IMLebanon

جديد العقوبات الأميركية على “الحزب”: منع تقويض الدولة اللبنانية!

كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:

نصر الله يُشيد اليوم بتضامن لبنان الرسمي والسؤال كيف يكون ردّ واشنطن  على التذاكي اللبناني؟

البيان الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركية حول فرض عقوبات على رئيس كتلة «حزب الله» في البرلمان النائب محمد رعد، وعضو الكتلة النائب أمين شري، والرجل القوي في «الحزب» رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، يُشير في هامشه إلى أن 50 عضواً أو كياناً مرتبطين بـ «حزب الله» باتوا موضوعين منذ العام 2017 على لائحة العقوبات الأميركية للإرهاب، منهم السيّد حسن نصر الله، الشيخ نعيم قاسم، الشيخ محمد يزبك، حسين خليل وإبراهيم الأمين السيّد. وهذا يؤشر إلى أنها ليست المرّة الأولى التي يتم فيها إدراج قيادات سياسية في «حزب الله» على قوائم العقوبات، ما يطرح سؤالاً عما إذا كان القرار الأميركي الأخير يحمل جديداً.

في الواقع، يُبيّن القرار حيثيات إدراج كل من الرموز الحزبية الثلاثة على قائمة العقوبات. وتحمل تلك الحيثيات رسائل متعددة الاتجاهات والأهداف، الأمر الذي يُفسّر في جانب كبير مسارعة أركان لبنان الرسمي إلى إصدار مواقف أسف وإدانة، واعتبار أن هناك منحى جديداً في هذه العقوبات.

المنحى الجديد هو أنها المرة الأولى التي تطال فيها العقوبات ممثلين لـ «الحزب» داخل النظام السياسي اللبناني. فمحمد رعد يعتبر الشخصية الأعلى تمثيلاً لحزبه داخل النظام اللبناني. هو نائب منذ العام 1992 بشكل متواصل ورئيس كتلته البرلمانية. في استهدافه رسالة إلى أن الندوة البرلمانية أو مقولة خيارات الشعب الديموقراطية لا تُشكّل مظلة أو عباءة لـ «الحزب» وأعضائه يمكن الاحتماء خلفها. تُسقط واشنطن بدعة الدول، ومنها الأوروبية، بالفصل بين الجناحين السياسي والعسكري، التي لجأت إليها لحاجتها إلى التعامل مع «الحزب» نتيجة أسباب عدة، أولها مساهمة دولها ضمن قوات الطوارئ الدولية الواقعة في المناطق الخاضعة لنفوذه، وثانيها الحاجة إلى تنسيق أمني واستخباراتي معه، أما ثالثها فلا يخلو من التناغم السياسي مع طروحاته وطروحات راعيه الإقليمي. استندت واشنطن في «اللافصل» إلى موقف «الحزب» نفسه الذي يهزأ من نظرية الجناحين السياسي والعسكري.

في الفذلكة – إذا صح التعبير – يأتي استهداف القيادات الثلاث من زاوية استخدام «الحزب» لسلطته السياسية المتأتية من القيم الديموقراطية لإفساد العناصر الأمنية والمالية في لبنان، واستخدام لبنان رهينة وساحة خلفية لسوريا وإيران وما يؤثر ذلك على حياة اللبنانيين.

فـ «رعد» ليس نائباً فحسب بل عضو في مجلس الشورى الذي يشكل «القيادة الأعلى في الحزب، والمسؤول عن اتخاذ القرارات في الشؤون الدينية والاستراتيجية ويتمتع بسلطات في مجالات الإدارة والتخطيط وصنع السياسات، ويواصل إعطاء الأولوية لأنشطة «حزب الله» بدل الدعوة إلى قرارات سياسية تعالج المحنة الاقتصادية التي تثقل كاهل المجتمعات التي يمثلها، فيحتفظ بذلك بالازدهار اللبناني كرهينة». وقد تمّ إدراج رعد بناء على إجراءات سابقة استهدفت مجلس الشورى.

و«شرّي» النائب، مُكلّف بالتعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية. ليس سراً أن «حزب الله» مارس ضغوطاً على المصارف بعد اتجاهها إلى اتخاذ إجراءات احترازية تجنّبها خطر تعريضها لغرامات مالية إذا ظهر أنها خرقت القوانين الأميركية. وقد وصلت تلك الضغوط إلى توجيه رسالة تهديدية بتفجير طال الفرع الرئيسي لـ «بنك لبنان والمهجر»، ما دفع بحاكم مصرف لبنان إلى البحث عن مخارج، وإلى السير بين الألغام من أجل تلبية الشروط الأميركية من جهة، وتأمين مصالح البيئة المحسوبة على «حزب الله» من جهة ثانية. ويأتي اختيار شرّي من زاوية الرسالة الأميركية إلى أنها تعمل على حماية القطاع المصرفي الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني.

