IMLebanon

السباق على الدولار يلهب الأسعار ويعمّق الإقتصاد الريعي

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

موجة غير مسبوقة من الفوائد المرتفعة تجتاح المصارف التجارية اللبنانية. ففي الوقت الذي تُحدِّد فيه الدول الفوائد بربع ونصف في المئة، ويعمل ألف حساب لزيادتها بأجزاء من النقاط، تجاوز معدّلها في المصارف التجارية اللبنانية الـ 14.2 في المئة، فاتحة السقوف على عروضات ومنتجات مصرفية لا يحدّها إلا مدى الحاجة إلى الدولار.

ما يعتبره الكثيرون فرصة العمر لجني أموال سهلة، بعيدة عن مخاطر التوظيف والإستثمار في المشاريع الحقيقية، ما هو إلا دليل جديد على عمق الأزمة التي تسببها توأمة العجزين (عجز ميزان المدفوعات، وعجز الخزينة)، والحاجة الماسة إلى الدولار. قبل فترة وجيزة أصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً أتاح للمصارف التجارية تسجيل الأرباح الناتجة من الهندسات المالية أرباحاً فورية، بشرط أن تكون العمليات منفّذة بعد الأول من كانون الثاني من العام الحالي، وأن يكون مصدرها أموالاً “طازجة” تحوّلها المصارف لهذه الغاية من خارج أموالها الموجودة لدى مصرف لبنان.

ولمواكبة هذا الإغراء وجذب العملة الخضراء، عمد بعض المصارف إلى رفع الفوائد على المبالغ الجديدة التي تتجاوز الـ 20 مليون دولار إلى 14.2 في المئة، شرط أن تجَمّد لثلاث سنوات، لتعود وتخفض مبالغ الإيداع إلى 5 ملايين دولار، ووصلت أخيراً إلى 1.5 مليون دولار، تُعطي عليها الفوائد نفسها. الرقم الصادم يعتبره الخبير الإقتصادي روي بدارو، مخففاً، وهو يدل برأيه على الفائدة الإسمية. فيما الفائدة الحقيقية التي تدفع فعلياً تبلغ 20 في المئة. وبحسب بدارو، فان “طريقة إحتساب الفوائد المعتمدة يستثنى منها نسب التضخم السلبية التي يحققها لبنان نتيجة تراجع أسعار الأصول، وبالتالي إذا أضفنا التضخم الحقيقي (نحذف سعر الطاقة وأسعار بعض المواد الأخرى المتقلبة من مؤشر الاحصاء المركزي، ونضيف اليه تدني سعر الأصول من عقارات وبورصة) الذي يبلغ “6” في المئة لتصبح نسبة الفائدة الحقيقية 20 في المئة”.

أصل المشكلة

أمام نزف ميزان المدفوعات المقدر باكثر من 18 مليار دولار، وخروج العملة الصعبة بوتيرة سريعة تفوق 70 في المئة مما يدفع بالليرة اللبنانية، يصبح “الإستقتال” لجذب الدولار مبرراً. “فمنذ حزيران العام 2013 ولغاية اليوم يسجل ميزان المدفوعات نتائج سلبية بشكل شهري. حتى أنه سجل خروج أكثر من 10 مليارات دولار في غضون أقل من سنة حالياً”، يقول الرئيس التنفيذي السابق لستاندرد تشارترد بنك في لبنان دان قزي، ويضيف “أن رفع أسعار الفوائد يحصل بتشجيع مباشر من مصرف لبنان. وهو يهدف الى حث المصارف التجارية على جذب المزيد من الدولار للمساهمة في تخفيض العجز، وإعطاء بعض “الاوكسيجين” للإستمرار بالإنفاق وتمديد مدة الصرف”.

المخاطر

يفترض المنطق ان تكون عائدات توظيفات المصارف للودائع أكبر من معدل الفائدة المدفوعة، حتى ولو بنسبة 1 في المئة. وهو ما يدفع إلى السؤال عن ماهية التوظيفات التي ستؤمن للمصاراف ربحاً يفوق الـ 14 في المئة؟ يجيب قزي أن “الوضع قد يكون أسوأ، فهدف جذب الأموال هو لوضعها في احتياطي المصرف المركزي، الذي يستهلكها بدوره بدعم الليرة وتغطية عجز الدولة، وليس لتوظيفها في مشاريع واستثمارات مُنتجة. فكل الإستراتيجية تقوم على تغطية الفوائد القديمة بأموال جديدة، وهكذا دواليك أي (تلبيس طرابيش)، وهو الأمر الذي يعرض أموال المودعين لخطر فعلي”. وبحسب روي بدارو، فإن “سياسة تثبيت سعر صرف العملة تكلف الإقتصاد المزيد من مخاطر إقفال المؤسسات، وصرف العمال وارتفاع نسب البطالة”.

وفي تطبيق حي لانعكاس أسعار الفوائد على الإقتصاد… تلقى عبدو، صاحب أحد المعامل لتصنيع السيراميك عرضاً من احد المصارف لوضع كمية كبيرة من الأموال مقابل فائدة “حرزانة”. ونتيجة لتراجع حركة البيع منذ أعوام واستمرار إرتفاع الكلفة، قرر تصفية المعمل وصرف عشرات الموظفين ووضع الأموال في المصرف و”العيش” من الفائدة.

“نتدين لنتزين” مقولة شائعة عن ثقافة الإستهلاك عند اللبنانيين، نقلتها الدولة، وطبقتها في سياساتها المالية. فبحسب قزي، “كان الاجدى وضع قيود على تحويل الليرة إلى دولار في عمليات السفر للسياحة في الخارج، وفرض رسوم عالية على إستيراد الكماليات والأشياء الفارهة، بدل إعتماد سياسات جذب الدولار الخطيرة”.

قد يكون ما يُتبع من سياسات وهندسات مالية هو كاستنجاد الغريق بالقشة. لكن النتيجة تكون عادة، غرق القشة وموت طالب النجدة.