IMLebanon

نفْخ التوقّعات لن يملأ الخزينة بالليرات

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

لا يختلف أحد على أن الموازنة العامة للدولة هي بيان تقديري لإيرادات الدولة ونفقاتها للسنة المالية المقبلة، يُوضع في مهلة زمنية لا تتجاوز كانون الأول. وعلى الرغم من أن الأرقام هي محض تقديرات، فهي تتطابق في معظم الحالات مع قطع الحساب، الذي يوضح أرقام الجباية والصرف المحققة في السنة المالية. وهامش الخطأ بين تقديرات الموازنة وقطع الحساب عادة يكون صغيراً، ولا يكبر إلا مع تجاوز النفقات ونفخ المتوقع من الإيرادات.

لبنان من الدول التي تقع غالباً في هوة الفرق بين تقديرات الموازنة وقطع الحساب، والذي ما زال مستتراً منذ العام 2005 خلف تبريرات تصب كلها في خانة المخالفات لجهة الإلتزام بالإنفاق. فـ “قطوعات الحسابات التي أجرتها وزارة المال بين العام 1997 و2017 بينت فروقا في الحسابات بقيمة 16 مليار و300 مليون دولار” بحسب الأمينة العامة لحزب سبعة غادة عيد. وهو ما يؤخّر ابراز الكشوفات وإطلاع الرأي العام على حقيقة الأرقام المالية.

بغض النظر عن الأرقام المطروحة، فإن فروقات الحساب لا تعود بالضرورة، إذا افترضنا حسن النية، إلى تخطي سقوف الإنفاق فقط، إنما أيضاً إلى المبالغة الكبيرة في التقديرات. وما الموازنة التي تُناقش في مجلس النواب إلا دليل على اضطرار القيمين عليها من حكومة ولجنة مال إلى نفخ الإيرادات تحت ضغط تضخم النفقات، ومحاولة تخفيف عجز الموازنة، والذي من المتوقع أن يفوق هذا العام بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي الـ 9 في المئة. فخرج من لجنة المال والموازنة اقتراح إحداث إيرادات إضافية من البناء المستدام والأخضر بما يعادل 200 مليار ليرة، كما اقترحت اللجنة إيرادات من تسوية مخالفات البناء بمبلغ 200 مليار ليرة، ليصل مجموع الإيرادات النهائية المحصلة وفق لجة المال والموازنة الى حوالى 400 مليار ليرة. وهو ما يساهم بالاضافة الى تخفيض الإنفاق بقيمة 550 مليار ليرة إلى تخفيض عجز الموازنة الى حدود 6.69 في المئة من الناتج المحلي.

عجاقة: التحصيل 65%

إنطلاقاً من تخفيضات لجنة المال النيابية، تظهر المبالغة في التقديرات واضحة. إذ بحسب بعض الأوساط الإقتصادية فإن تأمين 200 مليار ليرة من مخالفات البناء لن يتحقق، أقله بما تبقى من هذا العام. وذلك بسبب تراجع مداخيل المواطنين، وإعتكاف معظمهم عن تسوية المخالفات (راجع تقرير “الحاجة إلى الأموال أم الفوضى” 15 حزيران). أما الـ 200 مليار المقترحة من البناء الأخضر فيعتبر تحصيلها نسبياً ويرتبط بتغيرات لا تؤخذ كلها في الإعتبار.

تقدير الإيرادات لا يبنى من المجهول إنما يرتكز بشق أساسي منه على تحصيلات الأعوام السابقة. وبالأرقام فإن “ما يُحصّل من إيرادات لا يتجاوز الـ 65 في المئة من التوقعات في أحسن الأحوال” يقول البروفيسور جاسم عجاقة. ويضيف “بدلاً من تخفيض النفقات لتتوازى مع الإيرادات يجرى تثبيت مستوى الإنفاق تقريباً عند سقف 17 مليار دولار( 6 مليارات دولار خدمة الدين. 6 مليارات أجوراً. و2 مليار دولار للكهرباء. و3 مليارات دولار لتسيير أمور الدولة) فيما الإيرادات الممكن تحقيقها بحدود 12 مليار دولار”.

حمدان: الإنكماش يقلص الإيرادات

نسبة كبيرة من الإيرادات المتوقع تحصيلها تبنى على رسم (ضريبة) الـ 3 في المئة على كل السلع المستوردة التي تخضع للضريبة على القيمة المضافة، تقع هي الأخرى في دائرة الشك. “خصوصاً إذا دخل البلد في مرحلة الإنكماش، نتيجة ما تسببه زيادة الضرائب والرسوم من إرتفاع في الأسعار. وبالتالي تنخفض بنسبة غير قليلة كل الأرقام التي بنيت على زيادة الإيرادات من الضرائب والرسوم” يقول الخبير الإقتصادي الدكتور كمال حمدان.

الحواط: لإقفال المعابر 

عضو تكتل الجمهورية القوية النائب زياد الحواط يذهب أبعد من ذلك ويقول”الإيرادات المعول عليها والتي ترتكز على زيادة الضرائب والرسوم ستكون بلا قيمة، وليست ذات جدوى في حال استمرار التغطية على المخالفين في المعابر الشرعية من مرفأ ومطار وحدود برية، وعدم إقفال المعابر غير الشرعية الـ 120 التي يعترف المسؤولون بتجاوز هذا الرقم والتي تستمر بتغطية سياسية . هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهناك مخالفة فاضحة للدستور بالعمل وإقرار موازنة بعد سبعة أشهر من انقضاء العام. وهو ما سيرفع العجز فوق كل التوقعات، ولن يكون محصوراً كما يتوقعون بين 6.59 و 7.59، لانه سبق وصرف الكثير من الأموال منذ بداية العام”. ويضيف حواط أن “كل البحث يتركز على كيفية تأمين المداخيل من جيوب المواطنين ورواتبهم، وتحميل الفقراء والطبقات الإجتماعية عبء الضرائب والرسوم، وليس على إقفال أبواب الهدر والفساد التي حددناها في تكتل الجمهورية القوية. وهو ما دفعنا إلى دق ناقوس الخطر، والإعلان أن هذه الموازنة لا تضع البلد على السكة الصحيحة، وليست هي المرجوة لمعالجة المشاكل”.

موازنة العام 2019 لن تشذ عن سابقاتها، ومسكها دفتريا وحسابياً لم يصوبها باتجاه الدقة التي يفترضها عالم الأرقام. بل العكس أتت عقيمة إقتصادياً لم تحمل أي تغيير بنيوي ينتشل البلد من مأزق عجز ميزان المدفوعات الذي يتعمق يوما بعد آخر، وذلك بحسب مختلف الآراء التي استطلعتها “نداء الوطن”.