IMLebanon

“صيّف يا صيف… رجْعِتنا قريبة”

كتبت باتريسيا جلاد في صحيفة “نداء الوطن”:

اعتاد السعودي أحمد الأحمدي القدوم الى لبنان. فهو يأتي الى بلده الثاني سنوياً لينعم بهواء “عروس المصايف” العليل. يزور لبنان قبل حرب الـ 75، ولم ينقطع قطّ عن القدوم اليه صيفاً واحياناً شتاءً. ما زال وفياً لتلك “الأرض الخضراء، بلد الأرز وفيروز والضيافة، بلد الطقس المعتدل والهواء العليل في أماكن الإصطياف والناس الطيّبين” كما يصفهم. لم يتأثر لا بحظر من هنا ولا بحادث أمني من هناك هو على أشدّ المعرفة بكل شبر من لبنان ويغار عليه ولشدة حبه له، يحكي ويستفيض.

يعتبر الأحمدي واحداً من الخليجيين الذين يزورون دورياً لبنان، واعتادت عليهم مناطق عاليه وبحمدون وبرمانا التي تبرز من أهم اماكن الإصطياف والسياحة في البلاد. تلك المناطق بدأت تستعيد انفاسها بعد أن خطفتها أحداث “البساتين” ما أثّر على سياحة النصف الأول من شهر تموز. فهي استطاعت أن تنفض عنها غبار الجمود آملة أن تكون سياحة الـ40 يوماً والتي بدأت من منتصف تموز جيدة الى حدّ ما فتلتقط أنفاسها بدعم من البلديات التي تقيم المهرجانات والحفلات الغنائية لاستقطاب اقله اللبنانيين.

بداية الجولة كانت من عاليه التي تنام نهاراً وتستفيق ليلاً على وقع أصوات فنانين تصدح اصواتهم ويتردد صداها حتى ساعات متأخرة من الليل.

محطتنا الأولى كانت من بلدية «عروس المصايف» عاليه التي تنكب على الرعاية والإشراف على المهرجانات والمعارض السنوية التي تقيمها لإحياء المنطقة التي فقدت “أبناءها ” الخليجيين منذ العام 2011، فافتتح امس مهرجان “عيش الفرح” الذي سيستمر لغاية 18 آب وهو عبارة عن أكشاك وضعتها البلدية كما قال وسام دنش من مكتب رئيس بلدية عاليه لـ”نداء الوطن”، لبيع المنتجات التي تتضمنها السوق التجارية ويتضمن المهرجان نشاطات ترفيهية لكل الأعمار.

ويضيف دنش “هناك أيضاً مهرجانات أخرى واحد للإنسانية وآخر تصويري وللسيارات ومسابقة للتزيين، أما بالنسبة الى السيّاح المتواجدين في عاليه، فقال إنهم يتوزعون بين السعوديين، والكويتيين وبعض من القطريين خصوصاً الذين يملكون منازل”.

وتعزز تواجد الخليجيين بعد أن كان عددهم شبه منعدم، بعد الجولة التي أجراها في المنطقة وزير الثقافة ومحافظ جبل لبنان مع سفراء دول السعودية، الامارات تونس، الجزائر، مصر، الكويت، وعمان لافتتاح موسم السياحة فدعوا الى القدوم الى المنطقة والإطلاع على معالمها الجميلة، ما أضفى أجواء ايجابية في ظل الجمود الذي كان مخيّماً على المنطقة منذ شهر.

آمال معلّقة

تلك الأجواء التفاؤلية لم يلمسها بعد بشكل لافت أصحاب الفنادق في المنطقة اذ اعتبر مدير أحد الفنادق في شارع عاليه الرئيسي والذي يفتح ابوابه موسمياً، أن كل الآمال الايجابية التي كنا نعوّل عليها بأن يكون صيف 2019 واعداً بسبب رفع الحظر عن لبنان من قبل الدول الخليجية، تبدد بسبب الأحداث الأمنية الأخيرة في منطقة “البساتين” ومن جاء هم بعض من الخليجيين الذين يقصدوننا سنوياً وبشكل دوري.

ويضيف أن تكاليف الأشغال تفوق المدخول، ناهيك عن الإنقطاع المزمن للكهرباء والذي يزيد عن 15 ساعة يومياً ما يرفع الأعباء على المؤسسات السياحية الصغيرة والمتوسطة التي تئن من الركود منذ العام 2011 وغير القادرة على تحمّل المزيد من الخسائر. ويعلق الآمال على تحسّن الحركة السياحية في المنطقة خلال سياحة الـ”40 يوماً” المتبقية وتحديداً في فترة عيد الأضحى، علّ تلك الحركة تخفف بعضا من وطأة الخسائر التي تُمنى بها الفنادق والمؤسسات السياحية سنوياً.

