى تعبير دقيق عن واقع الحال الذي تعيشه الحكومة منذ احداث الجبل الأخيرة.

والمطلعون على مسار الاتصالات التي يقوم بها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، يقرون بأن الأزمة ما زالت تتفاعل وتحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى تسوية تُطفئ النار التي ما زالت تحت الرماد بالرغم من كل ما يقال هنا وهناك بأن لبنان تجاوز قطوع وقوع الفتنة وعودة اللبنانيين إلى الاحتراب كما حصل بعد حادث عين الرمانة في العام 1975، علماً بأن مدير الأمن العام يعمل ليس فقط على تهدئة الأجواء لتمرير الصيف وكل الآمال المعلقة عليه بل على إيجاد حل جذري يطفئ نار الفتنة التي ما زالت تغذيها تصريحات السقوف العالية والشروط والشروط المضادة التي يطرحها فريقا الأزمة القائمة.

وتقول مصادر مقربة ان مدير الأمن العام الذي يُدرك جيداً صعوبة المهمة التي أوكلت إليه وهي إيجاد حل جذري يُعيد الهدوء والاستقرار التامين إلى الجبل يعمل على ثلاثة خطوط متوازنة، وهي الخط الأمني الذي هو من مسؤولية الجيش وعليه ان يتخذ الإجراءات اللازمة لفرض هيبة الدولة، وإعادة الطمأنينة إلى نفوس مسيحيي الجبل، والخط القضائي الذي يتولاه بنفسه والذي ما زال يواجه العديد من الصعوبات بسبب استمرار المواقف المتشنجة من جهة، والشروط والشروط المضادة من جهة ثانية، بما يؤخر تمكن القضاء الذي وضع يده على القضية من الوصول إلى النتيجة التي تلجم الأزمة، وتبين الحقيقة التي على ضوئها يُمكن لمجلس الوزراء ان يتخذ القرار المناسب بإحالة القضية إلى المجلس العدلي أو ابقائها بيد القضاء العادي، اما الخط الثالث فهو سياسي بحت من منطلق ان القضية التي حدثت في كل منطلقاتها ومسبباتها سياسية ولا يُمكن ان تحل بالطريقتين الأمنية والقضائية وحدهما على الرغم من الدور الإيجابي المؤثر على مسار الأحداث الذي يُمكن ان يلعبه الحلان الأمني والقضائي، على اعتبار ان الحل الأمني يثبت هيبة الدولة التي تعرّضت في الماضي القريب والبعيد وفي الجبل تحديداً إلى الاهتزاز بل ان الدور الأساسي في هكذا قضية يعود إلى الحل السياسي، ويبدو حتى الآن ان مثل هذا الحل غير متوفر بدليل استمرار الأطراف المعنية في تقاذف القنابل الصوتية على صفحات الصحف وعلى كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والورقية، وهذا أخطر ما في الأمر، ما من شأنه ان يضع الحكومة برمتها في مأزق كبير قد يؤدي إلى الاستقالة وإعادة الدولة إلى حضن الفراغ والتعطيل وعدم انتظام مؤسساتها الدستورية.

وفي سياق آخر، تذكر الأوساط السياسية نفسها بأن الأرضية، كانت مهيأة لوقوع حادث قبرشمون وأول عناصرها الأساسية هو فقدان الدولة لهيبتها وقدرتها على فرض كلمتها والقانون على أراضيها بدءاً من احداث السابع من أيّار 2008 إلى حادث الشويفات وصولاً إلى حوادث الجاهلية في شهر كانون الماضي، وتشدد الأوساط بالذات على احداث الجاهلية وعلى انكفائها امام هجمة الوزير السابق وئام وهّاب وأظهرت بذلك عجزاً كبيراً من الطبيعي ان تدفع البلاد برمتها ثمنه من أمنها واستقرارها، طالما لا عقاب أو محاسبة، مما سهل على كل مواطن ان يأخذ حقه بيده ويصبح امراً عادياً غير مستغرب فضلاً عن احتمال قوي ان تكون الدولة كلها أو فريق فيها متواطئاً على الدولة نفسها لايصالها إلى تلك الحالة المزرية خصوصاً وان ما حصل ترافق واستمر مع الخطاب الاستفزازي العالي السقف، زيادة في تأجيج النفوس والتحريض على الفتنة، إضافة إلى الحصار الذي فرض على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط والذي تراكم مع تلك الأحداث وقبلها ما جعله يعيش حالة قلق على حجمه السياسي في الجبل وحتى على التوازن القائم بما في ذلك على المصالحة التاريخية التي يعتبرها ولا يزال أكبر إنجاز تحقق لمصلحة لبنان الواحد والشعب الواحد.