الشخصية الثالثة في القرار هي وفيق صفا، الرجل صاحب النفوذ الكبير في «الحزب»، والمكلف بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية وغير اللبنانية وحتى الأجهزة القضائية. في الحيثيات أنه يلعب دوراً رئيسياً في استخدام الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية للتهريب وتسهيل السفر بالنيابة عن «حزب الله» وتقويض أمن الشعب اللبناني وسلامته واستنزاف رسوم الاستيراد والإيرادات القيّمة وحرمان الدولة اللبنانية منها. ليس خافياً أن مطلب سيطرة السلطات اللبنانية الأمنية والجمركية على المرافق البحرية والبرية هو من الشروط الرئيسية المطلوبة دولياً من لبنان ضمن مؤتمر «سيدر».

يأخذ القرار الأميركي بهذه النواحي بعداً جديداً في مقاربته أسباب العقوبات، بحيث يُشكل عنصراً داعماً للدولة اللبنانية أمام محاولة تقويضها سياسياً ومالياً وأمنياً. وهو من شأنه أن يضع الدولة اللبنانية أمام اختبار قاس وحرج، فيما هي تعوّل على «سيدر»، الذي يُنظر إليه على أنه خشبة خلاص للبنان من الانهيار الاقتصادي والمالي وبداية للولوج إلى إصلاحات لمالية الدولة وإلى تحفيز الشراكة القوية بين القطاع الخاص والعام.

 

بالطبع ثمة إضافات عن الأسباب الموجبة لاختيار هذه الشخصيات، ومنها دور شري المالي والتجاري ضمن شبكة تمويل الحزب، وكذلك دور صفا في تسهيل عمليات تمرير شحنات من المواد والمخدرات والأسلحة. واللافت إشارة القرار إلى احتفاظ صفا ورعد بقائمة تضم أسماء مئة عضو من الحزب كانوا سيكتسبون جنسية أجنبية وكان سيتم إرسالهم بجوازات السفر الأجنبية في مهام طويلة الأجل إلى دول عربية وغربية.

قد يكون من المبكر التكهن بانعكاسات القرار الأميركي على الداخل اللبناني بما يحمله من أبعاد جديدة تتعلق بالتوجه العملاني إلى «منع تقويض الدولة اللبنانية». فسرعة ذهاب القيادات الرسمية العليا إلى تشكيل خط دفاع عن «حزب الله» المنخرط اقليمياً ودولياً في عمليات تتسم بالإرهاب، وعدم محاولة الدولة الإيحاء بوجود حدود فاصلة بينهما سيقابل بقدر من الثناء من قبل نصرالله في إطلالة اليوم، إذ انه يعول كثيراً على إظهار لبنان الرسمي نوعاً من التضامن مع الحزب في مواجهة أي اجراء أتى من الخارج.

لكن السؤال: كيف ستكون ردة فعل واشنطن في هذا الإطار، وما سيكون تأثير الموقف اللبناني على القرارات الأميركية اللاحقة؟ ففي المعطيات أن العقوبات كان يفترض أن تفتح الطريق أمام السلطات الرسمية للبحث في كيفية تدعيم واقع المؤسسات الشرعية على اختلاف أنواعها وتمكينها من أداء دورها وإمساكها بقرارها، في ظل الشكوى الدائمة عن عجزها في مواجهة سيطرة الحزب على مفاصل الدولة، ما سيجعل لبنان الرسمي أمام المساءلة ومزيد من الضغوط.

فبالنسبة إلى الأميركيين، فإن زمن المراعاة والتفهم قد انتهى أو شارف على الانتهاء، ولا بد من اتخاذ خطوات جريئة على مستوى إدارة الدولة، بحيث لا يبقى لبنان ساحة مستباحة لإيران وأذرعها تحوله إلى دولة فاشلة ومارقة، بما يشكل خطراً على نظامه السياسي وتركيبته المجتمعية واستقراره وأمنه. والسؤال الذي لا بد من طرحه: كيف سيتعامل لبنان غداً إذا ما طالت العقوبات حلفاء الحزب ورموزاً في السلطة التنفيذية ورجال أعمال خارج بيئة «حزب الله»؟ وهل سيستمر عندها في انتهاج سياسة «التذاكي» و«استغباء» الخارج؟!