في البداية كانت جولتنا في عاليه في الفترة الصباحية حيث بدا الجو هادئاً في شارعها الرئيسي والحركة عادية، لكن ما إن حلّ المساء حتى ازدحمت الطريق بالسيارات والأرصفة بالناس. أما المطاعم فكل واحد راح يغنّي على ليلاه. هذا الذي يقطع الطريق بالمفرقعات والدبكة لاستقبال “عروستنا الحلوي” كما تقول الأغنية، وذاك الذي يجنّد المستخدمين لديه لتأمين الطريق لاستقبال فنانه المعروف والذي “يدخل بالطبل والزمر”. أما مرتادو المنطقة “لتغيير الجوّ” فيتخذون موقف المتفرّج ويتنعمون بنسمات الهواء التي تداعبهم خلال نزهاتهم على الرصيف لاختيار مطعم يمضون فيه السهرة، فينسون حرّ العاصمة ورطوبتها، والذي يعيش في عاليه أو بحمدون، تعود به الذاكرة الى ايام زمان أيام السياحة حيث كانت الدشداشات البيضاء والسوداء تفترش تلك الأرصفة وتملاً المطاعم، فيتساءل “متى ستعود إيام زمان”؟.

بحمدون

ومن عاليه الى بحمدون المحطة تابعنا الجولة، فتلك المنطقة عملت جاهدة منذ سنوات عدة على تحسين بنيتها التحتية ووفرت لأبنائها الكهرباء 24/24. الجوّ هو نفسه ولكن بوتيرة أكثر هدوءاً وأقل صخباً. فندقان فتحا ابوابهما لصيف هذا العام فقط نظراً الى الجمود الذي يخيّم على المنطقة منذ ثماني سنوات، الا ان البلدية بدورها تسعى جاهدة لاستقطاب روادها من خلال مهرجان “صيّف يا صيف” الفني الحرفي والرياضي الذي ستقيمه لفترة ثلاثة ايام من 26 الى 28 تموز كما قال لـنا رئيس البلدية د. فيليب متى. وبالنسبة الى الحركة السياحية أوضح متى أنها جيدة وأفضل من الفترة نفسها من العام الماضي، والكويتيون قدموا الى البلدة لقضاء العطلة أكان في المنازل التي يملكونها أم في الفنادق، كيف لا وبحمدون تعتبر البلد الثاني لهم.

وبالنسبة الى الفنادق، فنسبة الإشغال فيها لا بأس بها كما قال متى والعمل جار كي نسير على الخط المستقيم بغية تحقيق السياحة المستدامة.

برمانا
وفي المقلب الآخر وتحديداً في منطقة برمانا الجبلية البعيدة كل البعد عن مجريات الأحداث الأمنية التي وقعت، فهي تشهد إقبالاً لا بأس به ولو جاء أقلّ من التوقعات، “فالبلدية عملت جاهدة على زيادة عدد مطاعمها ، وبلغ عدد الكراسي 8000″ كما قال لـ”نداء الوطن” رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر. وأوضح “في الفترة الأخيرة استطعنا في برمانا خلق تنوع في المطاعم من خلال حصولنا على “فرانشيز”، وبذلك يكون عدد المطاعم قد بلغ 90 مطعماً وهي بغالبيتها في الخارج outdoors”.

وعادة في موسم الإصطياف، يتابع الأشقر “تتراوح نسبة الإشغال في المؤسسات السياحية بين 70 و 80 % لفترة 4 أشهر وبذلك يمكن القول إن نحو 6000 أو 8000 شخص يرتادون برمانا باعتبارها منطقة جبلية حيوية”.

ومقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، لفت الأشقر الى أن “الآمال لا تزال معلقة على تسريع عجلة الإشغال الفندقي، مشيراً الى أننا نشهد تحسناً مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 10%”.

واضاف “إن الآمال كانت معلّقة على أن تتراوح نسب الإشغال الفندقي بين 60 و 70%، الا أن هذا الرقم لم يتحقق ولو استطعنا تحقيق هذه النسب لكانت المؤسسات الفندقية تمكنت من تغطية الخسائر التي لحقت بالقطاع خلال السنوات الماضية”.

التواجد السعودي

وعما قيل عن تواجد سعودي لافت في لبنان قال الأشقر “كنا ننتظر ان يكون العدد اكبر، الا أن حوادث الجبل أثّرت على قدوم الخليجيين الى البلد عموماً وبرمانا- بيت مري، وضهور الشوير خصوصاً، علماً أن وقع حادثة “البساتين” كان أكبر على منطقتي عاليه وبحمدون”.

حوافز

تبقى الآمال معلّقة في الأمد المنظور على إدراج الخليجي لبنان على خريطته السياحية من جديد، فهو اعتاد على التوجّه الى دول أخرى لا سيما اليونان اسبانيا وتركيا وقبرص نظراً الى الحوافز التي قدّمتها الى السيّاح وابرزها منح جوازات سفر لمن يتملك في تلك الدول. ولكن رغم ذلك فلبنان قادر على استعادة هؤلاء الخليجيين، شرط تحقيق  الإستقرار السياسي والأمني وحتى المالي في البلاد. فالعروضات كثيرة ووكالات السياحة والسفر أعدت رزماً جاذبة للسيّاح، ليس للخليجيين فحسب بل للأوروبيين أيضاً الذين تعمل وزارة السياحة منذ سنوات على زيادة عددهم.

وفي ظلّ الظلمة لا بد من أن نضيء شمعة الأمل بأن “نعيش الفرح” و”نصيّف الصيف” على جبهة جبالنا وأن يحقق شهر آب تحسّناً ملموساً.